[book 1]
[chapter 1: I 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الأولى من كتاب طوپيقا، نقل أبى عثمان الدمشقى 〈الجدل وموضوعه — الحجج〉
〈غرض هذا البحث〉
قال:
إن قصدنا فى هذا الكتاب أن نستنبط طريقا يتهيأ لنا به أن نعمل من مقدمات ذائعة قياسا فى كل مسئلة تقصد، وأن نكون — إذا أجبنا جوابا — لم نأت فيه بشىء مضاد. فينبغى أن نقول أولا ما هو القياس، وما هى أصنافه حتى يحصل لنا القياس الجدلى إذ كنا هذا القياس نلتمس فى هذا الكتاب. فنقول:
إن القياس قول إذا وضعت فيه أشياء لزم من تلك الأشياء الموضوعة شىء آخر غيرها من الاضطرار — فالبرهان هو القياس الذى يكون من مقدمات صادقة أولية، أو من مقدمات يكون مبدأ المعرفة بها قد حصل من مقدمات ما أولية صادقة.
والقياس الجدلى هو الذى ينتج من مقدمات ذائعة.
पृष्ठ 469
والمقدمات الصادقة الأولى هى التى تصدق بذاتها، لا بغيرها؛ وذلك أنه ليس ينبغى لنا أن نلتمس فى مبادئ العلوم اليقينية «لم الشىء»، لكن ينبغى أن يكون كل واحد من مبادئ العلوم اليقينية صادقا بنفسه. والمقدمات الذائعة هى التى يظنها جميع الناس أو أكثرهم أو جماعة الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون منهم والذين فى غاية النباهة.
والقياس الممارى هو الذى يكون من مقدمات ذائعة فى الظاهر، وليست ذائعة على الحقيقة؛ أو الذى يكون فى الظاهر من مقدمات ذائعة أو من ذائعة فى الظاهر، لأنه ليس كل ما كان ذائعا فى الظاهر فهو أيضا ذائعا. وذلك أنه ليس شىء من الأشياء التى يقال فيها إنها ذائعة يكون تصوره فى جميع حالاته مموها كما يعرض فى مبادئ أقاويل الممارين، لأن طبيعة الكذب تتبين فيها على المكان فى أكثر الأمر لمن معه أدنى فطنة، فضلا عن غيره. فالأول من القياسين المماريين اللذين وصفنا ينبغى أن يسمى قياسا. وأما الثانى فينبغى أن يسمى مماريا، فأما 〈أن يسمى〉 قياسا، فلا؛ لأنه فى الظاهر قياس، إلا أنه ليس ينتج.
पृष्ठ 470
وها هنا أيضا غير هذه القياسات المذكورة كلها، وهى المغالطات التى تكون من الأشياء التى تخص بعض العلوم، بمنزلة ما يعرض فى الهندسة وما جانسها من العلوم. فإنه قد يشبه أن يكون هذا الصنف يخالف القياسات التى وصفنا، لأن الذى يرسم شكلا باطلا ليس يعمل قياسا من مقدمات صادقة أولية، ولا من مقدمات ذائعة: إذ كان ليس يدخل فى الحد، وذلك أنه ليس يقتضب ما يظنه جميع الناس ولا ما يراه أكثرهم، ولا ما يظنه الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون جدا منهم، لكنه يعمل القياس من المقدمات التى تخص الصناعة، إلا أنها ليست صادقة. لأنه إذا رسم أنصاف الدوائر على غير ما ينبغى، أو أخرج بعض الخطوط على غير طريق إخراجها، استعمل المغالطة.
فلينزل أن أنواع القياسات، إذا حصلناها على طريق الرسم، هى هذه التى وصفنا. وبالجملة، نقول إن هذا مبلغ ما نريد تحصيله فى جميع ما وصفنا وما سنصفه من بعد، لأنه ليس قصدنا فى شىء منها استيفاء القول المستقصى. ولكن الذى نريد أن نصفه من أمرها على طريق الرسم لما رأينا فيه من الغناء والكفاية فى هذا الطريق الذى نحونا نحوه، وهو أن يكون يتهيأ لنا أن نتعرف كل واحد منها كيفما كان.
पृष्ठ 471
[chapter 2: I 2] 〈فائدة الجدل〉
ويتبع ما وصفنا أن نذكر الأشياء التى ينتفع فيها بهذا الكتاب: كم هى؟ وما هى؟
فنقول إنه ينتفع به فى ثلاثة أشياء: فى الرياضة، وفى المناظرة، وفى علوم الفلسفة. والأمر فى أن هذا الكتاب نافع فى الرياضة ظاهر بين من هذا، وذلك أنه إذا كان لنا طريق نسلكه أمكننا بأسهل مأخذ أن نحتج فيما نقصد للحجة فيه. — فأما منفعته فى المناظرة فمن قبل أنا إذا أحصينا آراء الجمهور كانت مخاطبتنا إياهم من الآراء التى تخصهم، لا من الأشياء الغريبة، لننقلهم عما نراهم لا يصيبون القول فيه. — فأما منفعته فى علوم الفلسفة فلأنا إذا قدرنا أن نتشكك فى الأمرين جميعا، سهل علينا فى كل واحد من الأمور أن ندرك الحق والباطل.
وقد ننتفع به أيضا فى أوائل كل واحد من العلوم، وذلك أنه ليس يمكننا أن نقول فيها شيئا من الأشياء من المبادئ التى تخص العلم الذى ننحو نحوه، لأنها مبادئ أولى الجميع. فأما من الأشياء الذائعة فى كل واحد فواجب ضرورة أن نتكلم فيها. فإن هذا المعنى أخص الأشياء وأليقها بصناعة المنطق، إذ كان لها بما هى عليه من الفحص والتنقير طريق إلى مبادئ جميع الصناعات.
पृष्ठ 472
[chapter 3: I 3] 〈المهارة فى الجدل〉
وإنما يحصل لنا من هذه الصناعة على الكمال متى كانت حالنا فيها على مثال حالنا فى الخطابة والطب وفى أمثالها من القوى، أعنى أن يكون إنما يفعل ما يريد أن يفعله من الأشياء التى يمكن أن نفعل. فإن الخطيب ليس يقنع من كل وجه، ولا الطبيب يعيد الصحة من كل وجه، لكن متى لم يغفلا شيئا مما يمكنهما ألا يغفلاه قلنا إنهما قد حصلا الصناعة على الكفاية.
[chapter 4: I 4] 〈نظرة عامة إلى عناصر البرهان الجدلى〉
पृष्ठ 473
فأولا ينبغى أن ننظر من ماذا تتقوم هذه الصناعة. فإنا إذا حصلناكم هى، وما حالها، وأى الأقاويل هى، وكيف نستنبطها، كنا قد حصلنا ما قصدنا له على الكفاية. فنقول: إن الأشياء التى منها الأقاويل و〈الأشياء التى〉 فيها القياسات متساوية فى العدد وواحدة بعينها. وذلك أن الأقاويل تحدث عن المقدمات، والأشياء التى فيها تكون القياسات هى المسائل. 〈وكل مقدمة〉 وكل مسئلة، فإما أن تكون خاصة أو جنسا أو عرضا. وذلك أن الفصل لما كان جنسيا، وجب أن يرتبه مع الجنس؛ ولأن من الخاصة ما يدل على ما الشىء، ومنها ما لا يدل على ذلك، فلنقسمها إلى الجزئين الموصوفين كليهما، ولنسم الدال على ما هو الشىء «حدا»، ونسمى الجزء الثانى بالاسم العام لهما، أعنى خاصة. فبين مما قلنا أنه يلزم أن يكون جميعها على حسب هذه القسمة أربعة: إما حدا، وإما خاصة، وإما جنسا، وإما عرضا. وليس ينبغى أن يظن بنا أحد أنا نقول إن كل واحد من هذه إذا قيل على حدته فهو إما مسئلة وإما مقدمة، لكنا تقول إن من هذه تحدث المقدمات والمسائل. — والمسئلة إنما تخالف المقدمة بالجهة. وذلك أن هذا القول إذا قيل على هذه الجهة: ليس قولنا: حى — مشاء — ذو رجلين حدا للإنسان؟ — تكون مقدمة. وكذلك إذا قيل: أليس الحى جنسا للإنسان؟ كان مقدمة. فإن قيل: هل قولنا: حى — مشاء — ذو رجلين، — حد للإنسان؟ وهل قولنا: «الحى» جنس للإنسان أم لا؟ — كان مسئلة. وعلى ذلك المثال يجرى الأمر فى سائر الأشياء الأخر. فبالواجب صارت المسائل والمقدمات متساوية فى العدد، وذلك أنك قد تعمل من كل مقدمة مسئلة إذا نقلتها عن جهتها.
[chapter 5: I 5] 〈دراسة عناصر الجدل تفصيلا〉
وينبغى أن نقول: ما الحد؟ وما الخاصة؟ وما الجنس؟ وما العرض؟
पृष्ठ 474
فالحد هو القول الدال على ماهية الشىء. وقد يوصف أيضا بأنه قول مكان اسم، أو قول مكان قول، لأنه قد يمكننا أن نحد بعض الأشياء التى يستدل عليها بقول. فأما الذين يجعلون الصفة بالاسم كيفما كان فمن البين أنهم ليس يوفون تحديد المعنى، لأن كل تحديد فهو قول ما. إلا أنه ينبغى أن نجعل ما يجرى هذا المجرى داخلا فى باب الحد، مثل قولنا: اللائق جميل. وكذلك قولنا: هل الحس والعلم شىء واحد بعينه؟ أم أحدهما غير الآخر؟ فإن أكثر البحث أيضا إنما يكون فى الحدود عن: هل الشىء واحد بعينه، أو هو غير؟ وبالجملة، فينبغى أن نسمى جميع الأشياء التى هى والحدود تحت صناعة واحدة بعينها الداخلة فى باب الحدود.
والأمر فى أن جميع ما قلناه الآن حاله هذه الحال بين من ذاته. فإنا إذا قدرنا أن نقول الشىء بعينه والغير، أمكننا الاحتجاج فى الحدود أيضا بهذا الوجه بعينه. وذلك أنا إذا بينا أنه ليس فيها الشىء بغيته، نكون قد أبطلنا التحديد. غير أن المعنى الذى وصفنا الآن لا ينعكس، لأنه ليس يكفى فى تثبيت الحد أن نبين أن الشىء بعينه فيه موجود. فأما فى إبطاله فقد يكفى أن نبين أنه ليس فيه الشىء بعينه.
पृष्ठ 485
والخاصة هى ما لم يدل على ماهية الشىء وكان موجودا للأمر وحده وراجعا عليه فى الحمل. مثال ذلك: قبول علم النحو للإنسان: فإنه مهما كان الإنسان موجوا، فالقابل لعلم النحو موجود. ومهما كان القابل لعلم النحو موجودا، فالإنسان موجود. وذلك أنه ليس أحد يقول إن الخاصة يمكن أن توجد لغير ما هى له خاصة، بمنزلة النوم للإنسان، لا ولو اتفق أن يوجد له وحده فى وقت من الأوقات. فإن قيل لما يجرى هذا المجرى خاصة، فليس يقال له خاصة، على الإطلاق، لكن فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء. فإن وجود الشىء يمنة إنما يقال إنه خاصة له فى بعض الأوقات؛ وذو الرجلين فإنما يقال إنه خاصة بالإضافة إلى شىء — بمنزلة ما هو للإنسان بالإضافة إلى الفرس وإلى الكلب. والأمر بين فى أنه ليس شىء مما يمكن أن يوجد لشىء آخر غير الشىء الذى هو له يرجع عليه بالتكافؤ فى الحمل. وذلك أنه ليس يجب ضرورة متى وجد شىء ينام أن يكون الإنسان موجودا.
पृष्ठ 476
والجنس هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو. وينبغى أن يقال إن الأشياء التى تحمل من طريق ما هو — وهى التى يليق بنا أن نأتى بها إذا سئلنا عن الشىء الموضوع: ما هو؟ كما يليق بنا إذا سئلنا عن الإنسان ما 〈هو〉 أن نقول إنه حيوان. فأما ما يسأل عنها هل هى فى جنس واحد بعينه وهى مختلفة، أم فى جنسين مختلفين، فإنما هى فى مذهب الجنس، لأن ما يجرى هذا المجرى يدخل هو والجنس فى طريق واحد بعينه. وذلك أنا إذا قلنا إن الحيوان جنس للإنسان، وكذلك للثور، نكون قد قلنا إن هذين داخلان فى جنس واحد بعينه. فإن نحن بينا أنه جنس لأحدهما، غير جنس للآخر، نكون قد قلنا إن هذين ليسا بداخلين فى جنس واحد بعينه. والعرض هو ما لم يوجد واحدا من هذه: لا حدا، ولا خاصة، ولا جنسا، وهو موجود فى الشىء، أو هو الذى يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان، وألا يوجد — بمنزلة الجلوس، فإنه يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان وألا يوجد؛ وكذلك الأبيض، فإنه ليس مانع يمنع أن يكون شىء واحد بعينه مرة أبيض، ومرة غير أبيض. والثانى من حدى العرض أجود من الأول، لأن الأول إذا قيل احتاج من يريد أن يفهمه أن يتقدم فيعلم ما الحد والجنس والخاصة. فأما الثانى فكامل بنفسه، يستغنى به على حدته فى معرفة الموصوف ما هو. وينبغى أن نضيف إلى العرض مقايسات الأشياء بعضها إلى بعض كيفما كانت إذا قيلت من العرض، مثال ذلك قولنا: أيهما آثر؟: الجميل، أو النافع؟ وأى المذهبين ألذ: الذى تستعمل فيه الفضيلة، أو الذى ينهمك فيه الشهوات؟ وغير ذلك مما يقال على هذا المثال. فإن البحث فى أمثال هذه كلها إنما هو عن: أى الاثنين يكون لزوم المحمول به أحرى؟
पृष्ठ 477
وبين من هذه أنه ليس يمنع مانع فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء أن يكون العرض خاصة: 〈بمنزلة〉 الجلوس الذى هو عرض. فمتى ألفى إنسان جالسا وحده، صار الجلوس له فى ذلك الوقت حينئذ خاصة. وإذا لم يكن جالسا هو وحده، فالجلوس له خاصة بالإضافة إلى ما ليس هو جالسا. فليس يمنع إذا مانع من أن يكون العرض فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء، خاصة. فأما خاصة على الإطلاق، فلا يكون.
[chapter 6: I 6] 〈دراسة الألفاظ المحمولة〉
وليس ينبغى أن يذهب علينا أن جميع ما يقال فى الخاصة والجنس والعرض قد يليق به أن يقال فى الحدود. وذلك أنا إذا بينا أن الحد ليس هو لما تحت الحد وحده كالحال فى الخاصة أيضا، أو أن الموصوف فى الحد ليس هو جنسا، أو أن شيئا ما قد وصف فى القول لا يوجد له، كالذى يقال فى العرض، نكون قد أبطلنا التحديد. فيجب — بحسب القول الموصوف آنفا — أن يكون جميع ما عددنا داخلا فى مذهب الحدود بضرب من الضروب.
पृष्ठ 478
ولكن ليس ينبغى لهذا السبب أن نلتمس فى جميعها طريقاواحدا كليا، لأن هذا أمر ليس يسهل وجوده. وإن وجد، كأن فى غاية الإغماض ولم ينتفع به فى هذا الكتاب. وإذا وصف طريق خاص فى كل واحد من الأجناس المحصلة، صارت صفة ما يقصد له منها سهلة من الأشياء التى تخص واحدا واحدا فينبغى أن نقسمها على طريق الرسم كما قلنا قبل. فأما الباقية فيجب أن نضم كل واحد منها إلى أخص الأشياء به ونسميها الداخلة فى باب الحد والداخلة فى باب الجنس. ونكاد أن نكون قد أضفنا ما وصفناه إلى كل واحد منها.
[chapter 7: I 7] 〈على كم نحو يقال الشىء بعينه〉
पृष्ठ 479
وينبغى قبل كل شىء أن نلخص أمر الشىء بعينه على كم نحو يقال فنقول: إنه يظن بالشىء بعينه إذا أخذ على طريق الرسم أنه ينقسم على ثلاثة أنحاء. وذلك أنا قد اعتدنا 〈أن نقول〉 فى الشىء بعينه إنه كذلك: إما فى العدد، وإما فى النوع، وإما فى الجنس. أما فى العدد فمتى كانت الأسماء له كثيرة والمعنى واحدا بعينه، بمنزلة الثوب والرداء. وأما فى النوع فجميع الأشياء التى هى كثيرة، إلا أنها غير مختلفة فى النوع — بمنزلة إنسان مع إنسان، وفرس مع فرس. وذلك أن جميع الأشياء التى هى تحت نوع واحد يقال فيها إنها شىء واحد بعينه فى النوع. وكذلك جميع الأشياء التى تحت جنس واحد يقال فيها إنها شىء واحد بعينه فى الجنس — بمنزلة الإنسان والفرس: فإنهما شىء واحد بعينه فى الجنس. وقد يظن بالماء الذى 〈هو〉 خارج من عين واحدة بعينها إذا قيل فيه إنه واحد بعينه أن بينه وبين الأصناف التى ذكرت فرقا ما؛ وليس الأمر كذلك، لا بل ينبغى أن يرتب هذا الصنف أيضا فى الأشياء التى يقال فيها إنها شىء واحد بعينه فى النوع كيفما كان ذلك، فإن أمثال هذه الأشياء كلها يشبه أن تكون متجانسة ويشبه بعضها بعضا. وذلك أن كل ما قد يقال إنه، وكل ماء، شىء واحد بعينه فى النوع لما بينها من المشابهة، والماء الذى يخرج من عين واحدة بعينها ليس يختلف بشىء آخر إلا بشدة المشابهة. ولذلك ليس يفرق بينه وبين ما يقال فيه إنه تحت نوع واحد كيفما قيل ذلك. والشىء بعينه فى العدد قد يظن بالإجماع عند الناس كلهم أنه أولى ما يوصف بذلك . وقد جرت العادة بأن هذا المعنى يقال على أنحاء كثيرة، أحقها وأولادها بالتقديم ما وصف واحدا بعينه بالاسم أو بالحد، كالحال فى الثوب والرداء، وفى قولنا للإنسان: حى مشاء ذو رجلين. والنحو الثانى ما كان كذلك بالخاصة، كالحال فى قولنا: قابل للعلم — فى الإنسان، وفى قولنا: سام إلى فوق بالطبع — فى النار. والنحو الثالث ما وصف بذلك من العرض كقولنا: جالس، أو موسيقار — فى سقراط. فإن جميع هذه من شأنها أن تدل على الواحد فى العدد.
ومن أبلغ ما وقف الإنسان منه على صحة ما قيل فى هذا الموضع تغيير الألقاب. وذلك أنا مرارا كثيرة إذا هممنا بأن نأمر بأن يدعى إلينا بإنسان من قوم جلوس باسمه، غيرنا اسمه إذا اتفق أن يكون الذى يأمره كان يعرف اسمه وجعلناه من العرض، من قبل أنه لذلك أفهم وأمرناه أن يدعو لنا بالجالس أو المناظر لظننا بأن الأمر بين فى أن الدلالة بالاسم وبالعرض واحدة بعينها.
पृष्ठ 480
[chapter 8: I 8] 〈براهين الألفاظ المحمولة〉
فالشىء بعينه ينقسم كما قلنا على ثلاثة أنحاء: فأول التصديق — بأن الأقاويل إنما هى مما وصفنا أولا وبما وصفنا وفيما وصفنا — هو الذى يكون بالاستقراء. وذلك أن باحثا إن بحث عن واحدة واحدة من المقدمات والمسائل يبين له أنها تحدث: إما عن الحد، وإما عن الخاصة، وإما عن الجنس، وإما عن العرض.
والتصديق الآخر هو الذى يكون بالقياس. وذلك أنه واجب ضرورة أن يكون كل محمول على شىء إما أن يرجع عليه بالحمل، وإما ألا يرجع عليه. فإن كان يرجع عليه فهو إما حد، وإما خاصة. وذلك أنه إن كان يدل على ماهية الشىء فهو حد؛ وإن لم يكن يدل على ماهيته فهو خاصة، إذ كانت الخاصة ما رجع على الشىء بالحمل من غير أن يدل على ماهيته. وإن كان لا يرجع على الشىء بالحمل فهو إما من الأشياء التى تقال فى حد الموضوع، أو ليس منها. فإن كان مما يقال فى الحد فهو إما جنس وإما فصل، لأن الحد مأخوذ من جنس وفصول. وإن لم يكن مما يقال فى الحد فمن البين أنه عرض، لأنا قد قلنا إن العرض هو ماليس بحد ولا خاصة ولا جنس، وهو موجود فى الشىء الذى هو له عرض.
पृष्ठ 481
[chapter 9: I 9] 〈المقولات وصلتها بالألفاظ المحمولة〉
وبعد هذه الأشياء ينبغى أن نحد أجناس المقولات التى فيها توجد هذه الأربعة التى وصفنا. فنقول: إن عدتها عشرة: ما هو الشىء؛ والكم؛ والكيف؛ والمضاف؛ وأين؛ ومتى؛ والنصبة؛ وله؛ ويفعل؛ وينفعل. وذلك أن العرض والجنس والخاصة والحد أبدا فى واحد من هذه العشر مقولات يوجد. فإن جميع المقدمات المأخوذة من هذه إما أن تدل على ما الشىء، أو على كيف أو على كم، أو على واحدة من سائر المقولات الأخر. وبين من هذه أن الإنسان إذا دل على:«ما الشىء» فمرة يدل على جوهر، ومرة على كم، ومرة على كيف، ومرة على واحدة من المقولات الأخر. وذلك أن واضعا لو وضع إنسانا ثم قال: إن هذا الموضوع إنسان هو أو حى، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على جوهر. وإذا وضع لونا أبيض وقال: إن هذا الموضوع أبيض هو أو لون، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على كيف. وإذا وضع عظما مقدار ذراع فقال: إن هذا الموضوع ذو ذراع أو عظم، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على كم. وكذلك يخرج الأمر فى الأخر: وذلك أن كل واحد من أمثال هذه إنما كان هو يقال على نفسه أو الجنس يقال عليه، فإنما يدل على ما هو؛ وإن كان يقال على غيره فليس يدل على ما هو، لكن على كم وكيف أو واحدة من المقولات الأخر.— فهذه هى الأشياء التى فيها ومنها الأقاويل، وهذه عدتها.
पृष्ठ 482
[chapter 10: I 10] 〈القضايا الجدلية〉
وبعد هذا ينبغى أن نقول كيف نقتضب الأشياء التى بها نستنبط ونستخرج. ولنحدد أولا المقدمة المنطقية ما هى، والمسئلة المنطقية ما هى. وليس يجب أن نضع كل مقدمة منطقية، ولا كل مسئلة منطقية. وذلك أنه ليس أحد ممن له عقل يقدم ما لا يراه أحد، ولا يسأل عما هو ظاهر للناس كلهم أو لأكثرهم، لأن هذا ليس فيه شك، وذاك لا يضعه أحد من الناس.
والمقدمة المنطقية هى مسئلة ذائعة إما عند جميع الناس، أو عند اكثرهم، أو عند جماعة الفلاسفة، أو عند أكثرهم، أو عند أهل النباهة منهم، من غير أن تكون مبدعة. وذلك أن للإنسان أن يضع ما يراه الفلاسفة متى لم يكن مضادا لآراء الجمهور والأشياء الشبيهة بالذائعة والمضادة أيضا التى يظن بها أنها ذائعة إذا قدمت على جهة التناقض.
पृष्ठ 483
وجميع الآراء أيضا الموجودة فى الصناعات المستخرجة قد تكون مقدمات منطقية، وذلك أنه إن كان قولنا إن العلم بالمتضادات واحد بعينه ذائعا، فقولنا إن الحس بالمتضادات واحد بعينه يرى أنه ذائع. وإن كان قولنا إن كان يوجد نحو واحد بالعدد ذائعا، فقولنا يوجد غناء واحد بالعدد ذائع. وإن كان قولنا: يوجد نحو أكثر من واحد ذائعا، فقولنا: يوجد غناء أكثر من واحد، ذائع. وذلك أن هذه كلها يشبه أن تكون متشابهة متجانسة. وكذلك الأشياء المضادة للذائعة إذا قدمت على جهة التناقض ظهرت ذائعة، لأن قولنا: ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء إن كان ذائعا، فإن قولنا أيضا: لا ينبغى أن نسىء إليهم، ذائع. فأما ضد هذا القول فهو قولنا: ينبغى أن نسىء بالأصدقاء. فأما المناقض له فولنا: ليس ينبغى أن نسىء بهم. وكذلك قولنا: إن كان ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء فلا ينبغى أن نحسن إلى الأعداء. وكذلك يجرى الأمر فى الأشياء الأخر. وقد يظهر بالمقايسة أن الضد على الضد أيضا ذائع، مثال ذلك: إن كان ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء فقد ينبغى أن نسىء بالأعداء. وقد يظهر أن الإحسان إلى الأصدقاء ضد الإساءة بالأعداء. وسننظر فى هذا الأمر هل هو على الحقيقة هكذا، أم لا — فيما نقوله فى المتضادات.
ومن البين أن الآراء التى توجد فى الصناعات قد تكون مقدمات منطقية، لأن لواضع أن يضع الأشياء التى يعتقدها الحذاق بهذه الصنائع: مثل الطبيب فيما يوجد فى صناعة الطب، والمهندس فيما يوجد فى صناعة الهندسة ؛ وكذلك الأمر فى الصنائع الأخر.
पृष्ठ 484
[chapter 11: I 11] 〈المسئلة الجدلية والوضع الجدلى〉
والمسئلة المنطقية هى طلب معنى ينتفع به فى الإيثار للشىء والهرب منه، أو فى الحق والمعرفة — إما هو بنفسه وإما من قبل أنه معين على شىء آخر من أمثال هذه، أو ما يكون الفلاسفة تعتقد أيضا فيه لا كذا ولا كذا، وإما ما يكونون يعتقدون فيه ضد ما يعتقده الجمهور، وإما ما يكون كل واحد من الفريقين يضاد صاحبه فيما يعتقد فيه. وذلك أن بعض المسائل ينتفع بمعرفته فى الإيثار للشىء أو فى الهرب منه — مثال ذلك قولنا: هل اللذة مؤثرة، أم لا. وبعضها ينتفع به فى العلم به فقط، مثل قولنا: هل العالم أزلى، أم لا؟ وبعضها لا ينتفع بها أنفسها فى شىء من هذين المعنيين، بل هى معينة على بعض هذه. وذلك أن كثيرا من الأشياء ليس نريد أن نعلمها هى فى أنفسها، بل إنما نريدها لغيرها، أعنى لنعلم بها أشياء أخر. وهاهنا أيضا مسائل لها قياسات متضادة، وذلك أنه قد يقع فيها شك: هل هى كذا، أم ليس هى كذا؟ من قبل أن فى كلا المعنيين أقاويل مقعنة، والتى ليس لنا أيضا فيها حجة إذ هى عظيمة لظننا بأن قولنا فيها: لم ذلك؟ عسر — مثال ذلك: هل العالم أزلى، أم لا؟ فإن لمطالب أن يطالب بأمثال هذه. فقد حصلت المسائل والمقدمات كما قلنا.
पृष्ठ 485
والوضع هو رأى مبدع لبعض المشهورين بالفلسفة — مثال ذلك ما قاله أنطستانس أنه ليس لأحد أن يناقض، وما قاله ايراقليطس من أن كل شىء يتحرك، وما قاله مالسس من أن الكل واحد. وذلك أن من الحزن أن يهتم الإنسان بقول شاذ يحكم بضد الآراء، أو يهتم بالأشياء التى فيها قول مضاد للآراء — مثال ذلك القول بأن ليس كل موجودا إما مكونا وإما أزليا، كما تقول السوفسطائية إن الذى هو موسيقار ويصير نحويا ليس هو متكونا ولا أزليا. وذلك أن هذا، وإن كان لا يراه أحد، فقد يظن به أنه شىء لأن فيه قولا.
فالوضع أيضا مسئلة، وليس كل مسئلة وضعا، لأن بعض المسائل يجرى مجرى ما لا يعتقد فيها أن الأمر كذا أو كذا، والأمر فى أن الوضع مسألة ما، بين، وذلك أنه واجب ضرورة مما قلنا إما أن يتشكك الجمهور فى الوضع على الفلاسفة، وإما أن يتشك أحد الفريقين: أيهما كان، على أنفسهم، من قبل أن الوضع رأى ما مبدع.
وتكاد أن تكون المسائل الجدلية فى هذا الموضع تسمى أوضاعا؛ وليس فى ذلك خلاف كيفما قيل، لأنا لسنا نريد بقسمتها أن نخترع لها اسما، لكن الذى نريد 〈هو〉 ألا يذهب علينا فصولها أيما هى.
पृष्ठ 486
وليس ينبغى لنا أن نبحث عن كل مسئلة، ولا عن كل وضع؛ لكن يجب أن يكون بحثنا عما شك فيه شاك مما يحتاج فيه إلى قول، لا إلى عقوبة أو حس. وذلك أن الذين يشكون فيقولون: هل ينبغى أن يعبد الله، أم لا؟ وأن يجب أن يكرم الوالدان أم لا؟ يحتاجون إلى عقوبة. والذين يشكون فيقولون: هل الثلج أبيض، أم لا؟ — يحتاجون إلى حس. ولا يجب أن يتشكك أيضا فيما كان البرهان عليه قريبا جدا، ولا فيما كان البرهان عليه بعيدا جدا، فإن ذاك ليس فيه شك، وهذا أبعد كثيرا من أن يكون مقدمة يرتاض بها.
[chapter 12: I 12] 〈البرهان والاستقراء الجدليان〉
وإذ قد لخصنا هذه الأشياء فينبغى أن نميز وننظر كم أنواع الأقاويل المنطقية. فنقول: إن أنواعها نوعان: أحدهما استقراء النظائر، والآخر قياس. وقد قلنا ما القياس فيما تقدم.— و〈أما〉 الاستقراء فهو الطريق من الأمور الجزئية إلى الأمر الكلى — مثال ذلك أنه إن كان الربان الحاذق هو الأفضل، فالأمر كذلك فى الفارس؛ فيصير بالجملة الحاذق فى كل واحد من الصنائع هو الأفضل. والاستقراء هو أكثر إقناعا وأبين وأعرف فى الحس، وهو مشترك للجمهور. فأما القياس فهو أشد إلزأما للحجة وابلغ عند المناقضين.
पृष्ठ 487
[chapter 13: I 13] 〈الآلات التى يستخرج بها القياس〉
فقد لخصنا الأجناس التى فيها ومنها الأقاويل كما قلنا آنفا.
فأما الآلات التى بها يستخرج القياس، فأربع: إحداهن اقتضاب المقدمات؛ والثانية الاقتدار على تمييز كل واحد من الأشياء على كم نحو يقال؛ والثالثة استخراج الفصول؛ والرابعة البحث عن الشبيه. وقد توجد ثلاث من هذه بضرب من الضروب مقدمات، لأنه قد يمكننا أن نعمل فى كل واحدة منها مقدمة — مثال ذلك قولنا إن الجميل أو اللذيذ أو النافع مأثور، وإن الحس يخالف العلم بأن هذا يمكن إذا طرح أن يوجد، وذاك لا يمكن هذا فيه؛ وإن حال المنسوب إلى الصحة عند الصحة على مثال حال المنسوب إلى خصب البدن عند خصب البدن. فالمقدمة الأولى مأخوذة مما يقال على أنحاء كثيرة؛ والثانية من الفصول؛ والثالثة من الأشباه.
[chapter 14: I 14] 〈اختيار القضايا〉
पृष्ठ 488