Kesedihan Pemain Biola
أحزان عازف الكمان
Genre-genre
قالت ضاحكة: وهنا أيضا، هل نسيت أن وراءنا ...
قال بحزم ليصد الأبواب: وهل النسيان ممكن؟ قلت لك استريحي أنت من تعب النهار.
لم ينس بطبيعة الحال أن غده سيكون من أشق الأيام؛ سيدور معها في معارض النجف والسجاد الصغير لغرفتي الأولاد وحجرتي المعيشة والمكتب، وسوف يضطر كذلك للمرور على المعلم المراوغ في ورشة النجارة لاستعجال غرفة السفرة التي احتاجت منهما لأكثر من مشوار. سيكون يوما مرهقا، ولكن متى خلت حياته من المتاعب؟
رجع يلف مع الدوامة التي جرفته دوائرها السوداء. أحس أن جسده ما يزال ينتفض من البرد وأن العرق ما يزال يتصبب من كل خلية في جسده. تساءل هل يمكن اللجوء إلى الاستعارة والقول بأن العرق هو دموع الجسد المنهك أو المنتهك على الدوام؟ وكيف يصف دموع النفس المضناة والمحبطة في سجن البدن أو قبره؟ أين الاستعارة أو الكناية أو التشبيه أو الرمز الذي يعبر عن بكائها الأخرس في قاع البئر المصاب بالجفاف؟ لو أنه ... لو استطاع، لو تجرأ وفعلها، وألف لو لا توقف زخات العرق البارد ولا دفقات الدمع الكظيم، لماذا شلت يده فلم تمتد إلى الجيب المكدس بآلاف الدولارات والجنيهات؟ أيكون الوقت قد فات كما فعل معه أو بسببه آلاف المرات؟
أخذ يهدئ نفسه بالعزاء المعتاد، قال لها: أبدا لا يفوت الوقت إلا لمن يتركه يفوت.
وبدأ يستعيد كلام صديقه الجليل معه في السيارة وهناك مع الأصدقاء. حاول أن يجمع الكلمات المتناثرة في لوحة واحدة تكون صورة الوجه الذي لا يعرفه ولم يره أبدا وربما لن يراه. أليست إعادة التركيب والبناء شيئا مألوفا في العلم كما في الحياة؟ ألا يثرثر الجميع وهو واحد منهم عن قدراته وأسراره ومعجزاته في كل مجال؟ فليقف على شاطئ المجهول ويركب البيت أو القصر أو حتى الكوخ من نثار الحصى والقواقع والأصداف والرمال، فليحاول أن يتخيله طويلا نحيلا محني الظهر والعينين أو متوسط القامة مهددا على الدوام بالانهيار والسقوط، وليحاول أن ينظر في عينيه طويلا ويتشرب الكلمات التي تنهمر كالدموع السوداء من بين شفتيه.
5
آه يا ولدي المسكين. بعد تعب العمر يخذلني فيك المرض والحياة والناس والأصدقاء والأعداء. كدت أقول يخذلني القدر لولا أنني عشت مؤمنا بالثورة الدائمة وبأن الإنسان هو صانع التاريخ وما يسميه الجهلاء المهزومون بالقدر أو النصيب.
أي انتقام هذا يا ولدي؟ أأسلم - وأنا الصخر العنيد - في النهاية بتلك القوى الغيبية السخيفة التي أنكرتها طول العمر؟ أأركع وأسجد على أقدامها في خشوع وأنا أقول: ها أنا قد سلمت ورجعت إليك رجعة الابن الضال الذي يعود تائبا إلى حظيرة أبيه وراعيه؟ وكيف أفعل وأنا لم أتعود الركوع ولا السجود؟ أجل يا ولدي، ها أنت تراني أقع فيما هو أسوأ من الركوع والسجود ... وأي شيء أسوأ من مد اليد المرتجفة الخالية لمن يساوي ولا يساوي؟ أبوك الذي لم يكن يصحو أو ينام إلا على وجه الثورة والمستقبل والحلم الحتمي بالعدل المطلق والفجر الباهر الجديد؛ صار الآن يدق أبواب أصدقاء الشباب ورفاق السجون والمعتقلات والزنزانات وزملاء الكفاح والجوع والحرمان والجلد والتعذيب، لكن الأبواب لا تفتح يا ولدي. كل الأبواب موصدة، كل العناوين قد تغيرت بقدرة ساحر أو حاو عربيد. الذين كانوا مثلي لا يجدون قوت يومهم ولا يفكرون فيه لفرط انشغالهم بالغد الثوري أصبحوا رؤساء وأعضاء مجالس إدارات. لمعت نجومهم في سماء المجتمع وبقدرة قادر غيروا الجلد والقلب والعقل والضمير مع تغير الأحوال وألوان الرمال التي يزحفون عليها. النادر منهم هو الذي اكترث بمقابلتي ومد لي يده ببضع جنيهات وعيناه تنطقان بفصاحة تغني عن كل كلام وبيان: حظ طيب. أرجوك ألا تشبهني مرة أخرى. لقد تركت كل شيء وأريد أن أعيش في هدوء وأربي أولادي في الأيام الباقية.
وبعت كل شيء يمكن يا ولدي أن يباع. حتى صورة أمك الحبيبة أخرجتها من الإطار الذهب لأبتاع بثمنه كيس دم وحيد، والبيت القديم الذي تربيت فيه على الستر والمبادئ التي لم تشاركني دائما فيها، البيت الذي بقي لي من الدنيا ومن تراث أبي الفقير بعته للجار، والجار هو العطار الجشع الذي طالما أبديت إعجابك بنجاحه وحسه العملي والتجاري الذي فطر عليه. قلت لك الفطرة لا تكفي ولا بد من أن نؤمن بالعلم ليكون هو الفطرة الثانية، وصدقتني في هذا الأمر وحده وتابعت طريق العلم حتى أوشكت على الوصول. فلماذا تتوقف يا ولدي فجأة؟ ومن أين جاءك هذا النزيف اللعين ؟ أين هو وجه العدو الذي يمكن أن أفضح قناعه وأحرق جلده وأشوهه بكل الغيظ والغبن والغدر الذي ترسب في كياني أو ما تبقى من كياني من أنقاض وأطلال؟
Halaman tidak diketahui