دخلت الأنياب في لحمه، وصلت العظم حتى النخاع، ضغط فكه العلوي فوق السفلي وابتلع الألم، تكوم الألم في النخاع مدببا صلبا كقطعة زلط، ضحك الطفل في سعادة وضرب قطعة الزلط ببوز حذائه، طارت الزلطة في الهواء ثم استقرت في البطن، البطن كان ساخنا، والصدر ساخن مملوء بالدم، والرأس حليق بغير شعرة واحدة تفصله عن قرص الشمس.
مشت النار في جسده، استسلم لها تماما وتركها تغزوه من جميع منافذ جسده، فاتخذ وضع الحمارة المريضة وزحف على قدميه وركبته ودخلت الكراهية بطعمها الحارق من مسام جلده وتراكمت في القاع متجمدة وحمراء كقطعة الفحم المتقدة، مد يده ليشد آلة القتل، ارتطمت أصابعه بفخذيه الميتتين، العضلات مرتخية متهدلة تحت الجلباب، اختفى وراء باب المطبخ ورفع الجلباب، لم يجد الآلة الصلبة بحذاء الفخذ، وارتطمت عيناه بالشق المسدود الأسود كالجرح القديم، فسقط رأسه فوق صدره.
ورن الصوت الآمر ينادي حميدة، خرجت حميدة مطرقة من وراء باب المطبخ، جلبابها المبلل يلتصق بجسدها، وعلى جدار بطنها علامة محفورة في الجلد، على شكل حذاء، وتحت الجدار تنمو الكراهية كالجنين، تتكور كالعجين، وتعلو يوما بعد يوم، تنتفخ بالماء وتتخمر وتفوح الرائحة.
التقطت أجهزة الأمن الرائحة، دائما هناك أجهزة للأمن، لها عيون ترقب، وأنوف تشم، كتمت حميدة أنفاسها ومسحت بطن يديها بكفيها قبل أن تمد يدها الصغيرة من بعيد بكوب الماء، التفت أصابع سيدها ذات الأظافر الشذبة حول الكوب البلوري، وأشاح بوجهه بعيدا عن الرائحة، لكن الرائحة نفاذة وصلت إلى أنف سيدتها الميت في حجرة النوم، فانتصبت شعيراته المرتخية وأصبحت صلبة مدببة كالدبابيس.
أنكرت حميدة بطبيعة الحال، لكن جسدها كان الجريمة، أخذوا منها الجسد وتركوا لها الجريمة، كالنحل يمص الزهرة، يرشف الرحيق، ثم يلقي المصاصة بعيدا بيد قوية، اندفعت اليد في ظهرها كاللكمة، الطريق كان مظلما، والليل أسود فحملقت في الظلمة.
تعرفت على قبضة أمها في ظهرها، فرفعت عينيها إلى عينيها، وكادت تناديها، لكن أمها كانت واقفة بغير حراك، صدرها ثابت، ورأسها ثابت، وعيناها ثابتتان ورموشها ثابتة.
سارت حميدة بجوار التمثال الحجري وتركته خلف ظهرها. دب الصمت في الليل وأدركت أنها وحيدة، جلست على دكة حجرية بجوار النيل، ملأت صدرها بهواء النيل، هواء راكد حزين، دخل الحزن صدرها مع الظلمة، فأدركت أنها ولدت بغير أم، وأن جدتها لأبيها كانت جارية في بلاط سيدها، وأنها ماتت مقتولة بسكين أبيها.
تركت جسدها فوق الدكة مرتخيا، مفتوح المسام، يغزوه الحزن من جميع المنافذ، ملأها الحزن حتى الثمالة، وأعطاها قوة، والحزن لا يعطي دائما، إنه نادرا ما يعطي، يختص بعطائه نوعا نادرا من الناس، قادرا على مبادلته العطاء، وحميدة قادرة على أن تعطي الحزن نفسها كاملة، تتفرغ له وتعيش عليه، تأكله وتشربه وتهضمه وتجري عصارته في دمها، وتفرزه أمعاؤها، وتفرزه مسام جسدها، ويسيل فوق جلدها كخيوط رقراقة، تلعقها بلسانها وأنفها وتبتلعه مرة أخرى في جوفها، وتهضمه ثم تعود تفرزه.
من يراها واقفة منتصبة في الليل وحدها يظن أنها تمثال رمسيس، ذيل الماء يمشي فوق خديه وعنقيه وكتفيه وفخذيه وقدميه، يمشي بهوادة، دون أن يشعر بحركته، ويظل هناك فوق الجلد، ورغم نسمة الليل الجافة لا يتبخر، بل يدخل مسام الجلد، ويعود من حيث أتى إلى منبعه الأصلي في رحم الأم.
الحزن هو ولا شيء غيره، الجنين الأبدي في رحمها تعيش له ويعيش لها، ويدخل أو يخرج حيثما تشاء له أن يدخل أو يخرج، وحينما تريد له الخروج يصبح طفلها. طفل طبيعي ليس كالأطفال الصناعيين الذين يولدون بشهادة مكتوبة بالحبر ويجري الحبر الأسود حيث الدم الأحمر، وأعضاؤهم التناسلية تبتر والشعر يجتث من فوق الرأس، وبحذاء كل فخذ لعبة أطفال على شكل مسدس.
अज्ञात पृष्ठ