وأما ما يدل على بطلان ما ذكرته الفلاسفة في أن القادر مؤثر على سبيل الإيجاب فإنا نعلم ضرورة، والفرق بين تأثير القادر وضرورة الفعل منه، وبين هوى......، ويعرف من هو الإنسان إذا رمي به من شاهق وبين تحريكه ليده في حال هوته، وما يصدر منه من الكلام فرقا ضروريا مع أن ذلك جميعه قد صدر عنه مع شعوره، ولا وجه للفرق إلا أن أحدهما صدر عنه باختياره والآخر على سبيل الإيجاب، وأحدنا يعلم من نفسه أنه يمكنه أن يفعل الفعل وأن لا يفعله، وأنه واقف على اختياره لو شاركه، وليس كذلك هونه، ولو كان كما ذكروه من صدوره على وجه الوجوب لما حسن المدح ولا الذم على شيء من الأفعال كما لا يحسن ذمه ولا مدحه في هونه عند أن يرمر به، ولا أمره به ولا نهيه عنه، يوضح ذلك أن المجلئ يسقط عنه المدح والذم لقوة داعيه، وإن كان لا يخرج بذلك عن كونه مختارا إلى أن يكون موجبا بطبعه فكيف لا يسقط عنه لو كان موجبا بطبعه كما زعموا.
وأما ما ذكره برغوث والنجار فباطل أيضا؛ لأن صحة الفعل ووقوعه أمر ثابت، والمؤثر فيه يجب أن يكون راجعا إلى الإثبات وهو كونه وتعذره يكفي فيه أن لا يكون قادرا؛ ولأن كون القادر قادرا بتزايد في القادر، والتزايد إنما يكون في أمر ثابت؛ لأن العاجز هو من ليس بقادر ولا يفعل منه إلا هذا، فإذا كان القادر هو من ليس بعاجز فكيف احتل بكل واحد منهما إلى الآخر وهذا محال.
وأما الموضع الرابع: وهو في ما يلزم المكلف معرفته في هذه المسألة فيجب أن يعلم أن الله تعالى كان قادرا فيما لم يزل، ويكون قادرا فيما لا يزال، وأنه قادر على جميع أجناس المقدورات ومن كل جنس في كل وقت على ما لا يتناهى، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بحال من الأحوال، والدليل على هذه الفصول يأتي في فغصل الكيفية إن شاء الله تعالى، وبه البقية.
المسألة الثالثة: أن الله تعالى عالم، والكلام في هذه المسألة
يقع في أربعة مواضع:
पृष्ठ 243