Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genre-genre
ويحسن أن نورد هنا ما وصف به عرابي موقفه هو وزميليه بعد أن دخلوا السجن قال: «ولما أقفل علينا باب الغرفة تأوه رفيقي علي بك فهمي وقال: لا نجاة لنا من الموت وأولادنا صغار، ثم اشتد جزعه حتى كاد يرمي بنفسه في النيل من نافذة الغرفة؛ فشجعته متمثلا بقول الإمام الشافعي (رضي الله عنه):
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
وتمثل عرابي بأبيات أخرى نسبها إلى السيدة زينب رضي الله عنها إلى أن قال: «فلا والله ما كانت إلا هنيهة حتى جاءت أورطتان من آلاي الحرس الخديوي وأحدق رجالهما بديوان الجهادية وأسرع بعض الضباط والعساكر فأخرجونا من السجن، ففر ناظر الجهادية ورجال المجلس وغيرهم من المجتمعين، وقصدوا جميعا إلى سراي عابدين ...»
وإنما نورد هنا ما ذكره عرابي لأنه من جهة يصور لنا جانبا من شخصيته وناحية من ثقافته، ويرينا نزعة اتكاله على الله، تلك النزعة التي سوف لا تنخلع عنه حتى بعد أن تنخلع عنه عزيمته عند انصراف أنصاره عنه عقب مأساة التل الكبير، ثم لأن كلامه من جهة أخرى متفق مع ما يقول الرواة، فلا ضير أن نورد القصة على لسانه. •••
ذهب الضباط الثلاثة ومن ورائهم من أخرجوهم من الأسر إلى الخديو يسمعونه شكواهم، وكان بعض أعوان الخديو يشيرون عليه بأخذهم بالشدة ومعاملتهم معاملة الثائرين ولو أدى الأمر إلى إطلاق النار عليهم، وقال البعض إنه من العبث أن تلجأ الحكومة إلى البطش وليس لديها وسائله، فالفرق جميعا تؤيد عرابيا ومن معه. والرأي أن يسلك الخديو معهم جانب اللين فيطفئ بذلك نار الفتنة، وكان ممن أشاروا بهذا الرأي محمود سامي البارودي الذي سوف يغدو من زعماء العرابيين ...
وتغلبت الحكمة على الطيش، ووضع اللين في موضع البطش، فأوفد الخديو إلى الضباط الثلاثة ومن ظاهرهم من الجند تحت نوافذ قصره يخبرهم بإجابته مطلبهم الأول فقد عزل رفقي، وطلب إليهم أن يختاروا من يحل محله حتى لا يعودوا إلى الشكوى؛ فوقع اختيارهم على البارودي، ووعدهم الخديو أن ينظر في بقية مطالبهم، وأن يعمل على إنصافهم بعد أن أعادهم إلى مناصبهم والتمس الضباط الإذن على الخديو، فلما مثلوا بين يديه أعربوا له عن امتنانهم وصادق ولائهم لشخصه وعظيم إخلاصهم لعرشه، ثم انصرفوا وانصرف الجند فرحين مستبشرين.
ولقد كان على الخديو أن يتدبر في الأمر منذ بدايته وينظر ما إذا كان لديه قوة يقمع بها الحركة إن كان لابد من وضع العنف موضع العدل، فإن عدم القوة كان أمامه أن يلجأ إلى اللين غير مكره ولا مغلوب على أمره، ولكنه تصرف على نحو ما رأينا فأفضى به تصرفه إلى نتائج خطرة وسوف تؤثر أثرها في مجرى الحوادث، فظفر الجند بمطالبهم في عنف. وعجز الحكومة عن مقاومتهم وسلوكها ذلك المسلك الشائن قد وضع الخديو وحكومته في موضع الضعف، وأحل عرابيا وحزبه محل التوثب والتطلع، وجعلهم مناط الأمل والرجاء، هذا إلى ما تركه هذا الحادث من سخيمة في نفس الخديو يصعب بعدها كل تفاهم، ويسهل أن يلبس فيها كل حق بالباطل، وما بثه من حذر وريبة في نفوس الجند بحيث يرون في كل حركة من حركات الحكومة شبح الغدر ويلبسان كل عمل من أعمالها ثوب الرياء ...
Halaman tidak diketahui