क्रांतिकारी नेता अहमद उराबी
الزعيم الثائر أحمد عرابي
शैलियों
مقدمة الطبعة الثالثة
مقدمة
نشأة الثائر وأسباب الثورة
الثورة في مرحلتها الأولى
عرابي الزعيم القومي
ثورة عرابي في مرحلتها الثانية
مذبحة الإسكندرية
ميثاق النزاهة
ضرب الإسكندرية
الحرب بين عرابي والإنجليز
अज्ञात पृष्ठ
كارثة الاحتلال
محاكمة العرابيين
الزعيم في المنفى
مقدمة الطبعة الثالثة
مقدمة
نشأة الثائر وأسباب الثورة
الثورة في مرحلتها الأولى
عرابي الزعيم القومي
ثورة عرابي في مرحلتها الثانية
مذبحة الإسكندرية
अज्ञात पृष्ठ
ميثاق النزاهة
ضرب الإسكندرية
الحرب بين عرابي والإنجليز
كارثة الاحتلال
محاكمة العرابيين
الزعيم في المنفى
الزعيم الثائر أحمد عرابي
الزعيم الثائر أحمد عرابي
تأليف
عبد الرحمن الرافعي
अज्ञात पृष्ठ
مقدمة الطبعة الثالثة
نحمد الله إذ ها هو كتاب أحمد عرابي الزعيم الثائر في طبعته الثالثة كما خرج في طبعتيه السابقتين تماما - والطبعة الأولى صادرها الملك السابق فاروق قبل ثورة 23 يوليو، ولاقى والدنا المغفور له الأستاذ عبد الرحمن الرافعي متاعب جسيمة عندما أخرج هذا الكتاب في حينه - وها هي دار الشعب تعيد طبعه بمناسبة ذكرى وفاة عرابي، إذ لاقى ربه يوم 21 سبتمبر سنة 1911 عليه وعلى شهداء الوطنية رحمة الله ورضوانه.
كريمات المؤلف
عبد الرحمن الرافعي
سبتمبر سنة 1968
مقدمة
إن سيرة أحمد عرابي - زعيم الثورة العرابية - قد اختلف فيها الرواة والمؤرخون، والكتاب والمؤلفون، بين قادح ومادح، وأنصار وخصوم، وقد عرضت لها في كتاب «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي»، ولكنها متناثرة بين فصوله وأبحاثه، فرأيت أن أضع كتابا خاصا عن هذه السيرة، وهو الذي أقدمه اليوم.
1
والمنهج الذي اتبعته في الترجمة لعرابي هو أن أذكر ما له وما عليه؛ لأن تاريخه ليس كله محاسن، ولا كله مآخذ، بل تجتمع فيه المحاسن والأضداد، وخير التراجم ما يتناول شخصية المترجم من نواحيها المختلفة والمتباينة أحيانا.
تولى عرابي زعامة الجيش وزعامة الأمة في فترة من أهم فترات التاريخ المصري الحديث، فهو جدير بأن يوفى حقه من الدراسة والتدوين.
अज्ञात पृष्ठ
أحمد عرابي باشا وزير الحربية.
وعندي أن لسيرته منذ تولى الزعامة مرحلتين، فالأولى هي المرحلة الموفقة في تاريخ الثورة العرابية، إذ ظفرت فيها الأمة بالنظام الدستوري وتقرير حقوقها السياسية، وكان لعرابي الفضل الأول في هذا الظفر القومي، وتبدأ المرحلة الثانية من تنحية شريف باشا عن رياسة الوزارة في فبراير سنة 1882، فأخذت الثورة تتعثر في خطاها، ولو أن عرابي أبقى على وزارة شريف باشا لكان من المرجح أن تستمر الثورة على صراطها المستقيم، وتتغلب على ما اعترضها من العقبات والعراقيل، ولكن الجد العاثر سار بها في طريق محفوف بالأشواك والعثرات.
لقد تحريت الحقائق في تدوين هذه السيرة، بحيث أرجو أن تكون في جملتها صورة حية صادقة للزعيم أحمد عرابي.
يناير سنة 1952
نشأة الثائر وأسباب الثورة
(1) العصر الذي ظهر فيه عرابي
نحن الآن في منتصف القرن التاسع عشر، وقد تولى سعيد باشا أريكة مصر سنة 1854، وظل يتولاها إلى سنة 1863، وامتاز عهده بنهضة وطنية ترجع إلى شخصيته ونفسيته، فلقد كان يميل بجوارحه إلى خير المصريين ورفاهيتهم، ويعمل على تحريرهم من نير المظالم التي كانوا يعانونها، ويشجعهم على تقلد المناصب العالية في الجيش والإدارة بعد أن كان معظمها وقفا على الترك والشراكسة.
في هذا العصر بدأت شخصية أحمد عرابي في الظهور، إذ نال رتبة ملازم في الجيش سنة 1858، ومن يومئذ أخذ يرتقي في الرتب العسكرية.
فمن هو ذلك الضابط الذي بلغ مرتبة القيادة وعقد له الجيش بل عقدت له الأمة لواء الزعامة سنة 1881؟ (1-1) نشأته الأولى
ولد أحمد عرابي في 31 مارس سنة 1841 في «قرية رزنة» وهي إحدى قرى مديرية الشرقية على مقربة من الزقازيق، وكان أبوه شيخ البلد، وهو من عائلة بدوية استوطنت تلك القرية في عهد جد عرابي. ولما شب وترعرع، علمه أبوه مبادئ القراءة والكتابة، وعهد إلى رجل يدعى ميخائيل غطاس - كان صرافا في البلد - تدريبه على الكتابة والأعمال الحسابية، ومكث يتمرن على يديه نحو خمس سنوات، ثم أرسله والده إلى الجامع الأزهر سنة 1849 لطلب العلم، فمكث فيه أربع سنوات أتم في خلالها استظهار القرآن الكريم، وتلقى شيئا من اللغة والفقه والتفسير.
अज्ञात पृष्ठ
وبعد أن عاد إلى بلده، دون أن يتم دراسته في الأزهر، التحق بالعسكرية في 6 ديسمبر سنة 1854 جنديا بسيطا «نفرا» تنفيذا لما قرره سعيد باشا من تجنيد أولاد العمد والمشايخ، ولإجادته القراءة والكتابة والحساب عين كاتبا بدرجة «بلوك أمين» بالأورطة الرابعة من آلاي المشاة الأول.
وفي سنة 1858 رقي إلى مرتبة الضباط، وذلك حين اعتزم سعيد باشا ترقية المصريين في الجيش، فنال في تلك السنة رتبة ملازم من تحت السلاح، وهو بعد في السابعة عشرة، ثم رتبة يوزباشي سنة 1859، ثم رتبة صاغ سنة 1859، ثم رتبة بكباشي سنة 1860، ثم صار قائم مقام في سبتمبر سنة 1860. وقد حظي برضا سعيد باشا ورافقه في زيارته للمدينة المنورة ياورا له سنة 1860، وكان لهذه الزيارة أثر كبير في نفسه إذ آنس من سعيد عطفا كبيرا على طبقة الفلاحين، ثم بدا لسعيد أن ينقص عدد الجيش، فألغى بعض الفرق وفصل ضباطها من الخدمة، ومنهم أحمد عرابي، ثم أمر بإعادتهم قبيل وفاته، وعاد عرابي إلى سابق رتبته.
من هذا البيان يتضح أن ليس في نشأة عرابي شيء يستوقف النظر، بل هي نشأة عادية لرجل عادي، لم يتميز في ماضيه بالبطولة ولم يخض غمار المعارك والحروب، كان ضابطا من تحت السلاح، ونال مرتبة الضباط؛ لأن سعيد باشا وضع قاعدة إمكان ترقية الضباط من بين أفراد الجند رغبة منه في إكثار عددهم. ولا غبار على هذه النشأة في شيء، وليس ثمة ما يمنع صاحبها من أن يقوم بدور هام في حياة البلاد السياسية والقومية. (1-2) متى وكيف بدأت دعوته الوطنية؟
يبدو من التأمل في حياة عرابي أن دعوته الوطنية قد بدأت تخالجه في عهد سعيد باشا، فقد سمعه يلقي خطبة في «قصر النيل» مقر وزارة الحربية وقتئذ، قال فيها مخاطبا الحاضرين من العلماء والرؤساء الروحانيين، وأفراد الأسرة الحاكمة وكبار رجال الحكومة الملكيين والعسكريين:
أيها الإخوان ... إني نظرت في أحوال هذا الشعب المصري من حيث التاريخ، فوجدته مظلوما مستعبدا لغيره من أمم الأرض، فقد توالت عليه دول ظالمة له كثيرا ...
وحيث إني أعتبر نفسي مصريا، فوجب علي أن أربي أبناء هذا الشعب، وأهذبه تهذيبا حتى أجعله صالحا لأن يخدم بلاده خدمة صحيحة نافعة، ويستغني بنفسه عن الأجانب، وقد وطدت نفسي على إبراز هذا الرأي من الفكر إلى العمل.
يقول عرابي تعليقا على هذه الخطبة: إنه لما انتهى سعيد باشا من إلقائها خرج المدعوون من الأمراء والعظماء غاضبين حنقين مدهوشين مما سمعوا، وأما المصريون فخرجوا ووجوههم تتهلل فرحا واستبشارا، ويقول إنه اعتبر هذه الخطبة أول حجر في أساس مبدأ «مصر للمصريين».
ولا شك أن خطبة سعيد باشا لم تصادف في نفس عرابي موضع الإقناع والغبطة إلا لأن روحه كانت وطنية، فهي تقبل ما يوافق ميولها واتجاهاتها.
على أن دعوته الوطنية لم تنضج إلا في عهد الخديو إسماعيل، ذلك أنه حين خلف سعيد باشا في ولاية الحكم، فقد عرابي عطف ولي الأمر الجديد، إذ لم يكن إسماعيل يأخذ بسنة سلفه في العطف على الضباط الوطنيين، فعادت الحظوة في الجيش إلى الضباط الشراكسة، فكان ذلك من أسباب تذمر عرابي، واتجاه أفكاره إلى المطالبة بحقوق الضباط الوطنيين.
ووقع له حادث في أوائل عهد إسماعيل كان له أثر كبير في اتجاه أفكاره وتكوين دعوته الوطنية، فقد وقعت خصومة بينه وبين اللواء خسرو باشا الشركسي أدت إلى تقديمه إلى مجلس عسكري، والحكم عليه بالسجن واحدا وعشرين يوما، فاستأنف عرابي هذا الحكم أمام المجلس العسكري الأعلى، فقضى بإلغاء الحكم الابتدائي. وحدث خلاف بسبب هذا الحكم بين وزير الحربية وقتئذ إسماعيل سليم باشا ورئيس المجلس الأعلى؛ لأن الوزير كان يرغب في تأييد الحكم الابتدائي، فسعى لدى الخديو إسماعيل في فصل عرابي من الجيش، فتم له ما أراد، فأورثته هذه الحادثة بغضا شديدا للشراكسة.
अज्ञात पृष्ठ
ورفع ظلامته من هذا القرار إلى الخديو إسماعيل، وظلت بين النظر والإهمال ثلاث سنوات، وقد توسط له بعض الخيرين فالتحق بوظيفة في دائرة الحلمية، وفي أثناء قيامه بهذه الوظيفة تزوج من كريمة مرضعة الأمير إلهامي باشا، وهي أخت حرم الخديو توفيق من الرضاعة، وتوصل بذلك إلى استصدار أمر من الخديو إسماعيل بالعفو عنه وإعادته إلى الجيش برتبته العسكرية، ولكنه حرم مرتبه مدة فصله. فتأصلت في نفسه روح الكراهية لرؤساء الجيش من الشراكسة والترك الذين كانوا سببا في تأخير ترقية الضباط المصريين، ومنهم عرابي ذاته، فقد ظل تسعة عشر عاما برتبة قائم مقام، وهي الرتبة التي نالها في عهد سعيد، وشهد عرابي محاباة الرؤساء لصغار الضباط الذين هم من أصل شركسي، ممن هم دونه مرتبة، حتى فاتوه في الرتب العسكرية لا لسبب سوى أنهم من مماليك أو أبناء مماليك العائلة الخديوية.
من ذلك الحين أخذ عرابي يبث في نفوس الضباط الوطنيين فكرة الاتحاد والمطالبة بحقوقهم ورفع الحيف عنهم، وكان للباقته وفصاحته في الكلام واستناده إلى بعض الأحاديث الشريفة النبوية والحكم المأثورة، تأثير كبير في نفوس الضباط اجتذبهم إليه ومال بهم إلى تلبية ندائه والاستماع لنصائحه والاقتناع بدعوته، ذكر محمود فهمي باشا أحد زعماء الثورة العرابية في هذا الصدد، أن عرابي دخل سنة 1875 أحد الآلايات المرابطة بناحية رشيد، فأخذ من ذلك الوقت في تأليف قلوب الضباط الوطنيين «أولاد العرب» - على حد تعبيره - وجمع كلمتهم على ولائه وإظهار الأسف لحرمانهم من الترقيات في حين أن الضباط الترك والشراكسة مغمورون بها.
فيمكن اعتبار سنة 1875 بدء دعوة عرابي الوطنية، وكان ذلك في عهد الخديو إسماعيل.
ولما تولى توفيق باشا مسند الخديوية رقى عرابي إلى رتبة أميرالاي في يونيو سنة 1879، وأصدر الخديو أمره بذلك وهو في الإسكندرية، فتوجه عرابي إلى سراي رأس التين وقدم للخديو شكره مقرونا بعبارات الإخلاص والولاء، فشمله الخديو برعايته، وجعله ضمن ياورانه، وعينه أميرالاي لآلاي المشاة الرابع الذي كان مركزه بالقاهرة، ويعرف بآلاي العباسية، وظل يشغل هذا المنصب حتى شبوب الثورة سنة 1881. (1-3) أسباب الثورة
توصف ثورة عرابي بأنها ثورة عسكرية، وهذا صحيح لا مراء فيه، إذا لاحظنا أن زعيمها والقائمين بها هم من ضباط الجيش، وأنها قامت وتحركت وفازت وقتا ما بقوة الجيش، ثم انتهت بهزيمته.
ولكن مما لا ريب فيه كذلك أنها ليست ثورة عسكرية فحسب، بل هي أيضا ثورة قومية اشتركت فيها طبقات الأمة كافة، وإذا أردنا أن نستقصي أسبابها وجدناها على نوعين: أسباب خاصة مباشرة، وهي المرتبطة بطبقة الضباط والجند وموقفهم من الحكومة وموقف الحكومة منهم. وأسباب عامة، وهي التي تتصل بحالة الشعب والعوامل التي دفعته إلى مناصرة الثورة وتأييدها. وإذ كانت الأسباب الخاصة أقوى أثرا في ظهورها وتطورها، فلنبدأ بالكلام عنها ...
الأسباب المباشرة
ترجع هذه الأسباب إلى تذمر الضباط الوطنيين من سوء معاملة رؤسائهم، وخاصة عثمان رفقي وزير الحربية في عهد وزارة رياض باشا التي شبت الثورة في عهدها.
كان عثمان رفقي قائدا شركسيا متعصبا لجنسه، يتحيز للضباط الذين هم من أصل شركسي أو تركي أو أرناءودي، ويعمل على جمع زمام السلطة في أيديهم، ويؤثرهم في الترقيات والتعيينات على الوطنيين الذين كان ينظر إليهم بعين الزراية والبغض.
وكان عثمان رفقي من ناحية الكفاية جاهلا، قليل الإدراك والذكاء، عديم المواهب، قليل النظر في العواقب، يمثل طبقة الرؤساء العسكريين المنحدرين من سلالة الترك والشراكسة الذين كانت لهم رياسة الجيش في عهد إسماعيل وأوائل عهد توفيق. ولم يكن الضباط الوطنيون يجدون منهم في الجملة إنصافا ولا مساواة ولا معاملة حسنة، ولو أن إسماعيل درج على سنة سعيد في تشجيعه المصريين وترقيتهم في المناصب العسكرية، لسادت روح المساواة في الجيش، ولما هيأ أمثال عثمان رفقي السبيل إلى الفتنة.
अज्ञात पृष्ठ
ولا مراء في أن إسماعيل كان يميز الضباط والرؤساء الشراكسة والترك على الوطنيين في المعاملة، برغم ما بدا منهم من العجز والجهل وعدم الكفاية، مما ظهر أثره جليا في الهزائم التي حاقت بالجيش سنة 1875-1876 في حرب الحبشة. وعلى ما كان لهذه الهزائم من أسوأ الأثر، فإن إسماعيل لم يحاسب أولئك القواد والضباط على ما وقع منهم من الإهمال والتقصير، وقيل إنه اعتزم محاكمة راتب باشا قائد هذه الحملة، ولكنه ما لبث أن رجع عن ذلك ... فقربه إليه وجعله من خاصة بطانته.
وهذا يدلك على شديد ميله إلى تلك الفئة ... فكانت لها الحظوة لديه، ثم لدى الخديو توفيق. ولو ظلت روح المساواة التي بثها سعيد في الجيش سائدة في عهد إسماعيل وتوفيق لما قامت الثورة العرابية؛ لأن عرابي وصحبه لم يثوروا إلا حين طفح الكيل من محاباة أمثال عثمان رفقي للترك والشراكسة واضطهادهم للضباط الوطنيين، فعرابي وصحبه كانوا على حق في المرحلة الأولى من الثورة؛ لأن الطبيعة البشرية مفطورة على كراهية الظلم والاضطهاد. ومن صفات النفس الإنسانية الثورة على المظالم. ولم تكن المظالم التي يشكو منها الضباط الوطنيون مقصورة على حرمانهم حقوقهم في الترقي، بل كانوا كذلك هدفا لأشد ضروب العنت والإرهاق، إذ كان يكفي أن تلصق بأحد منهم تهمة ما، ولو لم تكن صحيحة، ليكون جزاؤه أن تنزع منه درجته أو يقصى عن منصبه، أو ينفى إلى أقصى السودان، وتصبح حياته عرضة للخطر لأوهى الأسباب.
فالثورة العرابية كانت ثورة دفاع عن الحق، ودفاع عن الحياة، وليس من ينكر ما كان عليه معظم الرؤساء الشراكسة والترك والأرناءود من الغلظة والغطرسة، والزهو والخيلاء، والزراية بالوطنيين ... فإن هذه النزعات كانت فاشية فيهم، لا في مصر وحدها، بل في سائر بلاد السلطنة العثمانية القديمة، إذ كان العرب يعانون سوء معاملة الترك لهم واضطهادهم إياهم، وكانت هذه المعاملة من أسباب قيام الفتن والثورات في السلطنة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
ومادمنا في صدد الأسباب المباشرة للثورة، فلا جدال في أن ظهور أحمد عرابي كان في مقدمة هاتيك الأسباب، فهو الذي بث في نفوس الضباط روح التضامن والاتحاد للمطالبة بحقوقهم المهضومة، وتقدم الصفوف لعرض مطالبهم جهارا على ولاة الأمور، وكانت هذه المطالب فاتحة الثورة، فهذه الجرأة كان لها أثر كبير في ظهور الثورة، ولو لم يظهر عرابي، ولم تكن له تلك الشخصية التي اجتذبت إليه صفوف الضباط وبثت فيهم روح التضامن والإقدام، لكان محتملا ألا تظهر الثورة العرابية، أو لظهرت في زمن آخر وفي ظروف وملابسات أخرى غير التي ظهرت فيها.
وهناك سبب من الأسباب المباشرة، يرجع إلى شخصية الخديو توفيق، فقد كان من أخص صفاته التردد والضعف، فلم يعالج الثورة في مهدها بالحزم والشدة، أو بالعدل ورفع المظالم التي شكا منها الضباط، بل كان موقفه منها موقف التردد والتناقض، لا يستقر على رأي واحد ولا على خطة واحدة ... بل كان يقابل حركة الضباط تارة باللين وآونة بالشدة، ثم يجنح إلى التراخي والضعف، ثم إلى الشدة بعد الضعف. ولم يكن صريحا في سياسته ولا في تصرفاته، وكان له عدا ذلك من ظروفه العائلية ما يشجع عوامل التحريض على الثورة، فإن إسماعيل كان لا يفتأ يسعى في العودة إلى الحكم، ولا يرضيه أن يستقر ابنه على العرش.
ومن هنا جاء الظن بأن لإسماعيل ضلعا في مؤامرة الضباط الشراكسة التي أججت نار الخلاف بين الخديو والعرابيين، كما سنذكره في موضعه. وكذلك كان له من الأمير محمد عبد الحليم بن محمد علي منافس قوي في التطلع إلى مسند الخديوية، وكان وجود عبد الحليم في الآستانة - مهبط الفتن والدسائس - واتصاله برجال المابين، عاملا قويا لتهيئة الأفكار لتوقيع خلع توفيق كما خلع أبوه من قبل. هذا إلى أن الأمير عبد الحليم كان بحسب نظام الوراثة القديم أحق بالعرش من توفيق؛ لأنه أكبر أفراد الأسرة الحاكمة سنا.
ولم يتبدل هذا النظام إلا في عهد إسماعيل إذ جعل العرش في ذريته - فرمان 27 مايو سنة 1866 - فكان توفيق أول من أفاد من النظام الجديد، ولم يكن قبل صدور هذا الفرمان يتطلع إلى العرش، ولا كان معترفا له بالزعامة من أمراء آل بيته، وبخاصة الأميرات، إذ كن ينعين على والدته أنها قينة من جواري إسماعيل. فهذا المركز القلق من شأنه أن يحرض على الثورة، أضف إلى ذلك أن أعضاء وزارة رياض باشا كانوا مختلفي الرأي والنزعات في مواجهة الثورة، فكان هذا الموقف وما ينطوي عليه من الاضطراب والتنافس من العوامل التي أعانت على ظهور الثورة ونجاحها.
وثمة أسباب عامة يشترك فيها الشعب بجميع طبقاته، منها أسباب سياسية، وأخرى اقتصادية، وثالثة اجتماعية.
الأسباب السياسية
فالأسباب السياسية ترجع إلى تذمر المصريين عامة من سوء نظام الحكم القائم ورغبتهم في التخلص منه، فقد كان قوام هذا النظام استبداد الحكم واضطهادهم الأهلين.
अज्ञात पृष्ठ
لم يكن ثمة عدل ولا قانون، ولا قضاء ينتصف للمظلوم ويعطي كل ذي حق حقه، ولا حرية، ولا مساواة، ولا ضمانات قانونية تكفل للناس حقوقهم وحياتهم، وكان الضرب بالكرباج شائعا يتخذه الحكام وسيلة لتحصيل الأموال أو أداة للقسوة والتعذيب ... حقا أن رياض باشا أمر بإبطاله، ولكن أوامره في هذا الصدد لم تنفذ تنفيذا تاما، وبقي الكرباج في كثير من النواحي أداة للحكم. وكانت السخرة مضروبة على البلاد، ولم تكن مقصورة على المنافع والأعمال العامة، بل كانت تستخدم لاستصلاح أطيان ذوي السلطة والجاه من الحكام والأمراء، وكان النفي إلى أقاصي السودان عقوبة يعانيها الكثيرون لمجرد الشبهة أو النكاية. ذكرت جريدة «المونيتور إجبسيان» - الجريدة الرسمية الفرنسية للحكومة - أنه لما ألف شريف باشا وزارته بعد قيام الثورة العرابية، تقدمت له عرائض كثيرة من المحكوم عليهم بالنفي إلى السودان يطلبون رفع الظلم عنهم، وبلغ عددهم 912 منفيا، وهو عدد كبير يدلك على كثرة المظالم التي كان الناس يعانونها قبل الثورة، وقد تبين من تحقيق هذه الشكايات أن كثيرين من المنفيين كان يتقرر نفيهم لمجرد محضر موقع عليه من بعض الأفراد، باتهام أي شخص بأنه خطر أو لمجرد خطاب من أية سلطة محلية بهذا الاتهام. ولم تكن المظالم مقصورة على طبقة دون أخرى، بل كانت عامة، يعانيها العامة والخاصة، ولم يكن ينجو من شرها إلا من كانت تشملهم رعاية أولي الأمر، على أن هذه الرعاية لم تكن مضمونة البقاء، بل كثيرا ما تنقلب غدرا لغير ما سبب سوى أهواء الطغاة وتقلباتهم.
فالمصريون كانوا إذن يتطلعون إلى التخلص من نظام الحكم القائم، وقد أدركت الطبقة الممتازة من الأمة أن إصلاح هذا النظام إنما يكون بقيام الدستور وإنشاء مجلس نيابي يوطد مبادئ العدل والحرية، ويتحقق فيه معنى الرقابة على الحكام، ويحول دون ارتكاب المظالم ... فيأمن الناس على حقوقهم وعلى حياتهم. ومن هنا اتحدت الطبقة المثقفة من الأمة مع الضباط الوطنيين في الشعور والميول، وأجمع الكل على المطالبة بالمجلس النيابي. فالثورة العرابية كانت من هذه الوجهة ثورة على المظالم، وثورة على الحكم الاستبدادي.
وليس يخفى أن البلاد عرفت شيئا من النظام الدستوري من قبل، إذ أنشئ مجلس شورى النواب سنة 1866 على عهد إسماعيل. ولكنه كان مجلسا لا سلطة له، فلم يكن له أي أثر في رفع المظالم عن الأهلين، وقد بدأت روح الحياة والمعارضة تظهر بين أعضائه في أواخر عهد إسماعيل، وتطلعت أفكار الخاصة من النواب والأعيان إلى إصلاح نظامه وتوسيع اختصاصه، وحقق شريف باشا هذه الآمال بوضع دستور على أحدث المبادئ العصرية سنة 1879، ولكن الأزمة التي انتهت بخلع الخديو إسماعيل حالت دون إصداره والعمل به.
وبينما كانت الطبقة المثقفة ترتقب إعلان الدستور على يد الخديو توفيق، إذا بهم يرون شريف باشا يستقيل لمعارضة الخديو إياه في تشكيل مجلس النواب، وإصراره على الحكم المطلق. ورأوا الخديو يؤلف وزارة برياسته، مما ينم عن ميوله الاستبدادية، ثم يكلف رياض باشا تأليف وزارة كان من مبادئها الأساسية حكم البلاد حكما مطلقا وحرمانها أي نظام دستوري ... حتى مجلس شورى النواب القديم على ما كان عليه من ضعف السلطة، فقط ظل معطلا زهاء سنتين، طوال عهد وزارة رياض باشا. ولم ينس الناس ما كان لهذا المجلس من بعض المواقف الطيبة في أواخر عهد إسماعيل، وأنه عطل في عهد توفيق، فكان لزاما أن يستأنفوا الجهاد للدستور، وكان طبيعيا إذا دعاهم داع إلى الثورة أن يلبوا نداءه طائعين مستبشرين ... ويتبين لك من هذه الناحية أن الثورة العرابية هي استمرار للحركة الوطنية التي ظهرت في أواخر عهد إسماعيل وامتداد لها.
وكانت سياسة رياض باشا من أسباب ظهور الثورة، فقد استهدف لحركة مقاومة قوية لما بدا منه من المعارضة في إنشاء مجلس النواب، وانحيازه للنفوذ الأوروبي، ولما عرف عنه من الاستخفاف بميول الشعب وعدم اكتراثه لآراء الخاصة من الكبراء والأعيان، وإصراره على قمع كل معارضة بالشدة واضطهاده للمعارضين. ومن أمثلة هذا الاضطهاد تجريده الفريق شاهين باشا كنج وزير الحربية السابق من رتبته وألقابه لاتصاله بالحزب الوطني، وتقديم السيد حسن موسى العقاد للمحاكمة ونفيه إلى أقصى السودان لاعتراضه على إلغاء قانون المقابلة، ثم اضطهاده للصحف المعارضة لوزارته.
استهدفت الصحف المعارضة للاضطهاد في عهد وزارة توفيق، ثم في عهد وزارة رياض، واستخدمت الحكومة اللائحة القديمة المسماة لائحة أو «نظامنامه» المطبوعات لإنذار الصحف أو تعطيلها. ففي عهد الوزارة التي رأسها توفيق باشا عطلت الحكومة جريدة «مرآة الشرق» لمدة شهر، وأنذرت جريدة «التجارة»، ثم عطلت جريدة «مرآة الشرق» لمدة خمسة أشهر «لأنها اعتادت الدخول فيما لا يعنيها، ونشرت مطالعات سخيفة مخترعة من تلقاء نفسها خرجت فيها عن حدود وظائفها»، وفي عهد وزارة رياض باشا أنذرت جريدتا «مصر» و«التجارة» لنشرهما مقالات عدتها الحكومة غير معتدلة تخدش الأذهان، ثم عطلتا نهائيا لإصرارهما على خطة المعارضين.
كانت جريدتا «مصر» و«التجارة» من أقوى صحف المعارضة، تجلت فيهما روح السيد جمال الدين، ولا غرو فصاحبها ومنشئها هو أديب إسحق من خاصة تلاميذ الحكيم الأفغاني، أنشئت الأولى سنة 1877 والثانية سنة 1878 في أواخر عهد إسماعيل، وكانتا في عهد توفيق لا تفتأ كل منهما تنشر المقالات الحماسية وتنتقد سياسة الحكومة وتندد بتفريطها في حقوق البلاد، فلم تطق وزارة رياض باشا صبرا على مسلكهما، وأصدرت قرارها بتعطيلهما تعطيلا نهائيا.
وأنذرت جريدة «مصر الفتاة» لطعنها على الحكومة لمناسبة توسيع اختصاصات الرقيبين الماليين، ثم عطلت تعطيلا نهائيا لنشرها مقالات وأخبارا عدتها الحكومة مهيجة للخواطر والأفكار. ومنعت جرائد «النحلة» و«أبو نضارة» ثم «أبو صفارة» و«القاهرة» و«الشرق» من دخول القطر المصري، وأنذرت جريدة «الإسكندرية» ثم عطلتها شهرا، وعطلت جريدة «المحروسة» لمدة خمسة عشر يوما. ولم يقتصر الاضطهاد على الصحف العربية، بل تناول الصحف الأوروبية، فعطلت جريدة «الريفورم» تعطيلا نهائيا وأغلقت مطبعتها بحجة أنها تنتشر مقالات مثيرة للأفكار، وأنذرت جريدة «الفارد السكندري».
فالصحف المعارضة، وما كانت تبثه في الأفكار من روح التبرم بنظام الحكم والتطلع إلى الحرية والدستور، وما لقيته من اضطهاد، كل ذلك كان من الأسباب الممهدة للثورة والمحرضة عليها. •••
وقد اشتد ساعد الحركة بتأليف جمعية من الناقمين من سياسة رياض باشا، عرفوا بالحزب الوطني «القديم»، وقد نشروا في 4 نوفمبر سنة 1879 أول بيان سياسي لهم، وطبعوا منه عشرين ألف نسخة. وسعى رياض باشا في معرفة ناشريه لإقصائهم إلى السودان، فلم يستطع إلى ذلك سبيلا. ويقول المسيو جون نينيه الذي عاصر حوادث الثورة العرابية: «إن إخفاق رياض باشا في تعقب ناشري هذا البيان شجع خصومه على متابعة العمل لإسقاطه، وإن منهم الخديو توفيق ذاته. ومن بينهم الباشوات الأربعة: شريف باشا، وإسماعيل راغب باشا، وعمر لطفي باشا، وسلطان باشا، وإنهم أوفدوا إلى باريس أديب إسحق لإنشاء جريدة القاهرة، وقد رحل فعلا إلى أوروبا بعد إلغاء جريدتيه «مصر» و«التجارة». وأصدر بباريس جريدة معارضة لوزارة رياض، وكانت من أشد الصحف لهجة ضدها، فكانت من أقوى العوامل في إثارة الأفكار على رياض ووزارته. وتعقبها رياض لمنع تداولها في مصر، ولكن الباشوات الأربعة كانوا يوزعونها في أنحاء البلاد. وتعددت الاجتماعات السرية في منزل سلطان باشا لتنظيم الحزب الوطني، وقويت الروابط بين منظميه ... وكان في مقدمتهم سلطان باشا، وأحمد عرابي بك، وصاحباه عبد العال حلمي وعلي فهمي، ومحمود سامي البارودي باشا، وسليمان أباظة باشا - مدير الشرقية - وحسن الشريعي باشا - مدير المنيا - ومحمود فهمي باشا.
अज्ञात पृष्ठ
ويقول المسيو «جون نينيه»: إن الغرض من ضم المديرين إلى الحزب هو نشر الدعاية له في الأقاليم، وإن سلطان باشا بوجاهته وثرائه - إذ كان يمتلك نحو ثلاثة عشر ألف فدان من أجود الأطيان - كان يطمع في رياسة الحزب رغم ضعف أخلاقه ودخيلة نفسه، ولم يكن يتطلع إلى الوزارة؛ لأنه لم يكن كفؤا لها بل كان يرنو إلى رياسة مجلس النواب.
ويقول عرابي في مذكراته عن تأسيس الحزب الوطني: إنه تألف من لفيف من العظماء والكبراء والعلماء والنبهاء، ويرجع تأليفه إلى التذمر من تغلغل النفوذ الأوروبي في الحكومة، فألف أولئك الكبراء هذا الحزب وجعلوا مركزه مدينة «حلوان»، ونشروا عدة منشورات في الصحف الفرنسية نصحوا فيها للحكومة بمراعاة مصالح البلاد، وأعلنوا عن وجود الحزب الوطني وبينوا واجباته وحقوقه، ثم اعترضوا على «الدين الممتاز» واختصاصه بالضمان، وطلبوا المطالب الآتية:
أولا:
تعاد إلى الحكومة المصرية جميع الأملاك المسماة بالخديوية.
ثانيا:
يلغى النص القاضي بتخصيص السكة الحديدية للقرض الممتاز - في قانون التصفية - فإن لم يرض بذلك الدائنون من الإنجليز تعين عليهم قبول ذلك الدخل كما هو من غير أن تؤخذ بقية الفائدة المخصصة لهم من الدخل العام.
ثالثا:
أن تكون الديون الممتازة والسائرة والمنتظمة دينا واحدا مضمونا بمال الأمة والبلاد بفائدة مقدارها 4 في المائة.
رابعا:
أن تقام إدارة مراقبة وطنية خاصة مؤقتة، يكون فيها ثلاثة من الأجانب تعينهم الدول وتقرهم الحكومة المصرية.
अज्ञात पृष्ठ
فرواية عرابي عن تأسيس الحزب الوطني لا تختلف في جوهرها عن رواية نينيه. ويقول عرابي: إنه لما علمت الحكومة بوجود هذا الحزب شددت الرقابة على زعمائه وهددتهم واضطهدتهم، وكان الفريق شاهين كنج باشا وزير الحربية السابق من زعماء هذا الحزب، فاحتمى بالحماية الإيطالية وغادر مصر إلى إيطاليا، فصدر أمر الخديو في 14 يونيو سنة 1880 بتجريده من رتبه وألقابه، ومحو اسمه من دفاتر ضباط الجيش. وبني الأمر على أنه دخل في حماية دولة أجنبية دون أن يعطى له إذن بذلك، وأنه سافر من مصر بدون جواز سفر مستعينا بجواز سفر حصل عليه من حكومة أجنبية دون أن تعترف به الحكومة المصرية.
يتبين مما تقدم أن الحزب الوطني كان له أثر كبير في إظهار الثورة العرابية. وكانت بالإسكندرية جمعية أخرى عرفت بجمعية «مصر الفتاة» رفعت عريضة إلى الخديو بمطالب الحرية، وأنشأت جريدة «مصر الفتاة» للدعوة إلى الحرية، وهي الجريدة التي عطلتها الحكومة كما تقدم.
وثمة عامل آخر، يتصل بالأسباب السياسية، كان له أثره في التحريض على الثورة، ويعد من مقدماتها، وهو حدوث سابقة للثورة العرابية ... ونعني بها ثورة الضباط على وزارة نوبار باشا أواخر عهد إسماعيل في فبراير سنة 1879، فإن تلك الثورة هي صورة مصغرة للثورة العرابية، إذ قامت على أكتاف الضباط، وكان الباعث شكواهم من تأخير مرتباتهم وإحالة 2500 منهم إلى الاستيداع. فذهب نحو ستمائة ضابط منهم يتبعهم لفيف من طلبة المدرسة الحربية ونحو ألفين من الجنود إلى وزارة المالية، بحجة رفع ظلامتهم إلى نوبار باشا والسير ريفرس ويلسن وزير المالية وقتئذ، فهجموا على نوبار باشا واعتدوا عليه بالضرب، وكذلك اعتدوا على السير ريفرس ويلسن، واقتحموا أبواب الوزارة واحتلوا غرفها وقاعتها وحبسوا نوبار باشا ورياض باشا - وكان وزيرا للداخلية - والسير ريفرس ويلسن في إحدى غرف الدور الأعلى، وكانت نتيجة تلك الثورة سقوط وزارة نوبار، فهذا الفوز الذي أحرزه الضباط سنة 1879 قد أغرى عرابي وصحبه بالثورة سنة 1881.
الأسباب الاقتصادية
لم تكن الحالة الاقتصادية خيرا من الحالة السياسية، بل كانت أدعى منها إلى الثورة. فالديون التي اقترضها الخديو إسماعيل ألقت على البلاد عبئا جسيما من الأثقال الفادحة، واضطرت الحكومة إلى تخصيص نصف موارد الميزانية لسداد فوائد الديون. فكان ذلك سببا لتذمر الأهلين خاصتهم وعامتهم؛ لأن تخصيص هذا المبلغ الضخم، الذي يجبى كل عام من عرق الفلاح وكده، معناه حرمان الأهلين ثمرة جهودهم ومتاعبهم وإضاعتها لحساب الدائنين ... هذا فضلا عن فداحة الضرائب في مجموعها، وعدم توزيعها توزيعا عادلا، واقتضائها بوسائل القهر والإرهاب. فانضم الأهلون إلى الثورة وشايعوها آملين أن تخفف عنهم أعباء الضرائب، وكان استفحال نفوذ الأجانب عامة، واستحواذهم على مرافق البلاد الاقتصادية، مما دعا إلى تبرم الأهلين بنظام الحكم ... فإن الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها والمزايا التي نالها التجار والمرابون منهم، قد أكسبتهم الأموال الطائلة، فأثروا على حساب الخزانة المصرية وعلى حساب الأهلين.
وزاد في تذمر المثقفين والأعيان استسلام الحكومة في عهد وزارة رياض باشا لمطالب الدائنين وحكوماتهم، فقد أقرت نظام الرقابة الثنائية كما أملاه القنصلان الإنجليزي والفرنسي، وخولت الرقيبين الأوروبيين سلطة واسعة المدى في شئون الحكومة المالية، واتسع النفوذ الأوروبي داخل الحكومة بواسطة الرقيبين وخارج الحكومة؛ لاستجابتها لمطالب الماليين الأوروبيين والترخيص لهم باستثمار موارد البلاد ومرافقها الاقتصادية، فأنشئت في عهد وزارة رياض باشا عدة مؤسسات مالية واقتصادية، زادت في طغيان النفوذ الأوروبي في حياة مصر الاقتصادية، كالبنك العقاري - وقد تأسس في 15 فبراير سنة 1880 - وشركة تكرير السكر، والشركة العمومية لإجراء الأشغال بالديار المصرية، وشركة المقاولات وغيرها، وكلها شركات أجنبية برءوس أموال أوروبية، وأعضاؤها من الأوروبيين، وعقود تأسيسها التي صدرت بها الأوامر العالية لم تراع فيها مصالح الأهلين في شيء ... فهذا الإسراف في رعاية المصالح ورءوس الأموال الأوروبية، وتمكينها من التغلغل في كيان البلاد المالي والاقتصادي، كل ذلك كان له أثره في تبرم الناس بالوزارة، فضلا عن أنه كان في ذاته عملا غير صالح ولا يتفق والروح القومية. •••
وزاد الأعيان سخطا على الوزارة إلغاؤها «قانون المقابلة» فانضموا إلى صفوف المعارضة؛ ذلك أن إبطال ما كان يقضي به هذا القانون من إعفائهم من نصف المربوط على أطيانهم من الضرائب، فيه ضياع أموالهم التي أدوها للحكومة مقابل هذا الإعفاء، وقد كان أكثر الأعيان اعتراضا على هذا الإلغاء السيد حسن موسى العقاد، فقدم بذلك مظلمة إلى لجنة التصفية نشرها في جريدة «الريفورم» ووصف فيها هذا العمل بأنه استبداد، وأبان أن قانون المقابلة، وما احتواه من المزايا لدافعي الضرائب مقدما هو عقد لا يجوز نقضه من جانب الحكومة وحدها، وأن الأهالي قد احتملوا شدائد كثيرة في أداء المقابلة، وباعوا في هذا السبيل مصوغاتهم وأملاكهم واستدانوا الديون الفادحة، فكان لزاما على الحكومة أن ترد جميع ما أداه المالكون إلى أصحابه، بحيث لا يسري مرسوم الإلغاء إلا بعد رد ما أخذته الحكومة. فرأى رياض باشا أن في تقديم هذه المظلمة إلى لجنة التصفية ونشرها في جريدة «الريفورم» معنى التشهير بالحكومة وإثارة الأفكار عليها، وبخاصة لأن العقاد دعا الأهالي إلى توقيع عرائض بهذا المعنى، فأثر بالقبض عليه وقدمه للمحاكمة، فحكم عليه مجلس مصر الابتدائي بالحبس سنتين، وشدد المجلس الاستئنافي هذا الحكم، فزاده إلى خمس سنوات. ولم تكتف الحكومة بذلك، بل قضى «مجلس الأحكام» بنفيه إلى فازوغلي بأقاصي السودان، ونفذ فيه الحكم وسيق إلى فازوغلي ... ولم يفرج عنه إلا في عهد وزارة شريف باشا بعد إنشاء مجلس النواب، يضاف إلى ذلك صدور قانون التصفية - يوليو سنة 1880 - فقد ظهر فيه من التحيز للدائنين الأجانب والإجحاف بالأهلين ما زاد الناس كرها لوزارة رياض باشا، وزاد الأعيان والملاك سخطا عليها لما فرضته عليهم من زيادة ضريبة العشر على أطيانهم.
ومن مظاهر سياسة الحكومة الاقتصادية إنقاص عدد الجيش توفيرا للنفقات ... وهذا النقص كان له سبب آخر يتصل بالحالة السياسية، وهو صدور الفرمان السلطاني لتوفيق باشا مشتملا على إنقاص عدد الجيش العامل إلى 18 ألف جندي، ولكن السبب الاقتصادي كان له أكبر الأثر في هذا النقص؛ لأن عدد الجيش نقص إلى اثني عشر ألفا أي إلى أقل مما حدده الفرمان السلطاني، وقد استتبع هذا النقص إحالة كثير من الضباط إلى الاستيداع ووقوعهم في الضيق المالي، ولم تعن الحكومة بتدبير وظائف لهم تعوضهم عما نقص من رواتبهم، فانضموا بطبيعة الحال إلى الناقمين.
وشارك الموظفون ضباط الجيش في شعورهم، إذ رأوا من مظاهر اتساع سلطة الرقيبين الأوروبيين ما يثير في نفوسهم روح السخط والتبرم، وأهم هذه المظاهر ازدياد نفوذ الموظفين الأوروبيين في دور الحكومة، وزيادة عددهم، وتمييزهم بالمرتبات الضخمة ... فاستاء لذلك الموظفون الوطنيون.
وخلاصة ما تقدم أن الثورة العرابية هي من الوجهة السياسية ثورة على الاستبداد والمظالم، ومن الوجهة الاقتصادية ثورة على التدخل الأوروبي في شئون مصر المالية، وعلى النظم الاقتصادية التي كانت تعانيها البلاد قبل الثورة.
अज्ञात पृष्ठ
الأسباب الاجتماعية
إن حالة المجتمع المصري كانت تؤهله بلا مراء - عند أول دعوة - لتلبية نداء الحرية والثورة ... وذلك بفضل انتشار التعليم من عهد محمد علي، فالمدارس التي أسسها والبعثات العلمية التي أوفدها إلى الخارج، وقد خرجت طبقة مثقفة نالت حظا موفورا من العلوم، وليس يخفى أن العلم من شأنه أن يهذب النفوس وينير البصائر، وينهض بالعقول والأفكار، ويسمو بها إلى التماس الرقي والتقدم، ويعرفها معاني الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية، ويهيب بها إلى محاكاة الأمم الحرة في الثورة على الاستبداد. فالنهضة العلمية كان لها فضل لا ينكر في توجيه أنظار المثقفين إلى التبرم بالاستبداد والتطلع إلى الحرية والدستور.
واقترنت النهضة العلمية بنهضة في الأدب، قوامها الشعراء والكتاب من أدباء ذلك العصر، والأدب بما يطبع في نفس الأديب من التطلع إلى المثل العليا يمهد للنهضات الوطنية ويغذيها، ويحدو الأمم إلى الاستمساك بالحرية والكرامة الإنسانية، والنفور من الذل وإباء الضيم والمهانة ...
فالعلوم والآداب كان لها أثرها في تمهيد الأفكار لقبول الثورة وفي الدعاية لها، وقد كان لقصائد الشعراء ومقالات الأدباء وما كان يلقيه الخطباء في المحافل والمجتمعات أثر كبير في التحريض على الثورة.
وكانت الصحافة من العوامل القوية في ترقية الأفكار بما تكتب عن الشئون العامة في مصر والخارج، وما تنشر من المقالات عن مختلف الأحوال السياسية والاجتماعية، وما تحوي من التنويه بالأعمال النافعة وانتقاد الأعمال الضارة ... فكان لها فضل كبير في تفتيح أذهان الناس، وتبصيرهم بالحقائق، وتهذيبهم وتثقيفهم، وكان لصحف المعارضة أثرها في إحراج مركز الحكومة وتبرم الناس بها، وقد استهدفت هذه الصحف للإنذار والتعطيل كما تقدم، فكان الاضطهاد يكسبها عطف الناس ويزيدهم تعلقا بها، وتأييدا لآرائها وأفكارها الحرة.
ويتصل بالأسباب الاجتماعية تأثير السيد جمال الدين الأفغاني في المجتمع المصري، فقد ظهرت على يده بيئة استضاءت بأنوار العرفان، وارتوت من ينابيع العلم والحكمة، وتحررت عقولها من قيود الجمود والأوهام، وبفضله خطا فن الكتابة والخطابة في مصر خطوات واسعة، ولم تقتصر حلقات دروسه ومجلسه على طلبة العلم، بل كان يؤمها كثير من العلماء والموظفين والأعيان، وكان يحمل بين جنبيه روحا كبيرة ونفسا قوية، تزينها صفات وأخلاق عالية، فأخذ يبث في النفوس روح العزة والشهامة، ويحارب روح الذلة والاستكانة، وكان بنفسيته ودروسه وأحاديثه ومناهجه في الحياة، مدرسة أخلاقية رفعت من مستوى النفوس، وكانت على مر الزمن من العوامل الفعالة للتحول الذي بدا على الأمة، وانتقالها من حالة الخضوع والاستكانة إلى التطلع للحرية والتبرم بنظام الحكم القديم ومساوئه، والسخط على تدخل الدول في شئون البلاد.
ولئن نفي جمال الدين من مصر في أوائل حكم توفيق، فإن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وهيأته للثورة، ولا غرو فكثير من أقطابها هم من تلاميذه أو مريديه أو المتأثرين بتعاليمه، ولو بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزا أن يمدها بآرائه الحكيمة وتجاربه الرشيدة، فلا يغلب عليها الخطل والشطط، ولكن شاءت الأقدار والدسائس الإنجليزية أن ينفى السيد من مصر، وهي أحوج ما تكون إلى الانتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور. (2) عرابي يتزعم الجيش
كان ضباط الجيش يتطلعون إلى رجل منهم يتولى زعامتهم وتوحيد كلمتهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة ... فوجدوا في عرابي ذلك الزعيم، ولقد كانت صفات الزعامة متوافرة فيه بالنسبة للظروف التي عاصرها، فقد كان ذا شخصية قوية جذابة تؤثر فيمن حوله وتجتذبهم إليه، وهذه أولى صفات الزعامة، كانت أقواله تقع من نفوس الضباط والسامعين موقع الإقناع، وهذا مظهر لقوة شخصيته، ولولا أنه ذو شخصية كبيرة قوية لما استطاع أن يجمع الجيش وضباطه على محبته، والانضواء تحت لوائه، والائتمار بأوامره.
ويمكن تحديد سنة 1881 لبدء زعامته العسكرية على معظم ضباط الجيش ... في هذه السنة كان عثمان رفقي يتولى وزارة الحربية، وكان وحده من أسباب ظهور الثورة العرابية، وآخر ما وقع منه - مما عجل بالثورة - أنه أصدر أمرا بنقل الأميرالاي عبد العال حلمي حشيش بك - أحد زعماء الثورة فيما بعد - قائد آلاي طرة إلى ديوان الجهادية (وزارة الحربية) وجعله معاونا بها، وفي هذا تنقيص من درجته ومركزه، وأمر بتعيين خورشيد نعمان بك بدله، وهو من أصل شركسي، وأصدر أمرا آخر بفصل أحمد عبد الغفار بك قائمقام آلاي الفرسان، وعين بدله ضابطا شركسيا.
علم عرابي بهذه الأوامر في 16 يناير سنة 1881 قبل نشرها، فثار لها، وقال لمن بلغه نبأ هذه الأوامر: «إن هذه لقمة كبيرة لا يقوى عثمان رفقي على هضمها.» وذهب إلى داره ساخطا محنقا، فألقى كثيرا من الضباط ينتظرونه ليتشاوروا معه فيما يجب عمله، إذ كانوا قد بلغهم أيضا نبأ تلك الأوامر، فأخذوا يتداولون البحث في الموقف، فاتفقت كلمتهم على اختيار عرابي رئيسا لهم، وعهدوا إليه في العمل للتخلص من هذه الحالة، وقرروا أنهم يتضامنون معه في تنفيذ ما يأمر به، وأقسموا على السيف والمصحف أنهم يفدونه ويفدون الوطن بأرواحهم، واتفقوا على كتابة عريضة إلى رياض باشا يطلبون فيها عزل وزير الحربية عثمان رفقي باشا.
अज्ञात पृष्ठ
الثورة في مرحلتها الأولى
(1) فاتحة الثورة العرابية
كتب عرابي العريضة وتلاها على الحاضرين، فوافقوا عليها ووقع عليها كما وقع معه الأميرالاي علي فهمي بك والأميرالاي عبد العال حلمي بك، ووضع المجتمعون الخطط الكفيلة بالمحافظة على النظام عند قيامهم بما اعتزموه، والمحافظة على حياتهم إذا أرادت الحكومة أن تبطش بهم.
يعد هذا الاجتماع فاتحة الثورة العرابية؛ لأن تعاهد كبار الضباط على مقاومة تنفيذ الأوامر العسكرية، والجهر بمناصبة وزير الحربية العداء والمطالبة بعزله، واختيارهم عرابي رئيسا لهم في هذه الحركة، وحلفهم اليمين على التضامن وإياه، ومفاداته ومفاداة الوطن بأرواحهم ... كل ذلك معناه التمرد والخروج على النظام وتحدي الحكومة والاستهانة بهيبتها وقوتها، أو بعبارة أخرى هي الثورة على الحكومة.
وفي غداة ذلك اليوم - أي في 17 يناير سنة 1881 - ذهب الضباط الكبار الثلاثة: أحمد عرابي بك، وعلي فهمي بك، وعبد العال حلمي بك إلى وزارة الداخلية، وقدموا العريضة إلى خليل يكن باشا وكيل الوزارة، وطلبوا إليه تقديمها إلى رياض باشا ... فذهب إليه، ثم عاد وأخبرهم بأن رياض باشا يطلب أن يقابلوه، فلما قابلوه وعدهم بالنظر في الأمر، ولم تبد منه علامات السخط والغضب.
وبعد أسبوع من هذه المقابلة ذهبوا إلى داره، وقابلوه ثانية وسألوه عما تم في أمر العريضة، فأجابهم متهددا متوعدا، وقال لهم: إن تقديم مثل هذه العريضة يؤدي إلى الهلاك ...
فلم يتراجع عرابي وصاحباه أمام هذا التهديد، وأصروا على طلباتهم، وأبان عرابي أن ما يطلبونه هو حق وعدل. وانتهى الحديث بأن أخبرهم بأنه سينظر في الأمر، وانصرفوا على ذلك. (1-1) واقعة قصر النيل
اجتمع مجلس الوزراء يوم 31 سنة 1881 في سراي عابدين برياسة الخديو، وبحث في أمر هذه العريضة ... فاستقر الرأي على وجوب محاكمة الضباط الثلاثة، والقبض عليهم لتقديمهم إلى المجلس العسكري، وأخذ عثمان باشا رفقي على عهدته تنفيذ القرار، وأن يكون مسئولا إذا حصل ما يخل بالأمن، ولم يعرف الضباط الثلاثة ما قرره مجلس الوزراء في شأنهم، ولم يخطرهم عثمان باشا رفقي بأمر القبض عليهم ... بل نفذه بطريقة ملتوية لا تدل على شعور الحكومة بهيبتها وسلطانها، وذلك أنه تحايل عليهم وأرسل إليهم في مساء ذلك اليوم تذاكر، يدعوهم فيها إلى الحضور لديوان الوزارة بقصر النيل صباح اليوم التالي بحجة المداولة معهم في ترتيب الاحتفال بزفاف الأميرة جميلة هانم شقيقة الخديو ...
فأحس عرابي ورفيقاه المكيدة المدبرة لهم؛ لأنه لم تجر العادة بأن يستدعي وزير الحربية ثلاثة من أمراء الآلايات للمذاكرة في مثل هذا الشأن ... فاستعدوا للدفاع عن حياتهم، واتفقوا على أن يلبوا الدعوة وأن يذهبوا إلى قصر النيل، على أن يصحبهم بعض ضباط الآلاي الأول - آلاي الحرس - وكان مقره بقشلاق عابدين - كعيون يرقبون الحالة عن بعد، لكي يبادروا إلى إبلاغ إخوانهم بما يقع إذا أصاب الضباط الثلاثة مكروه. •••
وصل عرابي وصاحباه إلى قصر النيل، فألفوه غاصا بكبار الضباط الموالين للحكومة، وكان المجلس العسكري منعقدا، فتلا على الضباط الثلاثة الأمر القاضي باعتقالهم ومحاكمتهم، ثم نزعت منهم سيوفهم إيذانا بإنفاذ الأمر ... وكان ذلك حوالي الظهر، وسيقوا إلى قاعة السجن بقصر النيل بين صفين من الضباط الشراكسة، وتقاذفت عليهم ألفاظ الشماتة والسباب، ووقف عليهم الحرس وبأيديهم السيوف مسلولة، وعين عثمان باشا رفقي ثلاثة ضباط بدلهم على آلاياتهم الثلاثة.
अज्ञात पृष्ठ
فلما علم عيون الآلاي الأول باعتقال الضباط الثلاثة، أسرعوا بالعودة إلى مركز الآلاي بقشلاق عابدين، وأنهوا إلى ضباطه ما وقع ... فهاج الضباط جميعا واعتزموا إنقاذ إخوانهم، ونهض البكباشي محمد عبيد - بطل واقعة التل الكبير - مناديا الجند النداء العسكري بالاحتشاد والتأهب للمسير. فاعترضه قائم مقام الآلاي خورشيد بك بسمي، وسأله عن سبب هذا النداء فلم يجبه بكلمة، وأمر بعض الجنود باعتقاله في إحدى قاعات القشلاق، واصطف الجنود بأسلحتهم، وساروا بقيادة محمد عبيد إلى قصر النيل حيث الضباط المعتقلون ...
وبينما كان الجند يستعدون للخروج من القشلاق، علم الخديو بهذه الحركة، وشاهدها بنفسه من سلاملك السراي المقابل للقشلاق، فأمر الفريق راشد باشا حسني سر ياوره بأن يتوجه إليهم لوقف الحركة، فلم تجد هذه الوساطة نفعا، فاستدعى الخديو الضباط فلم يحضر أحد.
سار جنود الآلاي الأول من قشلاق عابدين إلى قصر النيل ... فلما بلغوه وضع البكباشي محمد عبيد الحصار حوله، وأمر بقية الجند بالهجوم على الديوان، فهجم الجنود حاملين بنادقهم، وفي أطرافها الرماح «السونكي» واقتحموا الديوان صائحين صاخبين، فوقع الرعب في نفوس القواد والضباط الموجودين بالديوان، وفي مقدمتهم عثمان باشا رفقي وزير الحربية، وبادروا إلى الفرار. أما عثمان رفقي فقد فر من إحدى النوافذ إلى «ورشة» الترزية يطلب النجاة لنفسه. وأخذ الجند يبحثون عن الضباط المعتقلين، وتفرقوا لذلك في جميع الغرف والجهات، وكسروا الأبواب والشبابيك وكل ما عاقهم عن السير، إلى أن وصلوا إلى مقر الضباط الثلاثة، ففك البكباشي محمد عبيد سراحهم.
وخرج الضباط الثلاثة من قصر النيل ظافرين، وساروا يحيط بهم الجند إلى قشلاق الآلاي الأول بميدان عابدين، وكان عرابي وصحبه على عهد مع ضباط الآلايات الثلاثة أن يتضامنوا معهم، ويبادروا إلى نجدتهم إذا حل بهم مكروه. •••
ولم يكد يعلم آلاي طرة، الذي كان على رأسه عبد العال حلمي، بما حل بعرابي وصاحبيه حتى هب لنجدتهم ... فلما حضر الأميرالاي الجديد خورشيد بك نعمان ليتسلم الآلاي بصحبة خورشيد باشا طاهر وأحمد بك حمدي ياور الخديو، بادر البكباشي خضر أفندي خضر إلى اعتقالهم، ووضعهم تحت الحفظ في غرفة القائم مقام فرج بك الدكر واعتقله معهم ... ثم أمر بتوزيع الأسلحة والذخيرة على الجنود، وسار بهم إلى قصر النيل لإنقاذ الضباط الثلاثة، وقد شعر ناظر محطة طرة بهذه الحركة فأرسل تلغرافا إلى الخديو ينبئه بها، فأوفد الخديو أحد ياورانه لمقابلة خضر وإخباره بما تم من الإفراج عن الضباط الثلاثة، وإقناعه بالرجوع من حيث أتى وإطلاق سراح الضباط الذين سجنهم بطرة ... فلم يلق الياور إليه أذنا صاغية، واستمر الجند سائرين بقيادة خضر أفندي خضر، وسار بهم إلى ميدان عابدين لكي يشاهدوا الضباط الزعماء بعد الإفراج عنهم، فلما وصلوا إلى ميدان عابدين، استقبله الآلاي الأول بالتعظيم العسكري وعزف الموسيقى، وتقدم ضباط آلاي طرة إلى عرابي وصاحبيه فهنئوهم بالسلامة وتعانقوا فرحين مستبشرين ... واحتشد الناس في الميدان لمشاهدة هذا المنظر الذي لم يألفوه من قبل، وعندئذ وقف عرابي خطيبا بأعلى صوته، وأثنى على إخلاص الضباط والجند لإنقاذه وإنقاذ صاحبيه من السجن. (1-2) أول انتصار لعرابي
كان احتشاد جنود الآلايين بأسلحتهم في ميدان عابدين كافيا لإيقاع الاضطراب في نفس الخديو وحاشيته، وقد استدعى وزراءه وخاصة رجاله حين بلغه نبأ ما حدث في قصر النيل، وتشاوروا فيما يصح عمله إزاء هذه الحركة ... فأشار محمود سامي باشا البارودي - وكان وقتئذ وزيرا للأوقاف - بإجابة طلبات الجند، وقال: إني أراهم مطيعين بدليل هتافهم باسم الخديو، ولم ير الخديو بدا من الإذعان، واتفق الرأي على أن يذهب البارودي باشا يصحبه خيري باشا رئيس الديوان الخديوي؛ ليقابلا عرابي وصاحبيه ويتعرفا ما يطلبون، فقابلاهم وعرفا منهم أنهم يطلبون عزل عثمان باشا رفقي، ويلتمسون العفو عنهم؛ لأن عثمان باشا هو السبب فيما حدث، فعاد البارودي وخيري باشا إلى الخديو وعرضا عليه حديثهما مع الضباط الثلاثة، فأمر باستدعائهم فحضروا والتمسوا منه العفو فعفا عنهم.
واستقال عثمان باشا رفقي، وأصدر الخديو أمره بإسناد وزارة الحربية إلى البارودي مع بقاء وزارة الأوقاف في عهدته ... فتم بهذا التعيين ثلاثة انتصارات نالها الحزب العسكري في يوم واحد: أولها إطلاق سراح الضباط الثلاثة، وثانيها عزل عثمان باشا رفقي الذي كان خصما لهم، ثم إسناد وزارة الحربية إلى نصير لهم، ومن هنا توطدت صلات الثقة بين البارودي والضباط، إذ برهن على أنه كان مؤيدا لهم داخل مجلس الوزراء، وظل عضدا لهم وموضع ثقتهم طوال عهد الثورة. (1-3) عرابي والقناصل
وفيما كان عرابي على رأس هذه الحركة أرسل إلى قنصلي إنجلترا وفرنسا كتابا يسوغ فيه عمله، ويبسط فيه شكواه من تصرف الحكومة، وكان البارون «دي رنج» قنصل فرنسا العام يعطف على مطالب الضباط، وينكر على وزير الحربية تصرفاته، وقد عرف في الجملة بالعواطف الطيبة نحو مصر ومناوأته المطامع الإنجليزية فيها.
وقد نقم الخديو ورياض باشا من البارون «دي رنج» عطفه على الضباط الوطنيين وتأييده إياهم ... فأرسل الخديو باتفاقه مع رياض إلى المسيو جول جريفي رئيس جمهورية فرنسا رسالة يشكو فيها مسلك القنصل العام. وكانت نتيجة هذا المسعى استدعاء البارون «دي رنج» إلى فرنسا في 22 فبراير سنة 1881 ثم نقله من منصبه، فغادر مصر على كره من الضباط الوطنيين في أول مارس سنة 1881، وكان نقله انتصارا لوزارة رياض باشا، وقد اغتبط الساسة البريطانيون لهذا النقل؛ لأنهم كانوا يرون في البارون «دي رنج» عاملا مناوئا لهم ومؤيدا للحركة الوطنية في مصر.
وعين بدله المسيو سنكفكس معتمدا وقنصلا عاما لفرنسا في مصر، فحضر إلى القاهرة وقدم أوراق اعتماده إلى الخديو في 26 يوليو سنة 1881 بسراي رأس التين.
अज्ञात पृष्ठ
أراد الخديو بعد انقضاء بضعة أيام على واقعة قصر النيل أن يجتذب إليه قلوب ضباط الجيش، ويزيل تأثير الحادثة من نفوسهم ... فاستدعى إلى سراي عابدين يوم 12 فبراير سنة 1881 ضباط آلايات العاصمة من رتبة بكباشي فما فوقهم، وحضر الاجتماع وزير الحربية «البارودي» وكبار رؤساء الجيش من رتبة فريق ولواء، فلما انتظم عقدهم، ألقى الخديو فيهم خطبة ضمنها العفو عما حدث يوم أول فبراير، وأكد لهم أنه لم يبق في نفسه أثر منها، وطلب إليهم احترام النظام وطاعة الحكومة.
فقابل الضباط هذه الخطبة بإظهار الولاء للخديو والامتثال للأوامر والقوانين والنظم العسكرية، وانصرفوا داعين شاكرين.
وكان الظن أن مثل هذه الخطبة ترد النظام إلى الجيش، وتدعو الضباط إلى الاطمئنان إلى نيات الحكومة نحوهم ... إذ لم يكن خافيا أنهم كانوا يتوجسون شرا من ناحيتها، ويتوقعون أن تتربص بهم الدوائر للاقتصاص منهم إذا أمكنتها الفرصة، وبذلك تزداد هوة التنافر اتساعا بينهم وبين الحكومة، فأراد الخديو بهذه الخطبة أن يدخل الطمأنينة إلى نفوسهم ويدعوهم إلى الثقة بمقاصد الحكومة، ولكن الحوادث جاءت على خلاف ما كان يظن ويتوقع. (1-4) بعد واقعة قصر النيل
لم يطمئن عرابي وصحبه على مركزهم، وعلى حياتهم بعد واقعة قصر النيل ... فبالرغم من عزل عثمان باشا رفقي، وتعيين وزير حربية يعطف عليهم ويؤيدهم، فإنهم كانوا يخشون على حياتهم أن تمتد إليها يد الاغتيال انتقاما مما فعلوا، وأقاموا لهم حرسا من المخلصين لأشخاصهم، وزادوا من عدد الخفراء لحراسة منازلهم ليلا، واختاروا ضباطا من خاصة أوليائهم لنقل المراسلات السرية بينهم، وصاروا إذا انتقلوا من مراكز آلاياتهم إلى بيوتهم اصطحب كل منهم حرسا من العساكر المسلحين للمحافظة على حياتهم، يلازمونهم حتى يعودوا إلى مراكزهم، وأكثروا من الاجتماعات السرية يعقدونها ليلا في منزل عرابي، ويدعون إليها من يثقون بإخلاصهم من الضباط للتشاور فيما يفعلون، وتنفيذ ما يستقر عليه رأيهم.
وقد أسفرت هذه الاجتماعات عن تقديم عريضة من جميع الآلايات بالمطالب الآتية:
أولا:
صرف نقود بدل التعيينات التي تؤخذ من مخازن الجهادية وتباع للآلايات، وذلك حفظا لحقوق العساكر من التلاعب بها، والخيانة التي كانت فاشية في المأمورين ورؤسائهم، وخصوصا في صنف المسلي «السمن»، فإنه كان يصرف للآلايات من الشحم الذي يصنع في تريستا، ويأتي في برامل باسم «مسلي»، وكان كريه الطعم والرائحة لا يصلح للطعام، ولكن لم يكن أحد ليجسر على المجاهرة بالحقيقة، لما للتجار المتعهدين بتوريده من المداخلة مع الرؤساء.
ثانيا:
عدم استقطاع مرتبات الضباط والعساكر في مدة الأجازات التي تعطى لهم إذا لم تتجاوز ثلاثين يوما، وإذا تجاوزت هذه المدة يستقطع نصفها فقط.
ثالثا:
अज्ञात पृष्ठ
يؤخذ من الضباط والعساكر نصف الأجرة في السكك الحديدية.
رابعا:
إبطال ورشة الترزية لما فيها من التلاعب والغبن الفاحش، وصرف أثمان الملابس نقدا لتشترى من الخارج بمعرفة الآلايات.
خامسا:
عدم جواز الترقي للعسكرية ما لم يسن لذلك قانون خاص يجري العمل على مقتضاه.
سادسا:
زيادة مرتبات جميع الضباط والعساكر بالنسبة لارتفاع أسعار الحاجات عن قيمتها من منذ ثمانين سنة؛ أي حين إنشاء العسكرية وترتيب تلك المرتبات الدنيئة.
سابعا:
سن قانون يشمل حالات الترقي والتقاعد والمكافآت والأجازات وتسوية معاش الاستيداع.
ثامنا:
अज्ञात पृष्ठ
إرجاع أحمد بك عبد الغفار قائم مقام السواري، الذي فصله عثمان باشا رفقي من الخدمة من غير محاكمة ولا سبب يوجب ذلك.
أجابت الحكومة معظم هذه الطلبات ... فعنيت وزارة الحربية بإصلاح مأكل الجيش، وصار يطبخ لهم في معظم الوجبات اللحم وأنواع الخضر والأرز باللبن والحلوى، بدلا من العدس والفول اللذين كانا طعامهم الدائم، وصار يعطى للجنود السودانيين شراب «البوظة» المصنوعة من الشعير كمألوف عادتهم، وتصرف لأولادهم ونسائهم جرايات زيادة عن جرايات الجند.
وعرض محمود سامي باشا البارودي على مجلس الوزراء وجوب سن القوانين اللازمة لإصلاح حالة الجند، وزيادة رواتب الضباط والجنود. وتألفت لجنة للنظر فيما يجب إجراؤه من التعديلات والإصلاحات في النظم والقوانين العسكرية، ورفع رياض باشا إلى الخديو في 20 أبريل سنة 1881 تقريرا بذلك أشار فيه إلى طلب ناظر الجهادية - وزير الحربية - زيادة رواتب الضباط والجند.
وبناء على هذا التقرير صدر مرسومان بتاريخ 20 أبريل سنة 1881 / 21 جمادى الأولى سنة 1298ه) يقضي الأول بزيادة رواتب الضباط والجنود.
ويقضي المرسوم الثاني بتأليف لجنة (قومسيون) برياسة وزير الحربية والبحرية للنظر والبحث في القوانين والنظم العسكرية المعمول بها وقتئذ، وإدخال كل ما ترى لزومه من التعديلات والإصلاحات فيها، وما ينبغي إجراؤه من الإصلاح في المدارس الحربية، وإعداد مشروع قانون بشروط الدخول في سلك الضباط وتعيينهم وترقيتهم واستيداعهم ورفتهم وتقاعدهم، وتسوية حالة الضباط المحالين إلى الاستيداع.
فأخذت اللجنة توالي الاجتماع لإعداد القوانين العسكرية الجديدة، وهي القوانين التي صدرت في عهد وزارة شريف باشا كما سيجيء بيانه. (1-5) الاحتفال بزيادة الرواتب
أقام محمود سامي باشا البارودي بعد صدور هذين المرسومين حفلة في ديوان الجهادية - وزارة الحربية - بقصر النيل ابتهاجا بزيادة رواتب الضباط والجند وتأليف لجنة إصلاح النظم العسكرية، وكأنما أراد أن يعلن عن أول ثمرة لتقلده وزارة الحربية ليكسب ثقة الضباط والجند ويزداد بهم نفوذا وسلطانا.
استكملت هذه الحفلة مظاهر الرونق والفخامة، إذ أعد فيها البارودي مأدبة فاخرة دعا إليها الوزراء وعلى رأسهم رياض باشا، ثم المراقبين الأوروبيين، وضباط الجيش ... ولما تكامل جمعهم جلسوا إلى موائد الطعام فتناولوا المآكل الفاخرة.
ثم قام محمود سامي باشا البارودي وألقى خطبة، نوه فيها بفضل الحكومة، وأعرب عن فضل الخديو فيما تقرر من الإصلاحات، ودعا الضباط إلى الخضوع لأوامر الحضرة الخديوية، ولعله أراد بهذه الخطبة أن يزيل من الأذهان تأثير التمرد الذي وقع من الجيش يوم أول فبراير سنة 1881، وهاك نص الخطبة:
هذه ليلة أنس دعتنا إلى الاجتماع فيها دواعي المحبة والائتلاف، تذكارا لمآثر الحكومة الخديوية الجليلة، التي وجهت عزيمتها إلى إصلاح أحوال الأهالي جميعا، وتعميم العدل فيهم وإيصال كل إلى ما يستحق، وقد رأينا في هذا الزمن القليل من عهد ما استلم خديوينا المعظم زمام الحكومة تغييرا مهما، إذ تبدل فيه العسر باليسر، والظلم بالعدل، والنقم بالنعم، وتقدمت فيه البلاد إلى نجاحها تقدما سريعا، وما ذلك إلا من حسن مقاصد هذا الجناب وطهارة سجاياه، خصوصا وأنه اصطفى لمساعدته على مقاصده الجليلة رجلا غيورا عالي الهمة زكي النفس، وهو حضرة دولتلو رياض باشا، فلم يأل جهدا في العمل، ولم يقصر في تذليل المصاعب باتحاده مع حضرات رفقائه الكرام حتى وصلنا إلى هذه الغاية التي لا ينكر أحد حسنها. ولا ريب في أن هذه نعم يجب علينا استبقاؤها وحفظها والاستزادة منها، ولن يكون ذلك إلا إذا قرناها بالشكر عليها، فقد قالوا: الشكر سياج النعم، وحقيقة الشكر أن يكون جميعنا مخلصا للحكومة في خدمته قائما بواجباته لها، معضدا لجميع مقاصدها، خاضعا لأوامر الحضرة الخديوية التي هي السبب في هذا الخير العظيم؛ وعلى ذلك لا بد أن ننادي جميعا: فليحي الجناب الخديوي أطال الله بقاءه!
अज्ञात पृष्ठ
ثم قام بعده رياض باشا وارتجل خطابا وجهه إلى الضباط، جاء فيه:
ليلة سرور، تجلى فيها الصدق والإخلاص، واجتمعت فيها القلوب على قصد أداء الشكر للجناب الخديوي، غير أن تذكار محامده ومآثره الجليلة، يجعل الشكر موضعا يقع موقع الفرض الشرعي.
إن محسنات العدل ووجوه الإصلاح التي امتازت بها مدة حكم الجناب الخديوي في هذه الأوطان أمر معلوم، يعد تعدادها من قبيل تحصيل حاصل ... وأنتم معاشر الضباط تعلمون ذلك حق العلم، فلا حاجة إلى بسط الكلام فيه، ومن أراد توضيح الحقيقة، فليقارن بين الحالة الحاضرة وما قبلها بسنتين يظهر له الفرق الجلي والبون التام ما بين الحالتين، وأن ضباط العسكرية وهم من أشرف أعضاء الحكومة ممن شملتهم هذه المحسنات وعمتهم فوائد الإصلاح. ومن أهم وجوهه التي شهدناها في عصر الخديو الجليل تقرير الأمن على الأرواح والأموال، وحفظ الحقوق الشرعية وأداؤها لأربابها، ويلزم لدوام ذلك ثبوت الطمأنينة ورسوخ قاعدة الراحة العمومية، ومدار ذلك وأساسه انتظام حال العسكرية.
وقد رأيتم من أنفسكم أن حقوقكم وصلت إليكم، وأنتم روح الضبط والربط، وأنتم قوة الحاكم وآلته المنفذة، فإذا بدأ الحاكم يحسن الالتفات ونظر إليكم بعين الرأفة والرحمة، فعليكم كما أخذتكم ما لكم، أن تؤدوا ما عليكم، وهو طاعة ولي الأمر الذي هو السبب الأعظم في جميع هذه الخيرات التي شملتنا، بل هو الذي أنعش في هذا الوطن روح الحياة بعد أن أشرف على الموت والدمار، فعليكم أن تكونوا دائما على قدم الاستعداد لتنفيذ أحكامه والمحافظة على أوامره ونواميسه العادلة، وعلينا جميعا أن نبتهل إلى الله تعالى بدوام بقائه وتأييد عزه، وأن ينادي لسان الصدق منا: فليعش الجناب الخديوي! (2) خطبة عرابي بك
وبعد أن جلس رياض باشا قام أحمد عرابي بك (باشا) وأجاب بتحقيق ما قاله وزير الحربية ورئيس الوزراء، وبين ما وصلت إليه الحكومة في ذلك العهد من التقدم، ناسبا جميع ذلك إلى همة الجناب الخديوي واستقامة وزرائه وغيرتهم على المصالح ... ثم قال: إننا على الدوام مطيعون لأوامره السامية، ونحن آلته المنفذة الحاضرة بين يديه يديرها كيف يشاء، وفي أي وقت أراد، وإننا بلسان واحد نسأل الله تعالى أن يحفظه لنا ويطيل بقاءه ويعززه برجال حكومته، ويمتع البلاد بأحكامه العادلة آمين، وكلنا بلسان واحد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الحضرة الخديوية، ويوفق رجال حكومته الكرام لإصلاح البلاد وإسعاد العباد.
عظمت مكانة عرابي في نفوس الضباط والجند بعد انتصاره في واقعة قصر النيل، وزاد من التفافهم حوله أنه تقدم بطلباته سالفة الذكر إلى وزير الحربية الجديد «البارودي» واستجاب البارودي إلى طلباته.
وبذل البارودي جهدا موفقا في إعادة التفاهم بين الحكومة والضباط، على أن هذا التفاهم لم يدم طويلا ... ولم تلبث مظاهر الخلاف وبوادر الشقاق أن باعدت بين الفريقين، وأخذ كل فريق يسيء الظن بالآخر، ويتوجس خيفة من مقاصده وتدابيره. (3) استقالة البارودي
وقعت في شهر يوليو سنة 1881 حادثة بالإسكندرية أعادت القطيعة بين الضباط والحكومة ... وذلك أن الخديو توفيق كان يقضي صيف سنة 1881 بالإسكندرية. وقد حدث يوم 25 يوليو أن عربة لأحد تجار الثغر يقودها سائق أوروبي، كانت تسير في الشارع المؤدي إلى سراي رأس التين، فصدمت جنديا من فرقة المدفعية - الطوبجية - وأصابته إصابة قاتلة، نقل على إثرها إلى المستشفى وتوفي هناك، وكان الخديو وقتئذ بالسراي، فارتأى رفاق القتيل أن يحملوه إليها، ويلتمسوا من الخديو الاهتمام بمعاقبة الجاني.
وكان هذا العمل بالغا في الخروج على النظام؛ لأن مثل هذه الحادثة لا ترفع إلى الخديو، وليس من اللائق بمقامه أن يذهب الجنود إلى قصره حاملين القتيل يعرضونه عليه ويطلبون منه معاقبة الجاني، إذ إن السراي الخديوية ليست مخفر بوليس تحمل إليه جثث القتلى ... وقد دخل الجند السراي في جلبة وضجة، وصاحوا طالبين معاقبة الجاني ... فغضب الخديو من الجند وأمر بطردهم، فانصرفوا. وبعد أيام صدر الأمر بتشكيل مجلس عسكري لمحاكمتهم، فحوكموا وصدرت عليهم أحكام بالغة منتهى القسوة. فقد حكم على الجندي الذي دعا رفاقه إلى حمل القتيل إلى السراي بالأشغال الشاقة المؤبدة، وحكم على رفاقه وهم ثمانية بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، وبأن يقضوا مدة العقوبة بليمان الخرطوم، ثم يكونوا بعد ذلك من أفراد الجيش بالأقطار السودانية ... وأقر الخديو الحكم ونفذ في المحكوم عليهم وسيقوا إلى السويس، ومنها إلى سواكن ثم إلى الخرطوم.
كان لهذا الحكم الشديد وقع أليم في النفوس، وكتب عبد العال بك حلمي تقريرا إلى وزير الحربية «البارودي» يشكو فيه من قسوته، وذكر بعض الحوادث التي تجري في آلايه، والدسائس التي لا تنقطع.
अज्ञात पृष्ठ
رفع البارودي هذا التقرير إلى الخديو، فاستاء من ذلك وعده تطاولا على مقامه، وغضب على البارودي واعتزم إقصاءه عن وزارة الحربية، واستدعى الوزراء بالتلغراف من القاهرة ... فوفدوا إلى الإسكندرية واجتمعوا بالخديو في سراي رأس التين، وتداولوا في حادثة الجندي القتيل وما فعل رفاقه، وقرر الخديو أن بقاء البارودي في وزارة الحربية هو منشأ هذه الفوضى، ولا سبيل إلى إعادة النظام إلا بعزله. فلم ير البارودي بدا من أن يقدم استقالته، فقبلت في الحال، وعين الخديو صهره داود باشا يكن بدله، ثم أعقب ذلك صدور أمر آخر بعزل أحمد باشا الدرملي محافظ العاصمة، لما كان معروفا عنه من مشايعته لحركة عرابي، وتعيين عبد القادر باشا حلمي مكانه، وكان مكروها من العرابيين.
قابل عرابي وصحبه هذا التغيير بالانزعاج والتبرم ... وتوجسوا خيفة من عواقب إبعاد البارودي الذي كانوا يطمئنون إليه، ويركنون إلى إخلاصه ، وتوقعوا شرا مستطيرا من تعيين صهر الخديو على رأس الوزارة التي تملك ناصية الجيش، على أنهم كتموا شعورهم وأخذوا يتدبرون ما يجب عليهم عمله للمحافظة على حياتهم بعد هذا التغيير، وذهبوا إلى داود باشا في ديوان الجهادية يهنئونه بمنصبه الجديد، وطلبوا إليه أن يجعل فاتحة أعماله إصدار قوانين الإصلاحات العسكرية التي وضعت في عهد البارودي فوعدهم بذلك ...
ولكنه لم يلبث أن أصدر منشورا أبلغه جميع الآلايات، نهى فيه الضباط عن اجتماعهم في المنازل أو في أحياء المدينة، ونبه على عدم ترك مراكز الآلايات ليلا أو نهارا، وأنذرهم بأنه إذا وجد اثنان منهم أو أكثر مجتمعين معا في المدينة فسيجري ضبطهم بيد رجال الضبطية واعتقالهم، وأن كل من يتكلم منهم مع آخر في الأمور السياسية يسجن بالقلعة، وشدد على الضباط في اتباع هذه الأوامر وأخذ يراقب تنفيذها، فيذهب بنفسه ليلا إلى مراكز الآلايات ليتحقق من تنفيذ أوامره، وبث عبد القادر باشا حلمي محافظ العاصمة الجديد العيون والجواسيس على منازل رؤساء الحزب العسكري، وخاصة عرابي وعبد العال وأحمد عبد الغفار، لمنع اجتماعاتهم، فارتاعوا من ذلك ولزموا آلاياتهم.
كان الغرض من صدور هذه الأوامر تفريق اجتماعات الضباط، إذ كانت هذه الاجتماعات الوسيلة العملية لتبادلهم الآراء والأفكار، وتعاهدهم على التضامن واتحاد الكلمة واتفاقهم على الخطط التي يتبعونها لحفظ كيانهم وتحقيق مطالبهم ... فداود باشا يكن قد حقق بهذه الأوامر المخاوف التي ساورت عرابي وصحبه من تعيينه وزيرا للحربية بدلا من البارودي، واتفق الضباط على رفض تنفيذ هذه الأوامر.
عرابي الزعيم القومي
(1) الزعامة القومية
لم يكن لواقعة قصر النيل أثرها في الجيش فحسب، بل كان لها أثر بالغ في الأمة ... إذ جعلت لعرابي مكانة كبيرة في البلاد، وأخذت الألسنة تلهج باسمه وتمتدح شجاعته وإقدامه. والواقع أن الحادثة في ذاتها وما تنطوي عليه من الجرأة على الحكومة، وإطلاق سراح المسجونين، وعزل وزير الحربية عثمان رفقي الذي كان موضع سخط الضباط الوطنيين، وتعيين وزير يعطف عليهم ويؤيدهم، ثم الإصلاحات التي قام بها البارودي وأخصها زيادة رواتب الضباط والجند ، كل هذه الأعمال جعلت من عرابي زعيما قوميا اتجهت إليه الأنظار لتحقيق أماني الشعب، ولم يكن الجيش يصدر عن أفكار وعواطف تخالف أفكارها ونفسيتها، فهو أول شيء طبقة من صميم الأمة، وضباطه وجنوده متصلون بها بروابط القرابة والدم، وكانوا يمثلون الأمة من هذه الناحية، ومن كونهم جاءوا من مختلف نواحي المديريات.
وكانت المظالم التي شكا منها زعماء الجيش تشبه المظالم التي كانت البلاد تشكو منها، ولم يكن الناس راضين عن الحكومة وسياستها، بل كانوا يتبرمون بمظالم الحكام، وينقمون من الوزارة بسبب استسلامها للنفوذ الأجنبي وخضوعها لأوامر القناصل ومحاباتها الموظفين الأجانب في مصالح الحكومة، وتمييزها إياهم بالرواتب الكبيرة والمزايا العديدة، فلا غرو أن اغتبط الناس بتحقيق مطالب الجيش، وذاع في البلاد اسم عرابي كمنقذ للأمة من المظالم ومحقق للآمال، وقد لقي عرابي عطفا وتأييدا من جميع الطبقات، وفي مقدمتها العلماء والأعيان وعامة البلاد ومشايخ العربان، وأخذ هو يبث أفكاره بينهم ليكونوا عدته وحزبه، ويتأهب للقيام بحركة جريئة توطد نفوذه وسلطانه، ويطمئن بها على حياته وحياة صحبه الموالين له في الجيش ... وهي المطالبة بتأليف المجلس النيابي مع إسقاط وزارة رياض باشا، أو بعبارة أخرى إحداث انقلاب في نظام الحكم، وإحلال حكم الشورى محل الحكم الاستبدادي.
ولما اطمأن عرابي إلى أن الجيش في قبضة يده والأمة تناصره، شرع في إحداث الانقلاب الذي كان يرجوه في نظام الحكم، أو بعبارة أخرى أخذ يتأهب لمتابعة الثورة التي بدأها يوم أول فبراير سنة 1881.
وكانت الحكومة من ناحيتها تدفعه إلى الثورة دفعا، بما بدا منها من الحركات العدائية التي قصدت منها تفريق شمل زعماء الجيش وضباطه تمهيدا للتنكيل بهم ... فهي أولا لم تصدر القوانين العسكرية الجديدة التي وضعت في عهد البارودي، وكان هذا إخلالا بوعدها في تحسين حالة الضباط والجنود، وبرهانا على سوء مقاصدها نحو الجيش، واشتدت هذه المقاصد ظهورا من يوم عودة الخديو من مصيفه بالإسكندرية إلى العاصمة.
अज्ञात पृष्ठ
لم يكد الخديو يصل إلى العاصمة حتى أخذ ينفذ خطته، وقوامها تفريق وحدات الجيش، ونقل الفرق الموالية للحزب العسكري من العاصمة لكي يستبدل بها فرقا أخرى موالية للخديو ... فأصدر داود باشا يكن وزير الحربية أمرا بأن ينقل الآلاي الثالث من المشاة - آلاي القلعة - إلى الإسكندرية بدلا من آلاي الإسكندرية - الآلاي الخامس - وأن يأتي هذا إلى القاهرة مكانه، فلما علم ضباط الآلاي الثالث بهذا الأمر اضطربوا له وأوجسوا شرا من عواقبه، وذهبت بهم الظنون والوساوس كل مذهب، وخشوا أن يكون غرض الحكومة الانتقام منهم والتنكيل بهم، وسرت بينهم إشاعة أن في نية الحكومة إغراقهم في كوبري كفر الزيات حين سفرهم بالقطار إلى الإسكندرية، وعادت إلى أذهانهم حادثة إغراق الأمير أحمد باشا رفعت بن إبراهيم باشا في كفر الزيات في عهد سعيد باشا.
واتفقت كلمة ضباط الآلاي على رفض الإذعان لأمر وزير الحربية الجديد، والامتناع عن مغادرة القلعة ... فلما جمع قائد الآلاي ضباطه وتلا عليهم أمر الوزير أعلنوا جميعا أنهم يرفضون الإذعان له ... فكتب إلى وزير الحربية يخبره بذلك. واعتزم عرابي وصحبه تحريك الجيش والسير به إلى سراي عابدين في شكل مظاهرة عسكرية؛ لإملاء إرادتهم على الخديو لكي يضعوا حدا للحالة القلقة التي وصلت إليها البلاد، ولإحداث الانقلاب الذي أرادوه. (1-1) واقعة عابدين
اتفقت كلمة زعماء الضباط على إقامة المظاهرة العسكرية أمام سراي عابدين يوم 9 سبتمبر سنة 1881، ووضعوا لها خطة محكمة، وهي حضور جميع آلايات الجيش المرابطة بالقاهرة إلى ميدان عابدين في أصيل ذلك اليوم لتقديم طلبات الأمة إلى الخديو ... وقوامها إسقاط الوزارة، وتأليف المجلس النيابي، وزيادة عدد الجيش، فخاطب عرابي جميع آلايات المشاة والفرسان والمدفعية الموجودة وقتئذ بالعاصمة لموافاته بميدان عابدين في الساعة الرابعة لعرض طلباتهم على الخديو، وأرسل إلى وزير الحربية يبلغه أن يخبر الخديو بأن جميع الآلايات ستحضر إلى ساحة عابدين في الساعة المذكورة «لعرض طلبات عادلة تتعلق بإصلاح البلاد وضمان مستقبلها». وأرسل أيضا إلى قناصل الدول يطمئنهم أن لا خوف على رعاياهم من هذه المظاهرة؛ لأنها مقصورة على أحوال البلاد الداخلية.
احتشد الجيش في الموعد المضروب في ميدان عابدين، وكان أول من حضر إلى الميدان آلاي الفرسان «السواري » بقيادة أحمد بك عبد الغفار، ولعله بادر بالحضور؛ لأنه كان من أول الناقمين من النظام القديم، إذ فصله وزير الحربية الأسبق «عثمان باشا رفقي» لغير ما سبب، ثم جاء عرابي ممتطيا جواده شاهرا سيفه يقود آلاي العباسية، ويصحبه آلاي المدفعية «الطوبجية» يقوده إسماعيل بك صبري ومعه المدافع بذخيرتها، وكانت بطاريات المدافع تتخلل أورطة المشاة أثناء السير. •••
ولما وصل عرابي تفقد علي بك فهمي فلم يجده، وأخبره بعض الضباط أنه وزع آلاي الحرس داخل السراي، ومعه كمية وافرة من الذخيرة، وأنه على استعداد للدفاع عنها إذا مست الحاجة، فبعث إليه من فوره بالملازم محمد أفندي علي ليستدعيه ... فحضر علي بك فهمي، فسأله عرابي عن سبب جعله العسكر على أبواب السراي ومنافذها من الداخل، ولم يكن هذا اتفاقهم من قبل، فطمأنه علي بك فهمي، وقال له: «إن السياسة خداع.» أي أنه لم يفعل ذلك إلا لمخادعة الخديو وأنه باق على عهده، فطلب إليه عرابي أن يسحب آلايه من السراي ويأخذ مكانه في الميدان، ففعل. وأمر بخروج الآلاي من السراي، فخرج منها الجند جميعا واصطفوا إلى جانب إخوانهم في المكان المعين لهم من الدائرة، ثم تم ترتيب آلاي المدفعية والفرسان والمشاة على شكل مربع ... وجاء بعد ذلك الآلاي الثاني من قصر النيل يقوده بعض ضباطه؛ وذلك لامتناع قائده وكبار ضباطه عن الاشتراك في الحركة، ثم جاء الآلاي الثالث قادما من القلعة بقيادة البكباشي فودة حسن، والآلاي السوداني قادما من طرة بقيادة عبد العال بك حلمي، ثم أورطة المستحفظين يقودها القائمقام إبراهيم بك فوزي. وبذلك اكتمل الجيش في ميدان عابدين، إذ لم يبق آلاي من الآلايات المرابطة بالعاصمة إلا حضر إلى الميدان، وبلغ عدد الجنود المحتشدين في الميدان نحو أربعة آلاف بأسلحتهم ومدافعهم، وغصت أطراف الميدان بالجموع الحاشدة من الناس الذين جاءوا ليشهدوا هذا المنظر، وامتلأت نوافذ البيوت المجاورة للسراي وسطوحها بالنظارة، وكان الموقف رهيبا؛ لأن مجيء الجيش متهددا متوعدا، واحتشاده بأسلحته وذخائره ومدافعه أمام السراي الخديوية يحاصرها ويسد المسالك على من فيها ، كل ذلك خليق بأن يفزع الخديو ووزراءه، وخاصة بعد أن رأى أن حرسه الخاص قد تخلى عنه في هذه الساعة العصيبة وانضم إلى الجيش الثائر.
وكان الخديو قد جاء إلى السراي ودخلها من الباب الشرقي وصعد إلى ديوانه، وشهد تجمع الجنود في الميدان، وكان الوزراء قد توافدوا على السراي، وجاء أيضا بعض قناصل الدول والسير أوكلن كولفن المراقب المالي الإنجليزي ... فشهدوا هذا المنظر الذي لم يألفوا مثله في مصر من قبل. (1-2) الخديو في الميدان
وقد ظن الخديو أنه إذا نزل إلى الميدان، فإن ما له من الهيبة التقليدية في نفوس الرعية والجند يصد الجيش وضباطه عن التمرد، فنزل من السراي إلى حيث رؤساء الجند، يصحبه المستر كوكسن قنصل إنجلترا في الإسكندرية - وكان نائبا عن القنصل العام السير إدوار مالت لغيابه بالأجازة - والسير أوكلن كلفن المراقب المالي الإنجليزي، وبعض عساكر الحرس الخاص، فلما توسط الميدان نادى عرابي، فجاءه راكبا جواده شاهرا سيفه، وخلفه نحو ثلاثين ضابطا شاهرين السيوف. فلما دنا من الخديو صاح به أحد رجال الحرس: أن ترجل واغمد سيفك! ... ففعل ثم أقبل عليه ...
وهنا يقول عرابي: إن المستر كوكسن أشار على الخديو بأن يطلق عليه مسدسه، ولكن الخديو لم يعمل بإشارته وقال له: «أفلا تنظر إلى من حولنا من العسكر؟!» أي أنه خشي مغبة العمل بنصيحة المستر كوكسن. والواقع أنها نصيحة لا تنم عن إخلاصه للخديو ولا حسن قصد من المستر كوكسن ... فلو أن الخديو أمكنه أن يقتل عرابي في هذه اللحظة لما أمن على حياته من الجند والضباط.
أما ما فعله الخديو في ذلك الحين، فإنه صاح بالضباط الذين جاءوا خلف عرابي: «أغمدوا سيوفكم وعودوا إلى بلوكاتكم!» ... فلم يفعلوا وظلوا وقوفا في أماكنهم ... وكانوا كحرس خاص لعرابي، فلم يغادروه حتى انتهى الحوار بينهما. (1-3) مطالب عرابي
ولما وقف عرابي أمام الخديو وحياه التحية العسكرية، خاطبه الخديو قائلا: «ما هي أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟»
अज्ञात पृष्ठ