وقد سار في بعض قصائده هذا البيت:
إذا ما ماتَ بعضُك فابكِ بعضًا ... فبعضُ الشيء من بعضٍ قريبُ
وكل هذه القصيدة مختارة. وأنشدنيها محمد بن القاسم قال: أنشدني أحمد بن عبيد قال: أنشدنيها أبو يعقوب وهو يبكي:
أُصغىِ إلى قائدي ليُخبرني ... إذا التقينا عمنْ يحيينيِ
أُريدُ أنْ أفصلَ الكلامَ فلا ... أفرقُ بين الرفيع والدونِ
أسمعُ ملا أرى وأفرق أنْ ... أغلطَ والسمعُ غيرُ مأمونِ
لله عيني التي فُجعتُ بها ... لوْ أن دهرًا بها يواتيني
لو كنتُ خيرتُ ما أخذتُ بها ... تعميرَ نُوحٍ وملكَ قارونِ
وأُغريَ بهجاء علي بن الهيثم الأنباري الكاتب، وكان علي فصيحًا مُتشدقًا، يدعي العربية وأنه تغلبي، وكان من قرية يقال لها: أقفوريَا. وفيها يقول أبو يعقوب:
أقفوريَا قريةٌ مُباركةٌ ... يُنقلُ فخارها إلى ذهبِ
ومن قوله، أنشدناه عمر بن شبة:
يا علي بنَ هيثمٍ يا سمُاقا ... قد ملأتَ الدُنيا علينا بقَاقَا
لا تشدقْ إذا تكلمتَ واعلمْ ... أن للناسِ كلهمْ أشداقا
قال لي محمد بن القاسم: كان يرويه: نِفاقًا بالنون فأنشده علي بن يحيى المنجم فغضب وقال: صُحفتْ.
وحدثني محمد بن القاسم قال: حدثني أبو النضر إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني محمد بن سعيد الترمذي: وقع لأبي يعقوب.
العكوَّكَ
علي بن جبلة الضرير، ويعرف بالعكَوَّك، خراساني بنوى، شاعر مطبوع مجيد، وكان أبرصَ، وله مدائحُ حِسانٌ. وأحسنُ قوله في أبي دُلفَ، وحُميدِ بن عبد الحميد الطوسي، والحسِ بن سهل. قال الجاحظ: كان أحسن خلقِ الله إنشادًا، ما رأيتُ مثله بدويا ولا حضريًاّ.
وقال أحمد بن عبيد بن ناصح: مدح علي المأمونَ بقصيدة، وسأل حميدًا إيصالها إلى المأمون. فقال له المأمون: خيره بين أن نجمع بين قوله هذا وبين قولهِ فيك وفي أبي دُلفَ، فإن وجدنا قوله فينا أجودَ أعطيناه عشرة آلاف درهم، وإلا ضربناه مائةَ سوط، وإن شاء أعفيناه. فخيره حُميد فاختار الإعفاء.
ومن قوله في حميد:
الناسُ جِسمٌ وإمامُ الهُدى ... راسٌ وأنت العينُ في الراسِ
دجلةُ تسقي وأبو غانمٍ ... يُطعمُ منْ تسقى منَ الناسِ
ومن قوله في قصيدته المشهورة فيه مثل هذا المعنى، أنشدنيها ابن خيثمة، أولها:
ألاَ يا ربعُ بالهضبِ ... إلى الخلصاءِ بالنقبِ
كنضوِ الخلقِ الناح ... لِ أو دراسةِ الكُتبِ
وفيها يقول:
كأن الناسَ جِسمٌ وهْ ... ومنه موضعُ القلبِ
وحدثني محمد بن القاسم قال: حدثنا عبد الله بن محمد الجزري قال: رأيت أبا تمام يستجيد لعلي بن جبلة قوله:
وردُّ البيضِ والبيضِ ... إلى الأغمادِ والحُجبِ
ومن قوله يمدح أبا دُلف في قصيدته المشهورة التي أولها:
زادَ وردَ الغي عنْ صدرهْ
إنما الدُنيا أبو دُلفٍ ... بينَ باديهِ ومحتضرهْ
فإذا ولي أبو دُلفٍ ... وَلتِ الدنيا على أثرهْ
ما عسينا أن نقولَ له ... غيرَ أن الأرض في خفرهْ
يا دواءَ الأرضِ إن فسدتْ ... ومُجير العُسرِ من يُسرهْ
حدثني محمد بن القاسم قال: حدثني خلف بن محمد الطائي قال: قلت لعلى بن جبلة: عارضتَ أبا نواسٍ في قصيدته:
أيها المُنتابُ من عفرهْ
فقال: من أبو نواس؟! إنما عارضتُ امرأ القيسِ في قوله:
رُبَّ رَامٍ منْ بني ثُعلٍ ... مُخْرِج كفيهِ منْ سُتُرهْ
ويروى أن حُميدًا الطوسي قال له: قد سار قولك هذا في أبي دلف ولم تَقُل في مثله، فقال:
إنما الدُنيا حُميدٌ ... وأياديه الجسامُ
فإذاَ ولي حُميدٌ ... فعلى الدُّنيا السلامُ
فسار الأولُ ولم يَسرْ هذا.
ومن قوله في أبي دُلف قصيدة له:
وهوَ وإنْ كان ابن فرعي وائلٍ ... فبمساعيه ترقى في الحسبْ
وبعلاهُ وعلاَ آبائهِ ... يحوي غداة السبقِ أخطارَ القصبْ
وفي هذه القصيدة وصف حسن للفرس منه قوله:
1 / 27