============================================================
يجب أن يكون إنذارا لهؤلاء الذين يدعون إلى الحرية الفكرية بمعناها الأوروبي والشيوعي الذي لا ينطلق إلا على درب التخريب ولا يلوي على شيء: لا أدري ماذا يقول المشرفون على الرسائل الجامعية عن أبي إسحاق النظام - وهو الذي كتبت فيه الرسائل المتعددة - وهم يطالعون فضائحه إن كانوا طالعوها ، وهو من رؤوس الاعتزال . كان هذا الخبيث يقول : إن أبا هريرة أكذب الناض، وان عمر شك في دينه يوم الحديبية، وضرب فاطمة بنت رسول الله و وابتدع صلاة التراويح، وسفه علي بن أبي طالب لأنه قال في مسألة برأيه، وعاب ابن مسعود، وكذبه في حديث انشقاق القمر، ورؤية الجن ليلة الجن، إلى آخر تلك الفضائح المويقات التي ألمح إليها المحاسبي في ايجاز وورع كان يقتضيه عصره .
ونعود إلى شيخنا المحاسبي فنقول : إنه كشف أصل الداء، ووصل إلى أن الهوى هو نبعه ومصدره، وأن الهوى قد استحكم حتى أصبح أصلا للكثير من أمراض النفس كالرياء والعجب، والوقوف عند الدنيا، وفصل شطر الحياة وهو الدار الآخرة عن أولها وهو الدنيا، وفساد النوايا، والجهل بالسنن، وهي المواضيع التي لم يعن بها لا رجال الحديث ولا رجال الفقه ولا رجال التفسير والأخبار، لسبب نعتقد أنه الصواب إن شاء الله، وهو: أن المخلصين منهم كانوا ينوعون تحت حمل تقيل من فحص أسانيد الحديث، ووضع قواعد مصطلحة، وجمع رواياته، ووضع أصول الفقه، وتسجيل مسائله، وهي تبعات لا تدع وقتا لبحث المسائل النفسية التي جدت في المجتمع . أما غير المخلصين منهم فهم في عداد العامة المحتاجين إلى العلاج، الهائمين بما يموج في العصر من الفتن وطرق الإنحلال.
كان المحاسبي بداية الإرشاد القائم على التحليل النفسي الدقيق، والوصول إلى العقدة وكشفها، وهو قصارى ما وصل إليه الطب النفسي الحديث، مما يجعلنا تقرر بحق أن المحاسبي هو رائد علم النفس الإسلامي الذي يغتي عن علم النفس المستورد عند من له أدنى قدر من صحة تركيب العقل : كان المحاسبي ميزانا دقيقأ كل الدقة لقلب المؤمن، فلا يقصر به حتى يصل
पृष्ठ 35