كثرة المحال أن يتعلّق القلب لسببٍ فيسلم الجسم منه على حالٍ، ولكنّه لاستحيائه من ادّعائه اعتذر، فقبح في اعتذاره. وأنشدني بعض المشايخ:
وقائلةٍ: ما بال جسمك لا يرى ... سقيماّ وأجسام المحبّين تسقم؟
فقلت لها: قلبي بحبّك لم يبح ... لجسمي، فجسمي بالهوى ليس يعلم!
والعرب تمدح أهل النّحول، وتذمّ أهل السّمن والجسوم، وتنفيهم عن الأدب، وتنسب أهل النّحول إلى المعرفة وحسن البيان، وأهل السّمن إلى الغباوة وبعد الأذهان.
زعموا أن من غلب عليه البلغم غلظ جسمه، وكبر شحمه، وزاد لحمه، وقلّ فهمه، وطال نسيانه، وتعقّد لسانه، لغلبة البلغم على قلبه والرّطوبة على لبّه. ومن كان أغلب مزاجه المرة جفّ جسمه، وقلّ لحمه، وصحّ ذهنه، ودقّ فهمه. وأنّه يستدلّ بها على أحسن أدب ذوي الألباب، وصحّة أذهان ذوي الآداب. لا تكاد تخطي به الفراسة، ولا تكذب فيه الدّلالة لما أخبرتك من غلبة أحد المزاجين على صاحبه واستقراره في مركبه. وربّما أنجب السّمن، وخاب الهزال. ولا يكون ذلك إلا في الفرد النّادر من الرّجال ومن أمثلة العرب في ذلك: " البطنة تذهب الفطنة. "
قال عليّ بن الجّهم: لمّا أفضت الخلافة إلى جعفر المتوكّل على
1 / 62