والفرق بين هذا الانتقاد وبين الانتقاد الثاني: أن الانتقاد الثاني بعدم نقل القصة عن عثمان ومن معه مع الحديث المذكور في خلالها إلا من طريق الزهري.
وهذا الانتقاد الخامس بعدم رواية الحديث عن عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد في غير القصة المذكورة ومن غير طريق الزهري، فإن ذلك قرينة أن الرواية عنهم مكذوبة، لكونهم من كبار الصحابة ولو رووه لنقل عنهم، لتوفر الدواعي إلى نقله عنهم.
سادسا: مناشدة عمر للعباس وعلي عليهما السلام غير مستنكرة لو صحت؛ لأنا نفرض أن عمر قد كان غضب فاستفزه الغضب على تنزيلهما منزلة من يتوقع منه الكتمان إذا لم يناشده بالله، لكن المستنكر أن يكونا قد علما أن رسول الله قال: ((لا نورث، ما تركناه صدقة)) برفع صدقة، ومع ذلك يطلبان الإرث من رسول الله كما في الرواية: فجئتما، تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها.
وكما يشير إليه آخر الرواية: فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما -إلى قوله:- لا أقضي بينكما بغير ذلك. وفي بعض ألفاظ الرواية: فتلتمسان مني قضاء غيره...إلى آخره.
فهذا لا يتصور منهما؛ لأن الدين يمنع منه والمروءة تحول دونه، وكيف يتصور من أمير المؤمنين علي عليه السلام على دينه وزهده في الدنيا وورعه وعفافه؟ وكيف يتصور من العباس على دينه.
مع أن ذكاءهما وفطنتهما وعلمهما أن عاقبة المطالبة هي الانتكاس والخيبة، لا يتصور مع ذلك أن يطالبا في أمر قد فرغ منه، كما يزعم القوم باحتجاج أبي بكر على فاطمة بالحديث، وهما يعلمان صدقه بزعم الراوية.
فهذه نكارة لا تخفى على مفكر سليم من التقليد.
وهي خاصة برواية الزهري كما ترى.
فإن قيل: إن في رواية أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس، قد علما أن رسول الله قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة)) وهذا يفيد متابعة للزهري في إثبات علمهما بالحديث.
पृष्ठ 17