وذكروهما في الطرق والأسواق بالدعاء عليهما. وبرز ياقوت إلى مضاربه بباب الكناس للتوجه إلى الكوفة، ومنع القرمطي منها إن حدث نفسه بورودها. ثم وردت الكتب والأخبار بانصراف القرمطي إلى بلده بما أخذه من الأموال والأمتعة والأحمال والأساري، فرد ياقوت وكثر الإرجاف بابن الفرات وابنه المحسن. فكتب إليهما المقتدر بالله رقعة تتضمن التسكين منهما، واليمين على حسن اعتقاده فيهما، وما هو عليه من الثقة بموالاتهما والإحماد لخدمتهما، وأمرهما بإظهارها لأهل الحضرة وإنفاذ نسخها إلى عمال المعاون والخراج. وركب أبو الحسن وابنه المحسن إلى المقتدر بالله في يوم الأحد لثمان بقين من صفر، فأصلح بينهما وبين نصر الحاجب، وأمرهم بالتضافر على ما فيه صلاح الدولة، وورد هلال بن بدر برسالة مؤنس إلى المقتدر بالله. فوصل وأداها وسمع جوابها، وعاد به إلى مؤنس من غير أن يحضر ابن الفرات، ووافق دخول مؤنس في أول شهر ربيع الأول، فخرج نصر الحاجب والأستاذون ووجوه القواد والغلمان لاستقباله. ثم دخل يوم الأحد لسبع خلون منه. ثم بدأ بدار المقتدر من وقته، وخدم وانصرف إلى داره، فركب ابن الفرات إليه للسلام عليه، ولم يفعل مثل ذلك أحد من الوزراء قبله، وأُوذن مؤنس به، فخرج إلى باب داره واستعفاه من الصعود فلم يعفه، وصعد وهنأه بمورده، ونهض لينصرف، فخرج مؤنس معه إلى
أن نزل إلى طياره وقبل يده، وسأله العود إلى موضعه ففعل. وركب أبو العباس بن المقتدر بالله إليه أيضًا فخرج حافيًا حتى نزل إلى طياره. وصار ابن الفرات وابنه المحسن من غد وهو يوم الاثنين إلى دار المقتدر بالله، ووصلا إليه وخاطباه بما أراداه ووليا للانصراف، فعاد المحسن وحده وقال للمقتدر بالله: قد عرفت يا أمير المؤمنين ضيق المال وكثرة النفقات، وها هنا وجوه ثلاثمائة ألف دينار تصح في مدة قريبة، فإن أذنت في استخراجها استخرجت. فقال: قد أذنت لك. وخرج فلحق أباه. فلما أرادا الخروج من الصحن التسعيني أقعدهما نصر الحاجب في مجلس بالقرب، وراسل الغلمان الحجية المقتدر بالله في القبض عليهما على لسان مفلح الأسود، فدخل وأدى إليه ذلك. ثم قال له: إن في صرف الوزير بقول هذه الطائفة خطأً في التدبير وإطماعًا للغلمان. فأمره بأن يخرج ويقول لنصر حتى يصرفه، ويقول للغلمان: إننا نفعل فيما راسلتمونا به ما يجري الأمر فيه على محابكم. فلم يقدم مفلح على الخروج إلى نصر بهذا الجواب ووقف عند الستر وقال: ينصرف الوزير. فتكلم الغلمان كلامًا كثيرًا حتى أنفذ إليه مفلح من وعدهم عن الخليفة بلوغ مرادهم، فحينئذ أذن نصر للوزير في الانصراف. فذكر بعض من كان معهما أنهما لم يزالا يمشيان في الممرات مشيًا سريعًا حتى نزلا إلى طيارهما، وقدما إلى دار الوزير وصعدا. وسار المحسن أباه سرًا طويلًا. ثم خرج ومضى إلى داره فجلس فيها ساعة حتى نظر في أمره واستتر. وجلس ابن الفرات ينظر في الأعمال وبين يديه جماعة من كتابه. ثم قام إلى دور حرمه فأكل عندهم. وخرج وقت العصر فتشاغل بالوقوف على ما ورد، وأمر ونهى على رسمه من غير أن يبين فيه خوف أو زوال عن العادة، وبات تلك الليلة على هذه الجملة، فحدث بعض خواصه أنه سمعه في آخر الليل وهو في مرقده يتمثل بهذا البيت: ن نزل إلى طياره وقبل يده، وسأله العود إلى موضعه ففعل. وركب أبو العباس بن المقتدر بالله إليه أيضًا فخرج حافيًا حتى نزل إلى طياره. وصار ابن الفرات وابنه المحسن
1 / 58