وشبكا أيديهما وخرجا. •••
ورجع النائب إلى بيته مجهودا بعدما هدأت العين والرجل، فإذا بأحد «المحترمين» في الانتظار، فحيا بالاحترام وتجلد وجلس، وأخذ المحترم يدل عليه في حديثه، ويريه كيف جاهد وجمهوره ورعيته يومي الانتخاب، وكان النائب يسمع بخشوع، وبعد القهوة تحلحل المحترم للانصراف، فقال له النائب: ابق الليلة عندنا. فاعتذر له، وفي طريقهما إلى الباب ساق المحترم الحديث فقال: لا تنس شعبة طريق ... فهذه حياة الدير. - نعم، ولكن ما رأي قدسكم لو شقت من الجهة الجنوبية فتمر بقرى ومزارع فينتفع أهلها المساكين ... والطريق كما فهمت صارت على باب الدير تقريبا، وهؤلاء محرومون. - نريدها على باب الدير تماما، فالزوار - نشكر الله على هذه النعمة - مثل الجراد، كلهم يتذمرون من مشي خمس دقائق . قال هذا ماشطا لحيته المقنفشة بأصابعه وضحكت سنه.
فهز النائب رأسه مذعنا، وجر المحترم حديثه إلى ثلاث أربع قضايا فقال: لا تنس المختار فهذا من غير حزبنا، والناطور كفوا يده لأنه حشد لكم في الانتخابات، فاسع جهدك لتبرئته، أما مسألة البلدية فإلى وقتها و... و... وكان النائب الصادق يحرك رأسه كالحرذون، وظل يفعل كذلك حتى توارى المحترم.
وخلا النائب في مخدعه وتجرد وقعد في فراشه، فذكر الصلاة التي لم يتمها فقال مع بشار: «الذي يقبلها تفاريق لا يرفضها جملة.» وأخذ رأسه بيديه وصلى:
الشكوى لغيرك مذلة يا الله، فلتبق في القلب تجرح ولا تخرج من الفم فتفضح، انظر إلينا يا كريم.
استكثروا راتبنا فاقتضبوه حتى مسخوه، فلا ينطوي الشهر وينشر كشف النفقة حتى ترانا مكثورا علينا.
الشعب يصرخ اصلبوه، ونحن نردد: اقتسموا سلطتنا بينهم، وعلى راتبنا اقترعوا.
أيكون راتب النائب أقل من راتب كاتب البلدية يا الله؟ وعلى هذه الغضاضة أغضينا وقلنا خير من «اللاش».
في هذه السنين الضيقة، وإذا لم نكن نحن للوطن فمن له؟
فنظرة يا رب من أعالي سمواتك تنبت الحنان في قلب العميد، والتفاتة من عليائك تمدد سلطتنا المقرفصة، فنبيض وجهنا ونحقق ولو شيئا من آمال منتخبينا.
अज्ञात पृष्ठ