134

Ahkam Quran

أحكام القرآن لابن العربي

Penerbit

دار الكتب العلمية

Nombor Edisi

الثالثة

Tahun Penerbitan

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

إذَا اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ لَا جُمُعَةَ فِيهِ لِلْجُمُعَةِ، فَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ: يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَلَا نَقُولُ بِهِ؛ بَلْ يَشْرُفُ الِاعْتِكَافُ وَيَعْظُمُ. وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ مِنْ مَسْجِدٍ إلَى مَسْجِدٍ لَجَازَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إجْمَاعًا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سِوَاهُ؟. [مَسْأَلَةٌ مَعْنَى الْمُبَاشَرَة للصائم] الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: وَهِيَ بَدِيعَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: قُلْتُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧]: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ، وَقُلْتُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧]: إنَّهُ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ، فَكَيْفَ هَذَا التَّنَاقُضُ؟ قُلْنَا: كَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧]: إنَّهَا الْمُبَاشَرَةُ بِأَسْرِهَا صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا؛ وَلَوْلَا أَنَّ السُّنَّةَ قَضَتْ عَلَى عُمُومِهَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ فِي جَوَازِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَوْلِهِ، وَبِإِذْنِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْقُبْلَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَخَصَصْنَاهَا. فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] فَقَدْ بَقِيَتْ عَلَى عُمُومِهَا وَعَضَّدَتْهَا أَدِلَّةٌ سِوَاهَا؛ وَهِيَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى رُكْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَرْكُ الْأَعْمَالِ الْمُبَاحَةِ بِإِجْمَاعٍ. الثَّانِي: تَرْكُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ سِوَاهُ مِمَّا يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ بَابِهِ، فَإِذَا كَانَتْ الْعِبَادَاتُ تُؤَثِّرُ فِيهِ، وَالْمُبَاحَاتُ لَا تَجُوزُ مَعَهُ فَالشَّهَوَاتُ أَحْرَى أَنْ تُمْنَعَ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]: فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُبَاشَرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ يَحْرُمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ مُلْتَزِمُونَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْتَقِدُونَ لَهُ، فَهُوَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِلِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ مُعْتَقِدٌ لَهُ رَخَّصَ لَهُ فِي حَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ، وَبَقِيَ سَائِرُ أَفْعَالِ الِاعْتِكَافِ كُلِّهَا عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ.

1 / 136