============================================================
ملابح شخصيته: حيما حدد الحارث الفتى اتجاهه السني الإسلامي، كان يمكن أن يكون سنيا تقليديا كغيره من أهل السنة من العلماء : يعني بالرواية والدراية في الحديث، وينسلك في إطار مذهب من المذاهب الأربعة، وغاية ما يصل إليه أن تكون له اجتهادات مقيدة بذهبه، أي اجتهادات في الترجيح، وليست مطلقة لا تتقيد بأفكار إمام بعينه . وكان يمكن أن يلجأ إلى حلقات بغداد فيحدد الفرع الذي يتخصص في دراسته بتوسع من بين فروع العلم السني المعروف، من الحديث أو التفسير أو الأصول أو غيرها، ثم لا شيء وراء ذلك: ولكن الفتى الذي لم يقلد اباه، والفتى الذي أعلن كفر أبيه كما يرى دون أن يتقيد بخلاف العلماء في كفر القدرية فيلتمس لأبيه وجها من وجوه الإسلام على أساسه، هذا القتى ليس هو الذي يندفع مع صف الطلاب حتى يختار مكانه من الصف دون بحث ولا فحص ولا تدقيق.
لقد خلا المحاسبي إلى نفسه زماتا طويلا يفكر، ويقلب أمره على وجوهه، ويحاول أن يجد مكانه في صف أهل السنة بشروط محدودة وهي : 1 - أن يكون متفقأ تمام الاتفاق مع أفاعيل الصحابة ومسالكهم : 2 - أن يكون بعيدا عن الخلاف، لأن الأمة في حاجة إلى اتفاق، وليست في حاجة إلى الخلاف 3 - أن ترتبط تعاليمه ودراساته وسلوكه بعالم الآخرة، فلا تنفصل البداية عن النهاية وبحث طويلا، وانتهى به البحث إلى أن حلقات الحديث يسيطر على أهلها الإعجاب وحب الشهرة. وأن علماء الفقه يعيشون بين دوامة الخلاف، وحب الانتصار للرأي، وأن علماء الآخرة من أهل السلوك ليسوا كما يريد : من الأخفياء الأتقياء الذين يرجحون الآخرة على الأولى : هو إذن يريد بيئة علمية ملتزمة بسلوك الصحابة، بعيدا عن الخلاف، تؤثر
पृष्ठ 21