क्रांतिकारी नेता अहमद उराबी
الزعيم الثائر أحمد عرابي
शैलियों
وفي الحق أن العرابيين كان ينقصهم الحصافة في الرأي وبعد النظر السياسي، وأغلب الظن أنهم كانوا لا يعرفون الموقف السياسي على حقيقته، وكانوا يعتمدون على ما يتلقونه من بعض الأفراد الأوروبيين من الأوهام والأخبار الملفقة، ولم يكن لديهم قلم أخبار في مصر ولا في الخارج يطلعهم على حقيقة الأحوال السياسية وتطوراتها.
هذا فضلا عما اشتهروا به من الغرور والخيلاء، إذ كانوا يتوهمون أنهم قادرون على دفع اعتداء الإنجليز أو أية دولة أخرى دون أي استعداد جدي للحرب، ولم يكونوا يقدرون قوة أعدائهم ولا قوتهم هم أنفسهم، فبينما كان الإنجليز يستعدون للحرب والقتال ويحشدون جنودهم في إنجلترا ومالطة والهند، ويستطلعون قوة العرابيين ويقفون على حقيقة معداتهم، كان العرابيون لا يعرفون شيئا عن معدات الإنجليز ... بل كانوا يتوهمون أنهم لا يجرءون على إعلان الحرب والقتال أو النزول إلى البر، وكذلك كان شأن وزارة راغب باشا عامة، فإنها كانت لا تزيد كثيرا عن مستوى العرابيين في العلم والمعرفة، وكان عرابي هو الآمر المتسلط عليها إذ كان وزير الحربية والبحرية فيها. •••
ومما ساعد العرابيين على التمادي في غرورهم، رؤيتهم الأسطول الإنجليزي راسيا في مياه الإسكندرية دون أن تنشب الحرب أو يتحفز للضرب، فخيل الوهم لهم أن مجيئه لم يكن إلا من قبيل التهديد والوعيد، وأنه لا يجرؤ على إنزال الجنود إلى البر، واتخذوا من موقف السكوت الذي لزمه يوم مذبحة الإسكندرية دليلا على أنه لا قبل له بالحرب والقتال ...
ولكن الواقع أن الإنجليز كانوا ينتظرون أن يهيئوا الجو في أوروبا لقبول تدخلهم الحربي ... فدبروا مذبحة الإسكندرية حتى يظهروا الحالة في مصر بأنها حالة فوضى واضطراب، ونهب وقتل لا يؤمن معها على حياة الأجانب، وأنها تستدعي تدخل الدول لوضع حد لهذه الفوضى، ثم اشتركوا والدول في عقد مؤتمر الآستانة للمفاوضة في إيجاد علاج لهذه الحالة الخطير ... وهيئوا الأفكار في أوروبا لضرورة التدخل لقمع الثورة في مصر ...
فلم يكن انتظارهم هذه المدة - ولم تكن في ذاتها طويلة - إلا لإحكام خطتهم وإتمام تجهيزاتهم الحربية، ثم لتمكين الجاليات الأوروبية من الهجرة قبل أن تضرب إنجلترا ضربتها في مصر، لكي يكون عدوانها مقرونا بعطف الأوروبيين المهاجرين ... وتكون في احتلالها كأنها نائبة عنهم وعن الدول الأوروبية جميعا، كل ذلك والعرابيون غارقون في أحلامهم معتقدون أن الحرب بعيدة الوقوع؛ ولذلك لم يبد منهم أي عمل يدل على الاستعداد لخوض غمار القتال.
وكانت أحاديث العرابيين دائرة حول ما يتسقطونه من أخبار المؤتمر، وما تلوكه ألسنتهم من أن الأزمة ستحل قريبا بطريق السلم، وأنها ستنتهي بخلع الخديو توفيق وتعيين الأمير حليم باشا مكانه ... وهذا كل ما كان يشغل بالهم ويستحوذ على أفكارهم في ذلك الوقت العصيب، أما الاستعداد للحرب والتهيؤ للقتال، فلم يفكروا فيه تفكيرا جديا إلا في اللحظة الأخيرة بعد أن ضاع الوقت وسبق السيف العذل.
ضرب الإسكندرية
(1) ضرب الإسكندرية
كانت إنجلترا تستعد للحرب قبل انعقاد مؤتمر الآستانة وخلال اجتماعه، وقبل أن يقر قراره بدعوة تركيا إلى إرسال جيش لها إلى مصر ... وأخذت تدبر الأسباب والذرائع للتعجيل بضرب الإسكندرية لكي تضع المؤتمر أمام الأمر الواقع.
فأوعزت إلى الأميرال سيمور قائد الأسطول البريطاني أن يخلق أية وسيلة للتحرش بمصر لإثارة الحرب عليها؛ أي أنها أخذت تخلق «الحالة القهرية» التي أشار إليها اللورد دفرين في مؤتمر الآستانة، واشترط إضافتها إلى قرار الامتناع عن التدخل المنفرد في مصر، فأخذ الأميرال يتأهب للعدوان، وكان يستعين برأي الجالية البريطانية في خلق أسبابه، ووجد على الأخص من السير أوكلن كولفن الرقيب المالي الإنجليزي عونا كبيرا له في ذلك ... إذ كان من أشد غلاة الاستعمار ومن الداعين إلى احتلال مصر، وكان بعد رحيل السير إدوار مالت الممثل الفعلي لبريطانيا في مصر، فلا غرو أن كان على اتصال دائم بالأسطول.
अज्ञात पृष्ठ