76

त्यूनिस थैरा

تونس الثائرة

शैलियों

إننا نتتبع بمزيد العناية تقلب الأحوال العامة، خيرها وشرها، ونسعى جهدنا للنهوض بأمتنا إلى المرتبة التي تتطلع إليها بحكم ماضيها، وتستحقها بموجب رقيها الحاضر، ولقد أثلج فؤادنا عملها المتواصل الحلقات في شتى الميادين وما تبذله في سبيل إصلاح المجتمع وإنعاش الاقتصاد وتثقيف النشء وتنظيم الجماعات، فإنا واثقون بأنها تبرهن على نضج شعبنا واستكمال وعيه القومي ومدى تطوره، وعن استعداده للقيام بجميع المسئوليات التي لغيره من الشعوب الحرة، ومما يترتب عن هاته المسئوليات من واجبات وحقوق.

وإن الظروف العصبية التي يجتازها العالم، والنزعات التي يتخبط فيها، والاتجاهات المتعاكسة التي تكتسح قواه قد جعلتنا نشعر بشدة وطأتها عندما تنعكس على مملكتنا العزيزة، ولقد أثبت الماضي القريب أن الدول المولى عليها هي - كسواها من الدولة الحرة - لا تستطيع البقاء على عزلتها كما كان فيما مضى حتى ولو شاءت ذلك، ومما يجدر الإشارة إليه أن هذا الشعب الذي ساهم بكل ما في طاقته للقضاء على عوامل الطغيان وأبلى بلاء حسنا في الدفاع عن الحرية البشرية ومناصرة العدل، صار من حقه أن يستنشق نسيم الحرية، وأن يرتوي من مناهل العدل، وأن يتمتع بحقوقه الفردية والجماعية، وأن يعيش في اطمئنان، موفور الكرامة، في كنف السيادة القومية الكاملة، ليصبح كل فرد منه مؤمنا في قرارة نفسه بأن له ما لغيره من مواطني الأمم الديمقراطية التي شاركت في إنقاذ البشرية من الاستعباد، وعليه ما عليهم.

ولقد عملنا لإقرار هذه الحقائق، فجاء تصريحنا بوجوب إدخال الإصلاحات الجوهرية المتأكدة على نظام الحكم القائم في هاته البلاد، وسلكنا سبل التفاوض في معالجة المشاكل الناجمة من التعاقد المبرم بين دولتنا والجمهورية الفرنسية، فألفنا لهذا الغرض الوزارة الحالية التي منحناها ثقتنا، فكان أول أعمالها التحويرات التي أصدرنا في شأنها أوامرنا العلية بتاريخ الثاني من جمادى الأولى من هذا العام، وهي مرحلة أولية عزمنا على اجتيازها إلى مرحلة أخرى تتناول في آن واحد تعديل أداة التنفيذ وكيفية تركيزها على قاعدة تمثيل شعبنا في تشكيلات منتخبة وتحديد اختصاصات هاته التشكيلات.

ولقد ألهمنا الله عز وجل إلى هذا الإصلاح الجوهري، ووطد عزمنا على تحقيقه ما مارسناه في شعبنا من رغبة في الرقي السياسي، وما علمناه فيه من بلوغ الرشد والكفاءة، وهدانا إليه ديننا الحنيف بتعاليمه القيمة وإجماع الفقهاء على إقامة الشورى، ومراعاة ما تقتضيه سياسية الرعية من الرضاء والقبول للأحكام الماضية عليها، وحملنا عليها الاقتفاء بما سنه أسلافنا ملوك هذا البيت الحسيني المنيع من مبادئ ونظم كفيلة الحقوق، الخاصة منها والعامة، وإننا عهدنا إلى وزارتنا إنجاز ما يقتضيه هذا المشروع العظيم الأثر، البعيد الغاية، وإجراء الاتصالات اللازمة لذلك، واتخاذ أصلح التدابير لإعداد النصوص التي تقر نيابة منتخبة تمثل كافة طبقات شعبنا، ونأمل أن هذا الإصلاح الذي تتماشى روحه وتطور علاقات التحالف التي بيننا وبين الجمهورية الفرنسية ويوافق نية الطرفين في تنمية الرقي السياسي سيتحقق بروزه إلى حيز التطبيق.

والله أرجو أن ييسر ما عقدنا العزم على بلوغه بعونه تعالى، وأن يسدل علينا بمنه شآبيب العطف والتوفيق في حسن النوايا والعمل حتى يتبدل عسرنا يسرا وتعم الرفاهية مملكتنا المحروسة فتهنأ الخواطر وتطمئن القلوب، إنه السميع المجيب.

وازداد التوتر بين المقيم العام والحكومة التونسية، واتسعت شقة الخلاف إلى أن أصبح من العسير استئناف المفاوضات بينهما، وقد قطعت في الواقع منذ أشهر، بل كادت تقطع العلاقات كلها.

وقد ساند الموظفون الفرنسيون الكبار المستعمرين، بل كانوا لسانهم الناطق والمنفذين لإرادتهم والساهرين على امتيازاتهم، فحرصوا على أن يبقى النفوذ في قبضة الفرنسيين، ولم يتنازلوا حتى عن بعض المظاهر، ولم يقبلوا أن يكونوا تحت إشراف الوزير الأول ولو صوريا، وكانوا يقفون حجر عثرة في سبيل كل عمل تسعى إليه الوزارة التونسية، فتعطلت المصالح العامة وأصاب الإدارة العامة ضرب من الشلل، وقد لاحظ كل من بحث الحالة التونسية في هذه المدة وكل من زار تونس من الصحفيين الأجانب ما اعترى مؤسسات الدولة من عجز عن القيام بعملها العادي، وقال أحدهم:

2

بعد تحويرات 8 مارس 1951 لم تتقدم تونس نحو الحكم الذاتي ولا الاستقلال الداخلي، بل نحو الشلل الذي اعترى الحكومة؛ لأن مديري الإدارات من الفرنسيين يعرقلون كل عمل ويفسدون العلاقات بين تونس وفرنسا خاصة وأنهم هم المباشرون لتلك العلاقات.

ودلت التجربة التونسية على فساد النظام القائم بتونس لما فيه من خلط قانوني ومن اغتصاب السلطات الفرنسية لنفوذ السلطات التونسية اغتصابا سافرا، حتى أصبحت الدولة التونسية ذات رأسين: رأس فرنسي تعود على هضم الحقوق وسلب النفوذ، ورأس تونسي يسعى ليحكم ولم يتمكن من تنفيذ إرادته، ولا يمكن أن يعيش جسد يقوده رأسان متناقضان في ميولهما، وظهر جليا أنه يعسر أن تسير تونس نحو حكمها الذاتي ويستحيل أن تتقدم منظمات دولتها إلا إذا عوضت مديري إدارتها الفرنسيين بتونسيين.

अज्ञात पृष्ठ