ولم تدر أم حسين ماذا تقول، ولكنها لم تراجعه أن تكون السبب في إلقاء عداوة جديدة بين الابن وأبيه. وتركته يغادر الشقة وهو يهدر غاضبا شاتما، وقطعت نهارها على أسوأ حال. ولم تكن تذعن للهزيمة على كثرة ما عركها الزمن بالتعاسة والمهانة، فصدقت عزيمتها على تأديب الرجل الآثم ولو عرضها ذلك لشماتة الشامتين. بيد أنها رأت أن تقدم إنذارها بين يدي بأسها، فانتظرت حتى انتصف الليل وتفرق السمار، وتأهب زوجها لإغلاق القهوة ، ثم نادته من النافذة! فصعد الرجل رأسه منزعجا، وعلا صوته متسائلا: ماذا تريدين يا أم حسين؟
فجاءه صوتها يقول: اصعد يا معلم لأمر هام.
وأومأ المعلم لفتاه أن ينتظر حيث هو، وراح يرتقي السلالم متثاقلا، ووقف على عتبة باب شقته لاهثا، ثم سألها بصوته الغليظ: ماذا تريدين؟ أما كنت تستطيعين الانتظار حتى الصباح؟
رأته المرأة وقد تسمرت قدماه بالعتبة لا يريد أن يزايلها كأنه يتحاشى أن يخرق حرمة بيت غريب، فتميزت غيظا، وحدجته بعينين محمرتين من السهر والغضب، ولكنها لم ترد أن تبادره بالغضب، فقالت وهي تغالب انفعالها: تفضل بالدخول يا معلم.
وتساءل المعلم كرشة لماذا لا تتكلم إذا كان لديها حقا ما تريد أن تقوله؟! ثم سألها بخشونة: ماذا تريدين؟ .. انطقي!
يا له من رجل نافد الصبر! يقطع الليالي الطوال خارج البيت دون ملل؛ ولكنه يضيق ذرعا بحديث دقيقتين معها. ومع ذلك فهو رجلها أمام الله والناس، وأبو أبنائها جميعا، ومن عجب أنها لم تستطع - على إساءته إليها - أن تبغضه أو تهمل شأنه؛ فهو رجلها وسيدها الذي لا تني عن الاستئثار به، واسترداده كلما مد الإثم يدا لاختطافه. بل إنها لفخور به حقا؛ فخور بفحولته ومكانته في الزقاق وسيطرته على المعلمين من أقرانه، ولولا هذه النقيصة المنكرة لما وجدت له ضريعا في الدنيا. ها هو يستجيب لداعي الشيطان، ويود لو أعفته من حديثها لينطلق إليه من توه! واشتد بها الغيظ فقالت بحدة: ادخل أولا .. لماذا تقف على العتبة كالأغراب؟
فنفخ المعلم مغيظا محنقا، وجاز العتبة إلى الدهليز برما ساخطا وهو يتساءل بصوته الأجش: ماذا وراءك؟
قالت وهي ترد الباب: استرح قليلا .. لدي كلمة قصيرة.
ونظر إليها مستريبا! ماذا تريد المرأة؟ هل تعترض سبيله مرة أخرى؟! وصاح بها: تكلمي، لماذا تضيعين الوقت سدى؟
فسألته بحنق: أمتعجل أنت يا معلم؟ - أتجهلين هذا؟ - ما الذي يدعو لهذه العجلة؟
अज्ञात पृष्ठ