أولا:
أن تبعد الأطفال في طفولتهم عن صنوف المفزعات كافة، فلا يصح أن يتلى عليهم ما يشيع الخوف في قلوبهم، ولا أن يطلعوا على مشاهد تلقي الرعب في نفوسهم؛ لئلا ينطفئ سراجها وتخمد جذوتها خمودا لا سطوع بعده؛ إذ المشاهد أن الطفل إذا أشرب الخوف والفزع في صغره شب حتى إذا صادف مفزعا في مقتبل أيامه توزعت نفسه وارتبك في أمره، ففقد قوة التدبر بفقدان رشده.
ثانيا:
يجب أن يروض الأطفال شيئا فشيئا على أن يألفوا ما اعتادوا الخوف منه حتى يتغلبوا على مخاوفهم. وإن في مثل ذلك لعونا للمعلم على أن يوقر في نفوس الأطفال أن السوء ليس من الحقيقة والعظم بمقدار ما يصوره الخوف، وأن طريقة تجنبه ليست في الفرار منه أو في خور العزيمة والاستسلام والقنوط حيث يجب الإقدام.
وعلى المعلم أن يقي فؤاد الطفل من تصورات العفاريت والمردة ومن مخاوف الظلام؛ فإنها ما علقت بأفئدة وفارقتها بعد ذلك؛ ذلك بأنها لما يصحبها من الفزع تتغلغل في فؤاد الطفل وتتمكن أصولها من نفسه حتى لا يسهل اجتثاثها بعد ذلك. فإذا استقرت غشيته منها خيالات غريبة تجعل من الطفل في وحدته خبا وتملك عليه مشاعره حتى ليخاف من ظله ومن كل ظلمة تحدق به ما دام حيا.»
ويقول كانون دانيل: «الشجاعة أمر من أمور التربية في الغالب؛ فمن يكون شجاعا في ظروف يكون في الغالب متهيبا في ظروف أخرى لم يكن قد ألفها، فيستنتج من ذلك أن شجاعة الإنسان متوقفة على إلفه المخاطر وعلى إحساس الإنسان بقدرته على مغالبتها؛ ولذلك فإن خير ما يعالج به الجبن في الصبي إيلافه المخاطر وتشجيعه على مواجهة المصاعب الكبرى بتغلبه على المصاعب الصغرى، ولما كان هذا العمل من أشق الأعمال على المربي فالواجب أن يصبر له وليعلم من يعنى بتربية الطفل أن شدة الخوف تفقد الرشد وتقضي على ملكة التفكير.
والغالب أن تكون حاجة الأطفال والرجال إلى الشجاعة الأدبية أشد منها إلى الشجاعة البدنية؛ لذلك يجب أن يعنى بتربيتها. وعليه فإذا جاء طفل من تلقاء نفسه واعترف بذنب اجترمه فإنه يجب أن يخفف العقاب الذي يترتب على الذنب في مقابلة هذا الاعتراف إن لم يصلح العفو عنه بما اعترف وإذا وجد أن طفلا عاصى في نفسه بواعث الإذناب وكانت قوية فيجب أن يثنى عليه من أجل ذلك. ولن تقتصر الحاجة إلى الشجاعة الأدبية على الشعور بضرورة معاصاة بواعث الهوى، بل إنما الحاجة إلى المجاهرة بآرائنا إذا هي ناقضت آراء الغير أشد وأكبر؛ فلذلك يجب أن يحث الأطفال على الجهر بآرائهم صراحة في كل ما يستطيعون إبداء الرأي فيه. هذا ومن جهة أخرى لما كان تلاميذ المدارس أشد الناس تشبثا وتعصبا لرأيهم فإنه يقتضي لنزول الطفل عن رأيه والإذعان لرأي غيره وتصريحه به شجاعة أدبية لا تقل عن تلك؛ ولذلك يجب على المعلم أن يوقر في نفس الطفل وجوب الإذعان للحجة الناصعة والبرهان السليم، وأن يعتقد أن في ذلك فضلا كبيرا. (3) العدالة
يمكن تعريف العدالة بأنها معرفة ما يجب للغير والرغبة في إعطائه. فيجب أن يبصر الأطفال بأن لغيرهم من الناس مثل ما لهم من الحقوق؛ ولذلك يجب أن يربوا على تقدير راحة الناس وهناءتهم، وعلى مراعاة إحساسهم، وأن يعملوا في كل حال على أن يعطوا كل ذي حق حقه، وعليه فكل عمل من أعمال الظلم والبغي على غيرهم وكل فعل ليس من أفعال الأمانة والنزاهة يجب أن يقضى عليه قضاء مبرما، ويجب أن يغرس في نفوسهم أن يحب الطفل لأخيه ما يحب لنفسه.
والعدل في نظر الأستاذ سيد جويك يشمل ما يأتي: (1)
عدم التحيز: وهو مراعاة المساواة في تنفيذ قواعد توزيع اللذائذ والآلام. (2)
अज्ञात पृष्ठ