قال أهل الخبرة: ينبغي لمن وجد الفهد أن لا يعجل عليه، وأن يجتهد في أن يناقله بحيث لا يخفي نفسه عنه، ثم لا يزال يناقله إن كان الصياد وحده، وإن كان معه آخر فزعوا عليه من جهتين بحيث أنه إذا غاب عن إحداهما حفظه الآخر إلى أن يبصراه وقد نام، فإذا رآه أحدهما وقد نام ضايقه حتى ينهض ثم يتبعه ويشد عليه إلى أن يتبعه فينام ثانية فيهجم عليه بحيث لا يقاربه إذا علم أن فيه منه يعني قوة، فإذا أثاره ثالثة لزّه لزًا متقاربًا إلى أن يعاود النوم، فإذا نام ثالثة وانطرح على جنبه علم الصياد أن الفهد قد تعب التعب الذي يؤخذ به بادرة وخلع إحدى ثيابه ثم غطى به الرجل وجهه حيث لا يراه الفهد وأسرع المشي بحيث لا يخرج له صوت، وسارق النظر إليه من خلال الثوب بحيث لا يبدي وجهه، ثم يتقدم هكذا إليه فإن لبث الفهد على حاله نائمًا طرح الثوب على الفهد، بحيث يلقيه على الفهد، ويكون إلقاؤه الثوب وهو مغطي رأسه ووجهه أعني الرجل ثم يلقي نفسه عليه من غير أن يتحلق ويكون من خلف ظهره ويعانق رقبة الفهد ولا يعصرها بل يجعل جنبه اليمين على رقبة الفهد بحيث يمنعه من رفع رأسه ويصده عن النهوض، ويطرح بعد ذلك فخذه الأيسر ووركه على وركي الفهد يعصر بها فخذيه لئلا يتحرك ثم يسرع بحبل وثيق يكون معه فيجعله في عنق الفهد من غير أن يضيقه ولا يوسعه بحيث يخرج من رأسه ويشده إلى شيء يكون إلى جانبه، فإن لم يجد شيئًا شده إلى الثوب الذي ألقاه على وجه الفهد، فإنه متى قام وخلص من تحته منعه الثوب أن ينجو، فإذا ملكه وكان معه معينًا أمره أن يشد رجليه ويديه، ويكون الشد فوق كفيه لأنه متى كان على العصب خشي عليه التلف فإذا استوثق منه دق له وتدين، وتد في حبل رجليه ووتد في الحبل الذي في يديه، ثم يتقدم إلى عند رأسه من تحت ذلك الثوب ويشده فيه بسير وثيق ثم يعمد إلى كفيه فيلبسهما قطعتي كساء، ويشد عليهما بحيث تكون الزوائد من داخل المشد، ويجتهد أن لا يحمله من مكانه حتى يقدم إليه فينفس ذلك المكان شيئًا من الجبن، فإنه إذا شم رائحة الجبن لعقه لوقته، فإذا لعقه أمن بعد ذلك منه ثم يطعمه بقدر الإبهام قطعة لحم يجعلها في فيه، وطالما يطعمه فلا يكشف له وجهه أصلًا. ثم يكشف وجه الفهد في ذلك اليوم، وهو على حاله مربوط، فإذا كشف وجه الفهد فيبقى وجهه مغطى، وينظر إلى الفهد من وراء ذلك الستر، فإن تكتم وستر وجهه كان أولى. يفعل ذلك ثلاثة أيام إلى أن يأكل الطعم، فإن رآه بعد ذلك يكثر الخوف من وجهه ستره. ويكثر الحديث حوله، فإذا أراد حمله من مكان إلى آخر حمله في كيس بين رجليه فإذا وصل إلى المكان المقصود أوثق الأوتاد وعمل له قماطًا على العادة، ويجعل تحت رأسه مخدة محشوة حشيشًا، ولا تزال الناس حوله والرجل قاعد من خلفه ورجله اليسرى على جنب الفهد إلى بين رجليه، وقطعة الجبن في يده يلقي بها في فم الفهد إذا رفع رأسه. فإذا أراد أن يطعمه عمد إلى قصعة حولها حلق حديد موثوقة على عادة المناسف بحلقة أو اثنتين، يجعل إصبعه في إحدى الحلق ويجعل اللحم فيها، ويحرك تلك القصعة بالحلق، ويصغر قطع اللحم ويطعمه ذلك على التأني. فإذا مضى عليه سبعة أيام قلع الوتد الذي على كتفيه حتى يرفع صدره. فإذا مضى عليه عشرة أيام قلع الوتد الذي يشد يديه ثم يقيد بقيد وثيق ويطلق يديه ورجليه إلا أن يكون القيد مضيقًا عليه لئلا. ويربط القيد الذي برجليه مع القيد الذي في يديه بخيط، وإن شاء جعل حبلين متخالفين لا يمنعانه من الوقوف على قوائمه.
والجبن لا يخلى عنه أبدًا، ولا يطعم إلا وهو قائم على قدميه، وقد يصبح عليه صياح من يستجيب إلى أن يأكل طعمه فيقطع عنه ذلك، ويكثر سهره في الليالي العشر المقدم ذكرها بحيث لا ينام فإن ذلك أسرع لذلته.
وينبغي أن يتناوب عليه مرة بعد أخرى جميع الليل ولا بأس عليه أن ينقص مادام يأكل، فإن هو منع الأكل ترك حتى ينام، فلعله منع من القهر ولا تلقه أبدًا لوجهك بل أعطه جنبك ومدّ إليه اليد اليمنى التي بها الجبن، وارفع الأخرى كأنك تريد أن تمسح بها رأسه، وانظر إليه بشق عينيك، فإذا تكلّب على الأكل في القصعة أخّرها عنه شبرًا لا غير، وانظر إليه بعينيك جميعًا ثم حرك القصعة وكلمه مثل من يستجيب، فإذا فعلت ذلك فابعد عن الحاضرين، فإن هذا مبتدى، وكل مبتدى صعب.
1 / 20