وأما الأصفر والأشقر فإنه سريع الإجابة عندما تدعوه، والأسود والمسكي والأخضر هي من أوطى الجوارح من هذا الجنس، وإن الأسود من الصقور هو سيد الصقور وأشدها طلبًا وأكرمها حسبًا، وخير ما يكون إرسال هذا الجنس على ذي الوبر من الحيوان مثل الغزال وغيره. فإنه إذا أرسل على الغزال كان شديد القبض، عظيم النفض، قليل الرقص كأنه إذا وقع على رأس غزال بخيل وضع يده على مال، أو صاحب نزال قد ظفر بعد مطال، أو كأنه مع راس الغزال مخلوق أو له هناك حقوق، فلا يزال قابضًا عليه كفه لا يريد غير حتفه. وقد وصف فقيل فيه:
شديد المراس قوي الأساس ... بعيد القياس قليل الفشل
هو الموت للظبي في حاله ... إذا ما دنا كفه والأجل
وهذا الجنس الأسود أكثر ما يموت على الغزال مكسورًا أو معضوضًا، وذلك أنه يترجل في المصرع، ويجوز مع الكلاب، ويواثر القبض إذا وقع على الأرض، يسرع العود إلى الطريدة، ويخشى عليه إذا وقع على الطريدة من الثعلب والأرنب أن يتقدم في الوعر والشجار، ونخشى عليه أن يدخل في الأوكار خلف الأرنب من حرصه عليها، ومتى ما كان الصقر مدور الهامة، يربوعي العين فهو المكمل الخلقة.
وعلامة الصقر الجيد أن يكون رقيق الريش تكاد تنظر الريشة الواحدة منه عن التي تحتها لرقتها، وأن يكون ذنبه إحدى عشر نقطة أو اثنتي عشرة، وأن يكون طول الجناح من طرفه إلى رأس المنكب شبرين، والوافي شبرين وظفر. والقصير شبرين إلا ظفر بالشبر التام، وأن تضم المسبحة والوسطى والبنصر ثم تفتح الخنصر والإبهام، وتقصد صدر الصقر، فمتى ما كانت الإبهام على رأس الكتف الواحدة والخنصر على الكتف الآخر، كان هذا مقدار النادر وتعرف شدة الطيران من النظر إلى الريش، فإن كان أصل الريش وطرفه واحد فيعلم أنه غير طيار، وإن كان الريش كل ما بعد عن مغرسه امتشق فيعلم أنه جيد الطيران، وينظر أيضًا إلى ذنب الصقر إن كان مجموعًا منضمًا إلى بعضه كريشة واحدة حينما يكون الصقر على اليد، فيعلم أنه يحسن الطيران، والصقر الأبيض ليس هو كالأسود في النصح والقبض كالأسود، ولكنه كثير المسح والضرب وسريع الطلوع والنزول، وهو إذا وقع سريع النهوض من الأرض، وإذا ركب نتش وإذا قام فرش، وإذا عاين رفيقًا كشّ، لأنه أغير الطيور على طريدته يريد إذا صاد أن يكون وحده ولا يظهر عند العمل جده لكنه يطول في العمل، فإذا كان معه العمال الناصح كان كالنار وهو أنصح على الأرنب والخشف إذا ضرب أترب.
والأحمر من الصقور خيرٌ منه، وإنما قدمنا ذكر الأبيض لأنه أحسن ما يكون على صيد الغزال مع الأسود لكثرة طلوعه ونزوله، ولكنه لا يصلح للكركي ولا الإوز إلا القليل منه، وهو على البلشون أحسن، وأكثر المصريين يلعب به وهو سريع الرد عن الطريدة، وإذا رد وجهه عن الطريدة لا يعود إليها إلا بعد التعب، والأصفر مثله في هذا الأمر إلا أنه ألزم منه وأصبر على العمل. وهو أشد كلبًا من الأبيض وأنصح إلا أنه خوارًا ولا يحتمل البرد، وهما أقوى من الأسود، على النقض غير أن الأسود أكلب وأنصح وألزم.
والصقر الأصفر يصلح للغزال، وذلك أن صقر الغزال يلزم أن يكون مطاولًا أكثر الأوقات، ولا يكون قباضًا ملازمًا، فإنه يخشى عليه الكسر من ذلك، ومتى كان الصقر قليل القبض كان مسرعًا إذا قض، وهو أسلم للصقر وأبقى له وأدوم واسلم من الكلب والأصفر والأبيض فإنهما جنسان ذعران إذا قبض الصقر منهما ووكل الكلب أخلا خوفًا من الكلب، وترجل إذا صار الكلب عنه في المصرع، وهو مما يستحسن من صقر الغزال، وأما الأسود فلا ينفك بوصول الكلب إلا القليل منها، وأما الأحمر فإنه يخشى عليه من شدة كلبه أن يقبض الكلب أكثر الأوقات ويحسبه الغزال، وهو أيضًا سريع العطب، وقد جعلوا للغزال ثلاثة صقور للنوبة، يكون منها صقر شديد القبض والملازمة، شديد الحرص والعمل، ويكون الاثنان الآخران كثيرا النزول والصعود قويان في الفعل، إذا قبض أحدهما نتش ولا يداوم القبض، فإن الغزال إذا داوم قبضه الصقر، فتح بذلك عينه واهتدى، وإذا قبض واحد، وواحد يطلع وينزل حار الغزال، وقد قال الشاعر في ذم الأخضر والأرمك منها.
لا بارك الله في خضر الصقور ورمكها ... فهي دون كل الطير مذمومة
كم يتعب المرء فيما ليس يدركه ... منها وكم هو يسعى وهي محرومة
1 / 32