وقال في المراء:
إذا اجتمع أهل لوع فتذاكروا على لوعهم ذلك فلم يكن أحتل كل واحد منهم أن ينفع ما استمع وينتفع بما سمع.
واعلم أن تذاكرهم ذلك من أول المرا (٢٧) يصدع، العلم ويرهن الود ويورث الجمود وينشئ الشحناء ويعل القلب.
وفى ذلك أقول شعرًا:
تجنب صديق السوء واحترم حاله ... فإن لم تجد عنه مَحيصًا فَدَاره
وأحبب صديق الخير واحذر مراءه ... تنل منه صفو الود مالم تُجاره
وقال في الحكمة:
أما ما سمع من كثير الحكماء فإن أول شئ يخطر على الأفئدة إذا خطر وهو أصغر من الخردلة، وأرق من الشعرة، وأوهن من البعوضة ثم تحركه الألسنة وتنبذه الأفئدة كما يحاك البرد، وكما يمد النهر فتعود أكثر من الكثير، وأوثق من الحديد، وأثمن من الجوهرة، وأحسن من الذهب وأنفع من كلهما (٢٨) لأنه يزيد في المنطق ويذكى الذهن ويعين على الإبلاغ ويتحمل به العامل ويتقلب فيه كيف شاء ويختار منه ما يشاء فينتفع به اللطيف وينبل به الثخيف ويتزيد به الكثيف ويتأيد به الضعيف ويزداد به الأدب قوة في منطقه وبلاغة في كتبه فيكون في حفظه منفعة
_________
(٢٧) المرا: من المراء وما راه مِراءً ومُما راةً: ناظره وجادله. الوسيط (٢/ ٨٦٦)].
(٢٨) (كلهما): هكذا بالأصل ولعل الصواب (كلهم).
1 / 22