8
ما فعلوا؛ فوجمت وجوما شديدا، ثم أجهشت، ثم استخرطت في بكاء طويل، وضرعت إلى الآلهة وظللت أقول: «أهكذا يا أرباب السماء، تلقون علي ذلك الطائف من الكرى، فيفعل أصحابي ما فعلوا إذ أنا أغط في نوم عميق؟» وطارت لمبتيا بالخبر المشئوم إلى إله الشمس ثار ثائره، وطفق يصخب ويهتف بالآلهة ويقول: «يا جوف العلي» وأنت يا آلهة السموات اثأري لما فعل السفهاء من رجال أوديسيوس، لقد اجترءوا فجزروا من نعمي وشائي التي هي بهجتي وأنسي، والتي أرمقها أبدا من علياء السماء، فإن لم تنتقم لي فوعزتي لا أهبطن بشمسي إلى هيدز فأنير آفاقها وأضفي أضوائي على الأشباح ثمة، «وأدع هذا العالم المشرق الجميل يضرب في دياجير ما مثلها دياجير.» وأجابه رب السحاب الثقال فقال: «يا إله الشمس، على هينتك، بل ظل مشرقا على بني الموتى الدائبين في تلك الأرض، وإني مسخر صواعقي على سفينتهم في لمح البصر فتذهب بها وبهم أباديد.» أما من أخبرني هذا فقد حدث به هرمز رسول الآلهة، ثم وقفت فيهم أنتهرهم وأنعي عليهم، ولكن، وا أسفاه أي انتهار وأي نعي وقد سبق السيف العذل؟ ثم حدثت المعجزة وبدأت السماء تشهد آياتها فقد تحركت الجلود الملقاة على الأرض وزحفت نحونا، ثم سمعنا مضغ اللحم الغريض سواء ما ظل منها دون أن يمس وما علق منها بالسفافيد، وقد أرسلت ثناء وخوارا كأنها لا تزال على قيد الحياة، وهكذا ظل رفاقي يجزرون كل ثور حنيذ من ماشية إله الشمس ويغتدون بحواياها طوال ستة أيام، حتى إذا كان السابع أمر جوف العاصفة فهدأت والبحر فتطامن، فأهرعنا إلى الفلك فأنزلناها في اليم ونشرنا الشراع، وأقلعنا حيث لا ندري ماذا يراد بنا؟ ثم غابت الأرض عن الأنظار، ولم يكن إلا البحر من ورائنا وأمامنا وعن شمائلنا وأيماننا، ثم السماء من فوقنا، ثم شرع زفيروس
9
يهب ويهب، ويقلب اللج من حولنا، ثم اشتد واشتد، وصار ريحا عاصفا هوجاء كسرت قلاعنا وحطمت سكاننا، وذهبت بقلب الربان المسكين فلم يعد له صبر ولا جلد، ثم سلط علينا جوف صواعقه فقصمنا، وحطم سفينتنا فترنحت أول الأمر، ثم غاصت إلى الأعماق، وطفونا على سطح البحر الغاضب بلا أدنى أمل في أي شيء، بله العودة إلى بلادنا، ولقد كنت أرقب حطام الفلك يطفو معنا ويغوص، حتى عن لي أن أعلق بالهراب القريب مني، فطويت عليه قطعة من الشراع الممزق، وجعلته لي ثماما لصقت به، بينما نامت الشمال لسوء حظي ، وأخذت الجنوب تهب في عنفوان وبأس.
خفقت القلوب ونظر بعضهم إلى بعض، ثم جلسوا يشدون شعورهم من الحسرة.
وتدفعني بقسوة وقوة حتى خيل إلي أنها ستنتهي بي إلى عين خاربديس الحمئة، يا للهول! لقد مضى علي ليل أيما ليل، حتى إذا أشرقت ذكاء، رأيتني ويا للأسف عند صخرة سكيللا، وعلى مسافة من عين خاربديس، ولحسن حظي كانت اللعينة قد ابتلعت كل مياه الشاطئ، ثم دفعتني موجة من الأعماق، فاستطعت أن أعلق بأحد أغصان التينة الهائلة النامية فوق صخرتها، فبقيت لاصقا به كالخفاش لا يمكنني أن أهبط أو أن أتسلق؛ لعظم ما كانت الأغصان تبتعد من الأرض وتمتد من حولي؛ ولأنها كانت تعرش من فوق خاربديس، حتى كنت أرتعد من فزع وهلع عندما كنت أبصر تحتي فأرى العين الحمئة الملعونة تبتلع الموجة إثر الموجة، ثم رأيت الهراب وقطعة الشراع التي كنت عالقا بهما ينقذفان نحوها ويكونان تحتي، فطربت، ولو أن هذا جاء متأخرا حتى ريع قلبي ووهنت قواي، وغمرني شعور الذي انفرجت أزمته، وكشفت عنه غمته، فهويت إلى الماء، وتعلقت بهما بقبضتين مستميتين، ويلاه! أواه لو لمحتني سكيللا الهائلة طافيا هنالك إذن ما استطاع إنقاذي رب الأرباب نفسه من مخالبها وأنيابها، ثم بقيت هكذا تسعة أيام بلياليها يصرعني البحر وأصرعه ويناضلني الموج وأناضله، حتى رثت الآلهة لحالي فساقتني في العاشر إلى أوجيجيا، جزيرة عروس الماء كليبسو، فرسوت ثمة في ليلة ليلاء، مظلمة طخياء، وقد نالني من كرم العروس وجميل معروفها ما رد إلي قواي، وأثابني عما لقيت من شقوة وأرزاء.
ولكن لم هذا؟ لقد سمعتم قصتي مع كليبسو من قبل؛ إذ رويتها للملك ولزوجه أمس، وإني لأكره الحديث المعاد.»
أوديسيوس يصل إلى إيثاكا
وفرغ أوديسيوس من حديثه، وجلس القوم في الردهة ذات الظلل مسبوهين مشدوهين من روعة ما حدث ومن غريب ما روى، حتى تكلم الملك فقال: «أوديسيوس، يا أيها العزيز، صفا بالك وطاب حالك واستذريت من ذرى هذه القبة الشماء بركن ركين، فلن ينالك أذى بعد اليوم، ولن تقدر عليك الرياح الهوج في رحلتك الآمنة إلى بلادك، وإن يكن مثلك لا يبالي الحدثان، ولا يأبه لصروف الزمان بعد إذ رضع لبانها، وتقلب طويلا في أحضانها، وإنه والله ليس أحب إلينا من أن تقيم آخر الدهر عندنا فتتحسى معنا من أكرم هذه الخمر، وتشنف أذنيك بما يتغنى مطربنا الحبيب الإلهي، وإلا فذاك صندوقك العزيز وفيه أذخار الهدايا وأعز اللهى؛ من مطارف الديباج، ومكنون الذهب الوهاج، ولكن على رسلك، هلموا يا معاشر الفياشيين فليحضر كل منكم للنازح الكريم طرفة من أبر الطرف، وتحفة من أجل التحف، ولتكن ركيزة من الذهب وأصيصا صغيرا للزهر، وليسهم الشعب في هذا؛ ذلك أدنى ألا تطيقوا ثمنها.»
1
अज्ञात पृष्ठ