وينبغى أن نبحث ونجعل ابتداءنا من الأوائل؛ ثم نجرى على ذلك النسق حتى نصير إلى الأشخاص، مثال ذلك أنه إن كان القائل قال: إن العلم بالمتقابلات واحد بعينه، فينبغى أن ننظر هل العلم بالأشياء المضافة والأشياء المتضادة والأشياء المتقابلة على جهة العدم والملكة والمتقابلة على جهة الإيجاب والسلب — واحد بعينه. فإن لم يكن الأمر ظاهرا فى واحد من هذه بعد، فينبغى أيضا أن نقسم كل واحد من هذه إلى أن نصير إلى الأشخاص، مثال ذلك أن ننظر: هل العلم بالعدل والجور، أو العلم بالضعف والنصف، أو العلم بالعمى والبصر، أو العلم بأن الشىء موجود أو ليس هو موجودا — واحدا بعينه؟ وذلك أنه إن تبين فى شىء من هذه أنه ليس واحدا بعينه، نكون قد أبطلنا المسألة. وكذلك إن تبين أنه لا يوجد لشىء منها. وهذا الموضع ينعكس على الإثبات والإبطال. وذلك أنه إن ظهر لمن يقسم أنه على الجميع أو على كثيرين، فله أن يحكم بوضعه كليا، أو يعاند فى واحد. فنقول إنه ليس كذلك. فإنه إن لم يفعل واحدا من هذين سخر منه، إذ لم يضع شيئا.
وموضع آخر وهو أن يعمل حدى العرض والشىء الذى يعرض فيه العرض جميعا، أو حد أحدهما، ثم ينظر إن كان قد أخذ فى الأقاويل شىء ليس يحق على أنه حق — مثال ذلك أن ينظر إن كان يمكن أحدا أن يظلم الله، فما الظلم؟ وذلك أنه إن كان إنما هو الإضرار طوعا، فمن البين أن الله ليس يظلم، إذ ليس يمكن أن يناله ضرر. وإن كان الفاضل حسودا، فما الحسود؟ وما الحسد؟ وذلك أن الحسد إن كان التأذى بما يظهر من حسن حال خير من الأخيار، فمن البين أن الفاضل ليس بحسود، لأنه لو كان كذلك لكان رديئا. فإن كان المنافس حسودا، فما كل واحد منهما؟ وذلك أنه بهذا الوجه يتبين هل ما قيل حق أم باطل — مثال ذلك أنه إن كان الحسود هو المتأذى بحسن حال الأخيار، والمنافس هو المتأذى بحسن حال الأشرار، فمن البين أن المنافس ليس حسودا.
पृष्ठ 506