[مقدمات التحقيق]
مقدمة الناشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الملك الديان الواحد الأحد الذي ليس له في ملكه ثان، المنزه عن حلول الأمكنة ومرور الزمان الذي اصطفى نبيه محمدا ﷺ وزين به الأكوان وجعل وجودها لوجوده فلولاه ما يكون حادث ولا كان وفرض محبته على جميع خلقه وجعلها شرطا في صحة الإيمان فلا يؤمن أحد حتى يكون الرسول ﷺ أحب إليه من النفس والآباء والبنون.
نحمده تعالى ونشكره على ما له علينا من صنوف الإحسان ونستعينه ونستغفره من كلّ ذنب عملناه من عمد أو خطأ أو نسيان ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهادة يسمو بها قائلها فلا يعاتب يوم العتاب، ونشهد أن سيدنا محمدا حبيبه ومصطفاه خير نبي أرسله سيد ولد آدم وأشرف بني عدنان صلى الله عليه وعلى اله واصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فها نحن عزيزي القارىء نقدم إليك الكتاب الثاني من كتب الإمام أبي علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري «أعلام النبوة» بعدما قدمنا إليك سابقا كتابه أدب الدنيا والدين آملين أن نكون في الطريق الذي آلينا على أنفسنا
1 / 5
أن نسلكه في خدمة الشرع الحنيف ومحبة الرسول العظيم ﷺ وتقديم كتب التراث التي تركها لنا خير السلف زادا ومعينا للمعرفة ودليلا مرشدا في محاولة فهمنا لشرائع ديننا وسيرة نبينا، آملين أن نكون عند حسن ظنك عزيزي القارىء فيما قدمنا حاصلين على رضى الله ورضوانه هو نعم المولى ونعم النصير.
دار ومكتبة الهلال.
1 / 6
تقديم [من سعيد محمد اللحام]
الماوردي:
ولد أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري سنة ٣٦٤ للهجرة وتوفي سنة ٤٥٠ للهجرة أي أنه عاش في فترة إزدهار الثقافة الإسلامية وفي أرقى عصور الدولة العباسية.
ولد في البصرة وإليها نسب وأخذ عن شيوخها وعلمائها ثم رحل إلى بغداد وأخذ عن أئمة العلم الذين عايشهم فيها.
والماوردي من فقهاء الشافعية المعدودين وعلم من أعلامها كما كان من رجال السياسة والأدب والفكر يميزه عن سواه وضوح أسلوبه ولغته وكثرة تآليفه في الفروع المختلفة للثقافة.
مشايخه:
لقد سمع الماوردي الحديث عن جماعة من شيوخ البصرة كان أبرزهم:
محمد بن عدي بن زحر المقري.
الحسن بن علي بن محمد الجبلي.
جعفر بن محمد بن الفضل البغدادي.
محمد بن المعلى الأسدي.
الفضل بن الحباب الجمحي.
1 / 7
كما أخذ الفقة عن عدد من المشايخ كان أشهرهم:
أبو القاسم عبد الواحد بن محمد الصميري القاضي.
وفي بغداد أخذ الفقه عن الشيخ أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني، كما أخذ عن الكثيرين سواهم في مختلف العلوم الإسلامية والعربية وإن كانت كتب التاريخ لم توصل إلينا أسماء أساتذته في هذه العلوم لأن أرفع العلوم شأنا هو الفقه والحديث إنما ينضح في أسطر وصفحات كتبه ما ارتوى به في علوم الأدب واللغة والفلسفة مما يوضح لنا بما لا يقبل الشك بأنه قد اضطلع بهذه العلوم كأهلها، كيف لا والعصر الذي عاش فيه كان عصر العلوم الموسوعية والعلماء الموسوعيون الذين لا يعتبر واحدهم عالما حتى يتبحر في كل أنواع العلوم والفنون التي عرفها عصره، والماوردي لا يمكن أن يختلف في هذا عن سائر علماء عصره، وكما ذكرنا فإن كتبه التي وصلت إلينا وإن لم تصلنا كلها فهي تثبت لنا أنه اغترف منها ما سمح له حظه وعمره وسعيه إليها أن يغترف.
حياته:
تولى الماوردي القضاء في أكثر من بلد وقد ذكر ياقوت الحموي في معجمه أنه تولى القضاء في «أستوا» وهي حسب قوله كورة من نواحي نيسابور تضم ثلاثا وتسعين قرية ومركزها مدينة خيبوشان.
اختير سفيرا بين قادة الدولة العباسية وآل بويه بين سنة ٣٨١ هـ.
و٤٢٢ هـ في عهد الخليفة القادر بالله.
طلب جلال الدولة بن بويه في سنة ٤٢٩ هجرية من الخليفة أن يضيف إلى ألقابه لقب ملك الملوك «شاهنشاه» وهو اللقب الذي كان يحمله ملوك الفرس المجوس قبل الفتح الإسلامي فاختلف فقهاء بغداد في جواز التلقب بهذا اللقب فمنهم من وافق مسايرة لبني بويه ومنهم مسايرة للخليفة ومنهم من تحرج من الأمر وخاف من ذوي السلطان فلم يقل بهذا الأمر بنفي أو إيجاب، أما الماوردي فقد أفتاها صريحة بأنه لا يجوز وتخلى عن صداقته ومودته لجلال الدولة
1 / 8
فأرسل إليه وقال له: «أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك وما حملك إلّا الدين، فزاد بذلك محلك عندي» .
وقد تنقل الماوردي بين كثير من البلاد ثم انتهى به المطاف في بغداد فعلم بها الفقه والحديث وتفسير القرآن والأصول والفروع والآداب.
مؤلفاته:
لقد ألف الماوردي في كثير من أبواب العلوم لكن ما وصل إلينا منها هو إثني عشر كتابا لا غير ما لم تكشف الأبحاث الحديثة عن المخطوطات عن كتب سواها ما تزال غارقة خلف أبواب المكتبات الخاصة، أما الكتب التي وصلت إلينا فهي:
١- كتاب «النكت والعيون» غير مطبوع، ونسخه الموجودة والمعروضة هي:
أ- نسخة جامع القرويين بفاس في المغرب.
ب- نسخة مكتبة قليج علي في اسطنبول.
ج- نسخة مكتبة كوبريلي.
د- نسخة مكتبة رمبول في الهند.
٢- كتاب «الحاوي الكبير»: وهو موسوعة في عشرين جزءا وكلها في فقه الشافعية، لكن أجزاءه المختلفة ما زالت مخطوطة ومتفرقة بين المكتبات المنتشرة في الشرق والغرب وتعمل الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية على لمّ شعثه إن بشراء هذه الأجزاء المخطوطة أو بتصويرها حيث وجدت. وتسمية المؤلف لهذا الكتاب بكتاب «الحاوي الكبير» يعني للقارىء وجود كتاب آخر له في نفس الموضوع يسمى «الحاوي الصغير» ولعله الإسم الأصلي أو الإسم الأول لكتاب آخر سنتحدث عنه هو كتاب «الإقناع» .
لقد قدر المؤلف عدد أوراق كتاب الحاوي الكبير بأربعة آلاف ورقة وهو كتاب في فقه الشافعية يتعرض لكل مسائل الفقه الإسلامي.
1 / 9
٣- كتاب «الإقناع»: وهو مختصر كتاب «الحاوي الكبير» ولكنه كتاب صغير جدا لا يزيد على الأربعين ورقة وقد قدمه إلى الخليفة القادر بالله الذي قدره وأثنى عليه، وقد قال ياقوت في كتابه «إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب»: «قرأت في مجموع لبعض أهل البصرة: تقدم القادر بالله إلى أربعة من أئمة المسلمين في أيامه في المذاهب الأربعة أن يصنف له كل واحد منهم مختصرا على مذهبه، فصنف له الماوردي «الإقناع»، وصنف له أبو الحسين القدوري مختصره المعروف على مذهب أبي حنيفة، وصنف له أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن نصر المالكي مختصرا آخر، ولا أدري من صنف له على مذهب أحمد وعرضت عليه، فخرج الخادم إلى أقضى القضاة الماوردي وقال له: حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا» . وقد روى أيضا ياقوت عن نفس المجموع المذكور آنفا قول صاحب المجموع عن الماوردي: «كان أقضى القضاة ﵀ قد سلك طريقة في ذوي الأرحام: يورث القريب والبعيد بالسوية، وهو مذهب لبعض المتقدمين، فجاءه يوما الشّينيزي في أصحاب القماقم، فصعد إليه المسجد، وصلّى ركعتين، والتفت إليه فقال له: أيها الشيخ اتبع ولا تبتدع. فقال: بل أجتهد ولا أقلد، فلبس نعله وانصرف» .
٤- كتاب «أعلام النبوة»: وتوجد نسخته المخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم ٦ ش علم الكلام.
٥- كتاب «أدب القاضي»: غير مطبوع وتوجد نسخته المخطوطة في مكتبة السليمانية في اسطنبول.
٦- كتاب «الأحكام السلطانية»: وهو أشبه بدستور لدولة إذ يضم بين صفحاته أسس قيام الدولة وشروط استحقاق الخلافة وصفات الخليفة وسلطات هذا الخليفة التي يتصرف من خلالها والأمور التي يحق له أن يتصرف بها، كما يتحدث عن الوزارة والقضاء والعقوبات والحدود والحسبة والجزية وكل تفريعاتها مع أصولها في الدين.
والماوردي على ما يبدو أول من ابتكر هذا الموضوع وجعله مادة لكتاب إذ
1 / 10
لم يسبقه أحد بجعل شؤون الدولة موضوعا لتأليف مستقل. إن المرجح أن الماوردي خلال جمعه وإعداده لكتاب الحاوي الكبير وهو الكتاب الذي سبق أن ذكرناه وذكرنا أنه في فقه الشافعية قد وجد أن هذه المادة يمكن أن تستقل في كتاب خاص بها رغم وجودها مبثوثة في مختلف كتب الفقه وأجزاء موسوعته «الحاوي الكبير» . لقد تحدث المستشرقين عن أبي الحسن الماوردي كثيرا وخصوصا عن كتابه هذا الذي اعتبروه نظرية الماوردي في الخلافة الإسلامية» .
٧- كتاب «تسهيل النظر وتعجيل الظفر»: وهو كسابقه كتاب في السياسة والحكومة وما زال مخطوطا لم يطبع.
٨- كتاب «نصيحة الملوك»: وهو كتاب سياسي آخر ما زال غير مطبوع ومن نسخه المخطوطة المعروفة نسخة مكتبة باريس.
٩- كتاب «قوانين الوزارة وسياسة الملك»: وقد طبع في «دار العصور» في مصر سنة ١٩٢٩ ميلادية وأسماه الناشر أدب الوزير وهو أيضا كتاب في علم السياسة والاجتماع وهو من كتب الماوردي التي ترجمت إلى عدد من اللغات الأوروبية وخصوصا الألمانية والفرنسية بعد أن ترجمت أصلا في الفترات السابقة إلى اللغة اللاتينية وكانت مرجعا في علم السياسة والاجتماع وأصول الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكومين.
١٠- كتاب «الأمثال والحكم»: وقد جمع فيه ثلاثمائة حديث وثلاثمائة حكمة وثلاثمائة بيت في الشعر وقسمها على عشرة فصول. ونسخته المخطوطة موجودة في مكتبة مدينة ليدن.
١١- كتاب «البغية العليا في أدب الدين والدنيا»: وهو الكتاب الذي عرف باسم «أدب الدنيا والدين» وهو ما بين أيدينا.
١٢- كتاب «في النحو»: لم نقع له على نسخة مخطوطة وإنما عرفناه من خلال معجم ياقوت الحموي الذي ذكره في ترجمته للمؤلف إذ قال: «وله تصانيف حسان في كل فن منها: كتاب في النحو، رأيته في حجم الإيضاح أو أكبر» .
1 / 11
قالوا عنه:
الخطيب البغدادي:
كان الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت من تلامذة الماوردي وقد قال عنه في كتابه تاريخ بغداد: «علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن البصري المعروف بالماوردي كان من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه، وفي غير ذلك» .
جعل إليه ولاية القضاء ببلدان كثيرة.
سكن ببغداد في درب الزعفران وحدث بها عن الحسن بن علي بن محمد الجبلي، وصاحب أبي خليفة الجمحي وعن محمد بن عدي بن زحر المقري، ومحمد بن المعلى الأسدي وجعفر بن محمد بن الفضل البغدادي، كتبت عنه وكان ثقة. مات في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول في سنة خمسين وأربعمائة ودفن في الغد في مقبرة باب حرب وصليت عليه في جامع المدينة وكان قد بلغ ستا وثمانين سنة» .
ابن الصلاح:
جاء في «طبقات الشافعية الكبرى» لتاج الدين السبكي قول ابن الصلاح عنه: «هذا الماوردي، عفا الله عنه، يتهم بالاعتزال، وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه، وأتأوّل له، وأعتذر عنه في كونه يورد في تفسيره، في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير، تفسير أهل السنة، وتفسير المعتزلة، غير معترض لبيان ما هو الحق منها، وأقول: لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق وباطل، ولهذا يورد من أقوال «المشبّهة» أشياء، مثل هذا الإيراد، حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة، وما بنوه على أصولهم الفاسدة. وتفسيره عظيم الضرر، لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل، تلبيسا وتدسيسا، على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق، مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة، بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق. ثم هو ليس معتزليا مطلقا، فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم، مثل خلق القرآن، كما دل
1 / 12
عليه تفسيره، في قوله ﷿: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.
وغير ذلك، ويوافقهم في القدر، وهي البلية التي غلبت على البصريين، وعيبوا بها قديما» .
أبو إسحاق الشيرازي:
ويقول الشيرازي وهو من علماء وفقهاء الشافعية الأجلاء عن الماوردي:
«درس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والأدب وكان حافظا للمذهب» .
ابن خلكان:
يقول ابن خلكان في «وفيات الأعيان» عن الماوردي: «كان من وجوه الفقهاء الشافعية وكبارهم، وكان حافظا للمذهب، وله فيه كتاب «الحاوي» الذي لم يطالعه أحد إلّا شهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب» .
تاج الدين السبكي:
ويقول تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» عن الماوردي:
«علي بن محمد بن حبيب الإمام الجليل القدر الرفيع المقدار والشأن، أبو الحسن المعروف بالماوردي، كان إماما جليلا له اليد الباسطة في المذهب والتفنن التام في سائر العلوم» .
1 / 13
[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الحمد لله الذي أحكم ما خلق وقدّر، وعدل فيما قسم ودبر، وأنذر بما أنشأ وأظهر، واستأثر بما أخفى وأسر، وأنعم بما أمر وحظر، وأرشد إلى إنذاره بنوعي تفضيل تميز بهما جنس البشر عن كل حيوان بهيم، وهما نطق يفضي إلى الفهم، وعقل يؤدي إلى العلم، ليعان بهما على ما كلف من أوان التعبد فيصل بالعقل إلى علمه واستعلامه، وبالنطق إلى فهمه واستفهامه، فيصير مهيأ لقبول ما كلف من التعارف ومعانا على ما تعبد به من الشرائع نعمة بها قطع الأعذار، وعمّ بها المصالح ليكون الخلق على رغب يدعوهم إلى الطاعة ورهب يكفهم عن المعصية فيعم الخير بالرغبة، وينحسم الشر بالرهبة، وهذا لا يستقر في النفوس إلّا برسل مبلغين عن الله ثوابه فيما أمر، وعقابه فيما حظر، فوجب أن يوضح في إثبات النبوّات ما ينتفي عنه ارتياب مغرور وشبهة معاند، وقد جعلت كتابي هذا مقصورا على ما أفضى ودل عليه ليكون عن الحق موضحا وللسرائر مصلحا وعلى صحة النبوّة دليلا ولشبه المستريب مزيلا وجعلت ما تضمنه مشتملا على أمرين:
أحدهما: ما اختص بإثبات النبوّة من أعلامها.
والثاني: فيما يختلف من أقسامها وأحكامها ليكون الجمع بينهما أنفى
1 / 15
للشبهة وأبلغ في الإبانة، وجعلت ما تضمنه هذا كتابا مشتملا على أحد وعشرين بابا.
الباب الأول: في مقدمة الأدلة.
الباب الثاني: في معرفة الإله المعبود.
الباب الثالث: في صحة التكليف.
الباب الرابع: في إثبات النبوّات.
الباب الخامس: في مدة العالم وعدة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
الباب السادس: في إثبات نبوّة محمد ﷺ.
الباب السابع: فيما يتضمنه القرآن من أنواع إعجازه.
الباب الثامن: في معجزات عصمته ﷺ.
الباب التاسع: فيما شوهد من معجزات أفعاله وصلى الله عليه وسلم.
الباب العاشر: فيما سمع من معجزات أقواله ﷺ.
الباب الحادي عشر: فيما أكرمه الله تعالى به من إجابة دعوته ﷺ.
الباب الثاني عشر: في إنذاره بما يستحدث بعده ﷺ.
الباب الثالث عشر: في معجزه ﷺ بما ظهر من البهائم.
الباب الرابع عشر: في ظهور المعجز من الشجر والجماد.
الباب الخامس عشر: في بشائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بنبوّته ﷺ.
الباب السادس عشر: في هتوف الجن بنبوته ﷺ.
الباب السابع عشر: فيما هجست النفوس من إلهام العقول بنبوّته ﷺ.
الباب الثامن عشر: في مبادىء نسبه وطهارة مولده ﷺ.
الباب التاسع عشر: في آيات مولده وظهوره بركته ﷺ.
الباب العشرون: في شرف أخلاقه وكمال فضائله.
الباب الحادي والعشرون: في مبتدى بعثته واستقرار نبوّته.
وأنا أسأل الله تعالى حسن معونته وأرغب إليه في توفيقه وهدايته وصلى الله على محمد وعلى آله وصحابته وهو حسبي ونعم الوكيل.
1 / 16
الباب الأول في مقدمة الأدلة
والأدلة ما أوصلت إلى العلم بالمدلول عليه، والدليل معلوم بالعقل، والمدلول عليه معلوم بالدليل، فيكون العقل موصلا إلى الدليل، وليس بدليل، لأن العقل أصل كل معلوم من دليل ومدلول عليه، ولذلك سمي أم العلم، فصار العقل مستدلا وإن لم يكن دليلا، والعلم الحادث عنه ما تميز به الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، والممكن من الممتنع، وهو على ضربين: علم اضطرار وعلم اكتساب، فأما علم الاضطرار فهو ما أدرك ببداهة العقول وهو نوعان: حس ظاهر، وخبر متواتر، وعلم الحس متأخر عن العقل وعلم الخبر متقدم عليه، ولا يفتقر علم الاضطرار إلى نظر واستدلال لإدراكه ببديهة العقل ويشترك فيه الخاصة والعامة ولا يتوجه إليه جحد ولا تحسن المطالبة فيه بدليل لأنه غاية لتناهي النظر.
علم الاكتساب
وأما علم الاكتساب فطريقه النظر والاستدلال لأنه غير مدرك ببديهة العقل، فصحّ أن يتوجه إليه الاعتراض فيه بطلب الدليل عليه، فلذلك لم يتوصل إليه إلّا بالنظر والاستدلال، وهو على ضربين: أحدهما؛ ما كان من قضايا العقول، والثاني؛ ما كان من أحكام السمع، فأما قضايا العقول فضربان: أحدهما؛ ما علم إستدلالا بضرورة العقل، والثاني؛ ما علم
1 / 17
استدلالا بدليل العقل، فأما المعلوم بضرورة العقل فهو ما لا يجوز أن يكون على خلاف ما هو به كالتوحيد فيوجب العلم الضروري، وإن كان عن استدلال للوصول إليه بضرورة العقل، وأما المعلوم بدليل العقل فهو ما يجوز أن يكون على خلاف ما هو به كآحاد الأنبياء إذا ادعى النبوّة فيوجب علم الاستدلال ولا يوجب علم الاضطرار لحدوثه عن دليل العقل لا عن ضرورته، واختلف في أصل النبوّات على العموم هل يعلم بضرورة العقل أو بدليله على اختلافهم في التعبد بالشرائع هل اقترن بالعقل أو بعقبه فذهب من جعله مقترنا بالعقل إلى إثبات عموم النبوّات بضرورة العقل وذهب من جعله متأخرا عن العقل إلى إثباتها بدليل العقل، وذهب أصحاب الإلهام إلى إسقاط الاستدلال بقضايا العقول وجعلوا إثبات المعارف بالإلهام أصلا يغني عن أصل، وهذا فاسد بقول الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «١» فجعله بالاعتبار مدركا دون الإلهام، ويقال لمن أثبت المعارف بالإلهام لم قلت بالإلهام؟ فإن استدل ناقض، فإن قال: قلته بالإلهام، قيل له: انفصل عمن أسقط الإلهام بالإلهام، وعمن قال في الإلهام بغير إلهامك في جميع أقوالك فلا تجد فصلا، وكفى بذلك فسادا.
الضرورة والدليل
فإذا ثبت أن كلا الضربين «٢» مدرك بقضية العقل فيما علم بضرورته من التوحيد أو بدليله من النبوّة، صار بعد العلم به واجبا واختلف في وجوبه، هل وجب بما صار معلوما به من قضية العقل أو بالسمع، فذهب قوم إلى وجوب التوحيد والنبوة بالعقل كما علم بالعقل ويكون التوحيد وعموم النبوات قبل السمع فرضا، وذهب آخرون إلى وجوبهما بالسمع وإن علما بالعقل لأن الوجوب تعبد لا يثبت إلّا بالسمع.
واختلف من قال بهذا في وجوب ورود السمع به فأوجبه بعضهم ولم يوجبه
_________
(١) سورة الحشر الآية (٢) .
(٢) الضربين: النوعين.
1 / 18
آخرون منهم وأسقطوا فرض التوحيد عن العقلاء إذا لم يرد سمع بإيجابه.
وذهب آخرون إلى أن ما علم بضرورة العقل من التوحيد واجب بالعقل وما علم بدليل العقل من النبوّة واجب بالسمع لأن التوحيد أصل والنبوّة فرع والاجتهاد فيهما فرض على أعيان ذوي العقول إذا اقترن بكمال عقله قوة الفطنة وصحة الروية، فيستغنى بكمال عقله وصحة رويته عن تنبيه ذوي العقول الوافرة ليصل بإجتهاد عقله من اضطرار أو استدلال إلى قضايا العقول ليصير عالما بها ومستغنيا عن عقل غيره فيها، وإن ضعفت فطنته وقلت رويته لزمه أن يتنبه بذوي العقول على الوصول إليها بعقله لا بعقولهم فيعلمها بالتنبيه كما علمها غيره بالنظر وإن لم يصل إليها بالتنبيه فليس بكامل العقل ويصير تبعا لذوي العقول لأن عدم الموجب دال على سقوط الموجب.
أحكام العقل
والعقل هو ما أفاد العلم بموجباته، وقيل: بل هو قوة التمييز بين الحق والباطل. وقيل: هو العلم بخفيات الأمور التي لا يوصل إليها إلّا بالاستدلال والنظر وهو ضربان، غريزي هو أصل ومكتسب هو فرع.
فأما الغريزي فهو الذي يتعلق به التكليف ويلزم به التعبد.
وأما المكتسب فهو الذي يؤدي إلى صحة الاجتهاد وقوة النظر ويمتنع أن يتجرد المكتسب عن الغريزي ولا يمتنع أن يتجرد الغريزي عن المكتسب لأن الغريزي أصل يصح قيامه بذات والمكتسب فرع لا يصح قيامه إلّا بأصله.
ومن الناس من امتنع من تسمية المكتسب عقلا لأنه من نتائجه ولا اعتبار بالنزاع في التسمية إذا كان المعنى مسلّما.
أحكام السمع
وأما أحكام السمع فمأخوذة عمن يلزم طاعته من الرسل والعقل مشروط في التزامها وإن لم يكن السمع مشروطا في قضايا العقول. وما يتضمنه السمع نوعان: تعبد وإنذار، فالتعبد الأوامر والنواهي، والإنذار الوعد والوعيد فإن
1 / 19
جمع الرسول بين التعبد والإنذار فهو الشرع الكامل المغني عن غيره وإن انفرد بالتعبد دون الإنذار فإن تقدمه إنذار غيره كمل الشرع بتعبده وإنذار من تقدمه وإن لم يتقدمه إنذار من غيره، أما في مبادىء النبوات أو في من لم تبلغهم دعوة الأنبياء فقد اختلف في قضايا العقول هل تقتضي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، فذهب فريق إلى اقتضائها لذلك فعلى هذا يكون شرعا كمل بتعبد الرسول وإنذار العقول، وذهب فريق إلى أن قضايا العقول لا تقتضي ثوابا ولا عقابا، فعلى هذا اختلف في التعبد هل يكون مستحقا على ما تقدم من نعم الله تعالى على خلقه أو لجزاء مستقبل فذهب فريق إلى استحقاقه بسابق النعمة فإن وعد الله تعالى ثوابا عليه كان تفضلا منه يستحق بالوعد دون التعبد فعلى هذا يكون التعبد فرضا مستحقا يقتضي تركه عقابا وإن لم يقتض فعله ثوابا، وذهب آخرون إلى استحقاقه بما يقابله من الجزاء بالثواب عليه وما تقدم من النعمة تفضل منه فعلى هذا يكون التزام التعبد مستحبا وليس بمستحق فلا يلزم على تركه عقاب كما لم يستحق على فعله ثواب لأنه لم يقترن به وعد بثواب يوجب التزام التعبد، وإن انفرد الرسول بالإنذار دون التعبد فالإنذار لا يكون إلّا على فعل وإلّا كان عبثا لا يصدر عن كليم، فإن كان إنذاره على شرع تقدمه تضمن إنذاره إثبات ذلك الشرع وكان هذا المنذر من أمة ذلك المتعبد، وإن كان المتعبد قد أنذر كان هذا الإنذار تأكيدا ولم يحتج هذا المنذر إلى إظهار معجز، وإن لم يكن المتعبد قد أنذر تكامل شرع المتعبد بإنذار المتأخر وتكامل إنذار المتأخر بتعبد المتقدم واحتاج هذا المنذر إلى إظهار معجز إلى إنذاره موجب لكمال الشرع وإن أنذر المتأخر على فعل الخير واجتناب الشر خرج عن حكم الشرع إلى الوعظ والزجر بأمر إلهي يستحق له بسط اليد في الانكار واستيفاء ما تضمنه الإنذار.
1 / 20
الباب الثاني في معرفة الإله المعبود
لا يصح التعبد ببعثة الرسل إلّا بعد معرفة المعبود المرسل ليعلم أنهم رسل مطاع معبود فيطاعوا لفرض طاعة المعبود، والمعبود هو الله ﷿ المنعم على عباده بما كلفهم من عبادته وافترض عليهم من طاعته بعد النعمة عليهم بخلق ذواتهم والإرشاد إلى مصالحهم واستودعهم علم اضطرار يدرك ببداية العقول «١»، وعلم اكتساب يدرك بالفكر والنظر «٢»، ولما كانوا محجوبين عن ذاته لم يدركوه ببداية الحواس اضطرارا، وقد ظهر من إظهار آثار صنعته وإتقان حكمته ما يوصل إلى معرفة ذاته وصفاته اكتسابا لإدراكها بالاعتبار والنظر، ولو شاء لخلق ما يدرك ببداية الحواس، لكن معرفته بالاستدلال أبلغ في الحكمة لظهور التباين في الرتبة فلذلك ما امتنع الوصول إلى معرفته اضطرارا ووصل إليها استدلالا واكتسابا يخرج عن بداية العقول إلى استدلال معقول.
والذي يؤدي إلى معرفته ﷻ ثلاثة فصول:
أحدهما: أن العالم محدث وليس بقديم.
والثاني: أن للعالم محدثا قديما «٣» .
_________
(١) أي يدرك بالبديهة والفهم.
(٢) أي بإعمال الفكر في الكون والمخلوقات يدرك الخالق.
(٣) محدثا قديما: خالقا.
1 / 21
والثالث: أنه واحد لا شريك له.
فأما الفصل الأول؛ في حدوث العالم، فالمحدث ما كان له أول، والقديم ما لا أول له، والدليل على حدوث العالم شيئان:
أحدهما: أن العالم جواهر وأجسام، لا تنفك عن أعراض محدثة من اجتماع وافتراق وحركة وسكون، وإنما كانت الأعراض محدثة لأمرين:
أحدهما: أنه لا يصح قيامها بذواتها.
والثاني: لوجودها بعد عدمها «٤»، وزوالها بعد وجودها «٥»، وما لم ينفك عن الأعراض المحدثة لم يسبقها، لأنه لو سبقها لكان لا مجتمعا ولا مفترقا ولا متحركا ولا ساكنا، وهذا مستحيل فإستحال سبقه، وما لم يسبق المحدث فهو محدث فإن قيل: فليس يستنكر أن تكون الحوادث الماضية لا أول لها، فلم يلزم حدوث العالم، قيل: إذا كان لكل واحد من الحوادث أول استحال أن لا يكون لجميعها أول لأنها ليست غير آحادها، فصارت جميعها محدثة لأنها ذوات أوائل محدثة.
والدليل الثاني: على حدوث العالم وجوده محدودا متناهي الأجزاء والأبعاض وما تناهت أجزاؤه وأمكن توهم الزيادة عليه والنقصان منه كان تقديره على ما هو به دليلا، على أن غيره قدره إذ ليس كون ذاته على صفة بأولى من كونه على غيرها لولا تدبر غيره لها. فإن قيل: فلم لا كانت طينته قديمة وأعراض تركيبه وتصويره حادثة، كأفعال الله تعالى حادثة عن ذاته القديمة؟
قيل: لأن حدوث أعراضه فيه، وهو لا ينفك منها فصار محدثا بها وأفعال الله تعالى حادثة في غيره، فلم يمنع حدوثها من قدمه، ولو حدثت فيه لمنعت من قدمه.
وأما الفصل الثاني: أن للعالم محدثا قديما، فالدليل على أن له محدثا قديما شيئان:
_________
(٤) أي كان هناك وقت لم تكن موجودة فيه.
(٥) أي أنها فانية وليست خالدة.
1 / 22
أحدهما: أنه لما استحال أن يكون العالم محدثا لذاته لإفضائه إلى وجوده قبل حدثه دل على أن محدثه غيره.
والثاني: أن وجود ما لم يكن يوجب أن يقتضي موجدا كما اقتضى المبنى بانيا والمصنوع صانعا والدليل على قدم محدثه شيئان:
أحدهما: أنه لا أول له وما لا أول له قديم.
والثاني: أنه لو لم يكن قديما لاحتاج إلى محدث ولاحتاج محدثه إلى محدث ولا تنتهي إلى ما لا غاية له فامتنع وثبت قدمه أنه لم يزل ولا يزال فلم يكن له أول ولا يكون له آخر. وإذا كان محدثه قديما وجب أن يكون قادرا مريدا.
والدليل على قدرته أنه يصح منه أن يفعل ولا يفعل مع انتفاء الموانع وقد فعل فدل وجود الفعل منه على قدرته عليه، والدليل على أنه مريد أنه لما وجد منه الفعل وهو غير ساه ولا مكره ولا عابث لانتفاء السهو عنه بعلمه وانتفاء الإكراه عنه بقدرته وانتفاء العبث عنه بحكمته دل على إرادته كما كانت كتابة الكاتب مع انتفاء هذه العوارض دليلا على إرادة كتابته فصار إحداثه للعالم دليلا على قدمه وحدوث أفعاله وقدمه يوجب أن تكون صفات ذاته قديمة لقدمه وحدوث أفعاله يوجب أن تكون صفات أفعاله محدثه.
وأما الفصل الثالث: أنه واحد لا شريك له ولا مثل، فالدليل عليه شيئان:
أحدهما: أن عموم قدرته شامل لجميع المحدثات فوجب أن يكون محدث بعضها محدثا لجميعها إذ ليس بعضها بأخص بقدرته من بعض، فأوجب تكافؤ الأمرين عموم الجميع.
والثاني: أنه لو كان معه غيره لم يخل أن يكون مماثلا أو مخالفا، فإن خالفه بطل أن يكون قادرا، وإن ماثله استحال وجود إحداث واحد من محدثين كما استحال وجود حركة واحدة من متحركين.
1 / 23
وذهب الثنوية «٦» من المتباينة إلى إثبات قديمين هما عندهم نور وظلمة يحدث الخير عن النور والشر عن الظلمة وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن النور والظلمة لا ينفكان أن يكونا جسما أو جوهرا أو عرضا، وجميعها محدثة فدل على حدوثهما.
والثاني: أن الظلمة ليست بذات وإنما هي فقد النور عما يقبل النور، ولهذا إذا فقدنا النور في الهواء تصورناه مظلما فلم يجز أن يوصف بقدم ولا يضاف إليها فعل.
وذهب المجوس إلى أن الله تعالى والشيطان فاعلان، فالله تعالى فاعل الخير وخالق الحيوان النافع، والشيطان فاعل الشر وخالق الحيوان الضار، قالوا: لأن فاعل الشر شرير ويتعالى الله عن هذه الصفة، وجعلوا الله تعالى جسما وإن كان قديما. واختلفوا في قدم الشيطان، فقال به بعضهم وامتنع من قدمه زرادشت وأكثرهم واختلفوا في علة حدوثه، فزعم زرادشت أن الله تعالى استوحش ففكر فكرة رديئة فتولد منها (اهرمن) وهو إبليس.
وقال غيره، بل شكّ فتولد الشيطان من شكه. وقال آخرون: بل حدث عفن فتولد الشيطان من عفنه وهذه أقاويل تدفعها العقول، أما جعلهم الله تعالى جسما، فدليلنا على حدوث الأجسام يمنع أن يكون الله تعالى مع قدمه جسما.
ودليلنا على الثنوية يمنع أن يكون الشيطان معه ثانيا وإثبات قدرته يمنع أن يكون مغلوبا وعلمه بمنع أن يكون شاكا أو مفكرا وانتفاء الحزن عنه يمنع أن يكون مستوحشا وامتناع الفساد عليه يمنع أن يكون عفنا. وقولهم أن فاعل الشر شرير قيل خروجه عن قدرته مثبت لعجزه فوجب أن يدخل في عموم قدرته.
_________
(٦) ويسمون أيضا: المثنوية، وهي مشتقة من مثنى، لقولهم بقدم اثنين: النور والظلمة.
1 / 24
قول النصارى
«٧» فأما النصارى فقد كانوا قبل أن تنصّر قسطنطين الملك على دين صحيح في توحيد الله تعالى ونبوّة عيسى ﵇ ثم اختلفوا في عيسى بعد تنصّر قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوك الروم، فقال أوائل النسطورية أن عيسى هو الله، وقال أوائل اليعاقبة أنه ابن الله، وقال أوائل الملكانية أن الآلهة ثلاثة احدهم عيسى. ثم عدل أواخرهم عن التصريح بهذا القول المستنكر حين استنكرته النفوس ودفعته العقول، فقالوا أن الله تعالى جوهر واحد هو ثلاثة أقانيم: أقنوم الآب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس، وأنها واحدة في الجوهرية وأن أقنوم الآب هو الذات وأقنوم الابن هو الكلمة وأقنوم روح القدس هو الحياة، واختلفوا في الأقانيم فقال بعضهم: هى خواص وقال بعضهم:
هي أشخاص، وقال بعضهم. هي صفات وقالوا: إن الكلمة اتحدت بعيسى واختلفوا في الاتحاد فقال النسطورية معنى الاتحاد أن الكلمة ظهرت حتى جعلته هيكلا وأن المسيح جوهران أقنومان أحدهما إلهي والآخر إنساني فلذلك صح منه الأفعال الإلهية من اختراع الأجسام وإحياء الموتى والأفعال الإنسانية من الأكل والشرب.
_________
(٧) لقد تجاوز المؤلف ﵀ قول الأريوسية أي آريوس وأتباعه الذين ذكرهم الرسول الكريم في رسالته إلى قيصر ملك الروم في قوله ﷺ «فإن عليك إثم الأريسيين،» الذين قالوا بأن المسيح هو الكلمة، كلمة الله وأن الكلمة محدثة أي أنها مخلوق من مخلوقات الله وأن المسيح بالتالي نبي من الأنبياء فقط، وأنه إنسان. لكن بعد اتفاق بعض البطاركة والمطارنة مع الملك قسطنطين الأول على جعل المسيحية دين الدولة الرومانية مقابل بعض التعديلات في أسس لعقيد المسيحية وقد تطورت هذه التعديلات حتى وصلت إلى فكرة التثليث في مجمع نيقيا أي أنها تبنت الديانة الوثنية الرومانية القائلة بثلاثية الألوهة زفس- كرونوس- جوبيتر بتسمية جديدة الآب، الإبن، الروح القدس. وقول الوثنية الرومانية بأن هيرا آلهة الأرض وأم الإله ألبسوه للعذراء مريم. وقد أبيد الأريوسيين وحرموا وكفّروا واضطهدوا حيثما وجدوا، أما الذين سبق أن قتلتهم الوثنية الرومانية منهم قبل تبني الدولة لمسيحية التثليث فاعتبرتهم الكنيسة شهداء وقديسين لكنها حرّمت كتبهم مدعية أن فيها كفرا وهرطقة فتأمل.
1 / 25