بشرائع الرسل، فالتكليف حسن في العقول إذا توجه إلى من علمت معصيته واستحسنه المعتزلة لأن فيه تعريضا للثواب ولم يستحسنه الأشعرية لأنه بالمعصية معرض للعقاب، والأول أشبه بمذهب الفقهاء وإن لم يعرف لهم فيه قول يحكى، واختلف في التكليف هل يكون معتبرا بالأصلح فالذي عليه أكثر الفقهاء أنه معتبر بالأصلح لأن المقصود به منفعة العباد.
وذهب فريق من الفقهاء والمتكلمين إلى أنه موقوف على مشيئة الله تعالى من مصلحة وغيرها لأنه مالك لجميعها فمن اعتبر الأصلح منع من تكليف ما لا يطاق ومن اعتبره بالمشيئة جوز تكليف ما لا يطاق ويصح تكليف ما لحقت فيه المشقة المحتملة واختلف في صحة التكليف فيما لا مشقة فيه فجوزها الفقهاء ومنع منها بعض المتكلمين، وقد ورد التعبد بتحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة وليس فيه مشقة وإذا اعتبر التكليف بالاستطاعة لم يتوجه إلى ما خرج عن الاستطاعة واختلف في المانع منه فقال فريق منع منه العقل لامتناعه فيه، وقال فريق منع منه الشرع وإن لم يمنع منه العقل بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها «٣» .
وجوب التكليف
فإذا تقرر شروط التكليف مع كونه حسنا فقد اختلف في وجوبه، فأوجبه من اعتبر الأصلح وجعله مقترنا بالعقل لأنه من حقوق حكمته، ولم يوجبه من حمله على الإرادة لأن الواجب يقتضي علوّ الموجب، وهذا منتف عن الله تعالى، واختلف من قال بهذا في تقدم العقل على الشرع.
فقال فريق: يجوز أن يقترن بالعقل ويجوز أن يتأخر عنه بحسب الإرادة ولا يجوز أن يتقدم على العقل لأن العقل شرط في لزوم التكليف.
وقال فريق: بل يجب أن يكون التكليف واردا بعد كمال العقل ولا يقترن به كما يتقدم عليه لقول الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ
_________
(٣) سورة البقرة من الآية (٢٨٦) .
1 / 30