Abu Hanifa dan Nilai Kemanusiaan dalam Mazhabnya
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Genre-genre
من هذين المثالين، نفهم أن درجة الفقه والفتيا فيه كان لا يصل إليها المتفقه إلا إذا آنس من نفسه أنه أهل لها، ثم يحدث بعد هذا أن يشهد له طائفة من مشيخة العلم أنه جدير بالجلوس للتعليم وإقرار الناس وإفتائهم، وحينئذ يجوز له أن يقوم من الناس مقام الشيخ والمفتي.
ولعل مما يشهد لذلك أن صاحب الديباج المذهب أيضا يذكر أن رجلا سأل «مالكا» عن مسألة، فبادره ابن القاسم فأفتاه، فأقبل عليه مالك كالمغضب وقال له: جسرت علي أن تفتي يا عبد الرحمن! يكررها عليه، ثم قال، ما أفتيت حتى سألت: هل أنا للفتيا موضع؟ فلما سكن غضبه قيل له: من سألت؟ قال: الزهري وربيعة الرأي.
20
العباسيون والفقه
مهما كان، من الحق - كما قلنا من قبل - أنه لا فوارق ولا حدود فاصلة من الناحية العقلية في هذا العصر؛ أي بين الفترة التي عاشها أبو حنيفة في ظل الحكم الأموي، والأخرى التي عاشها في ظل الحكم العباسي، وأن العلوم الإسلامية كانت ستأخذ طريقها إلى النمو والتطور والازدهار تحت حكم الدولة الأموية لو طال بها الزمن ولم تقم الدولة العباسية - مهما كان ذلك - حقا، فإنه مما لا ريب فيه أن حالة الفقه والفقهاء في هذا الفترة من العصر العباسي تختلف عنها أيام الأمويين .
وقد عالجنا من قبل في كتابنا : «عصر نشأة المذاهب» أمر الفقه والفقهاء تحت الحكم الأموي، ثم تحت الحكم العباسي، وبينا هناك الأسباب التي أوقعت النفرة بين الفقهاء وبين الحكم الأموي، ثم ما كان من رعاية العباسيين للفقه والفقهاء، وأسباب ذلك ونتائجه؛ ولهذا وذاك لا نرى أن نكرر ما سبق أن قلناه، ونكتفي هنا أن نحيل عليه.
21
ومع ذلك نرى من الخير أن نشير إلى أن نمو الفقه وتطور التشريع في العصر العباسي الأول كانت له عوامله وأسبابه، كما كانت له نتائجه التي علينا تسجيلها.
ومن هذه العوامل ما يرجع إلى طبيعة الإقليم الذي اتخذته الدولة العباسية قاعدة لملكها، ومنها ما يرجع إلى الأسس التي قام عليها حكمها، ومنها ما يرجع إلى طبيعة الزمن نفسه وتطوره.
اتخذ العباسيون العراق مقرا لملكهم، والعراق إقليم يختلف عن الحجاز وعن الشام اللذين كانا مقرا للخلافة الراشدة وللدولة الأموية؛ فهو إقليم زراعي يرويه دجلة والفرات، ولأهله نظم في زراعاتهم درجوا عليها من قديم الزمان؛ فكان لا بد من قواعد شرعية قانونية تنظم ري الأرض، وتبين ما يجوز من المعاملات الشرعية فيما يتصل بالزراعة، وتحدد الخراج الذي من حق الدولة أن تأخذه على الناتج من الأرض، وهكذا.
Halaman tidak diketahui