ومنها: ما يثبت بجميع الأحياء في بعض الأوقات، وهي كونه مريدا، وكارها ومدركا، فإنها لا تثبت له تعالى فيما لم يزل، فكان التحديد بكونه قادرا وعالما أولى لعمومها لجميع الأحياء في جميع الأوقات، فأما حقيقة الأحياء: فهي ما تضربه الأشياء الكثير كالشيء الواحد، مثل الإنسان فإنه أشياء كثيرة لكن لما خلته الحياة صار حكمه كالشيء الواحد؛ لأنه قادر واحد، وعالم واحد، وإن شئت قلت: هو المعنى التى متى اختص بالواحد منا أوجب كونه حيا، وحقيقة الحياة هو الجسم الحي بحياة، وحقيقة كونه حيا هي الصفة التي تقتضي لمن اختص بها صحة أن يقدر ويعلم، والفرق بين الحي والحيوان أن كل حيوان حي، وليس كل حي حيوان، فالله تعالى حي وليس بحيوان.
وأما الموضع الثاني: وهو في حكاية المذهب وذكر الخلاف، فمذهبنا أن الله تعالى حي والخلاف في ذلك مع الباطنية فإنهم يقولون: لا حي ولا لا حي نحو ما تقدم في كونه قادرا.
وأما المطرفية فإنه يلزمهم ذلك لما قالوا: إن التراكيب تحدث بالطبع والإحالة والاستحالة، فنلزمكم أن لا يكون الله تعالى حيا ولا قادرا؛ لأن التراكيب تحصل من غير حي ولا قادر عندكم، فلا طريق لكم إلى أن الله تعالى حي.
وأما الموضع الثالث: وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا فالذي يدل على ذلك أنه قادر وعالم، والقادر العالم لا يكون إلا حيا، وليس من شرط الدلالة اجتماع الصفتين، بل إنهما حصلت دلت، ولكن العلماء جمعوا لما كانا متلازمين في حقه تعالى، والدلالة مبنية على أصلين:
أحدهما: أن الله تعالى قادر وعالم.
والثاني: أن القادر العالم لا يكون إلا حيا.
أما الأصل الأول: وهو أنه قادر عالم فقد تقدم بيانه.
وأما الأصل الثاني: وهو أن القادر العالم لا يكون إلا حيا، فالذي يدل على ذلك أنا وجدنا في الشاهد ذاتين:
أحدهما: يصح منه أن يقدر ويعلم، كالواحد منا.
والآخر: يتعذر عليه كالميت والجماد.
पृष्ठ 255