ولم يستطع خيري أن يجيب أمه، فقد شخص إلى الباب، وما إن فتحه حتى وجد نجيبا واقفا به، وكان قد غاب عنه فترة طويلة، فصاح به: أهلا، أين أنت يا ولد؟ - ألا تسأل أنت؟ النهاية، أريد فنجان قهوة.
وقاد خيري صديقه إلى غرفة الجلوس وأقفل الباب، وعاد إلى نادية يطلب إليها أن تصنع لهما قهوة.
وحين استقر المجلس بالصديقين راحا يديران بينهما الحديث، ونجيب يقص على خيري ما يعرض له في مهنة المحاماة التي احترفها، والتي أصبحت تدر عليه ربحا مرضيا، وبعد قليل وقت سمع خيري طرقا على الباب فقام يحضر القهوة من نادية، وقال نجيب وهو يشربها: أين تذهب اليوم؟ - أمرك. - عندي لك هدية. - خير؟ - بيت جديد عرفته. - كبيت مصر الجديدة! - وما له بيت مصر الجديدة! - والله عمك كان رجلا عظيما، ماذا فعل الله به؟! - مات وتزوجت الآنستان من شابين موظفين محترمين. - أتعرف العناوين؟ - يا حبيبي لذة العيش في التنقل، التنقل يا حبيبي التنقل، البيت الذي سنذهب إليه اليوم فيه امرأة لا تراها ولا على الشاشة الأمريكية. - وفيه لك عم أيضا؟! - لا، أخ، فزوجها رجل طيب، وابن حلال ويرضى بالقليل. - وما القليل؟ - جنيهان! - جنيهان؟! ألا تذكر القروش؟ - الحرب يا سيدي رفعت أسعار البضاعة، كانت أيام ومرت ولن تعود، ولكن الحق أن الجنيهين ثمن بخس بالنسبة للجمال الذي ستشاهده هناك. - سنرى. •••
نزل الصديقان في ميدان الدقي، وأخذ سمتهما إلى الشارع المفضي إلى الجامعة، ولم يطل بهما المسير، فقد أمسك نجيب بذراع خيري وحاد به إلى عمارة حديثة. وصعد بهما المصعد إلى الطابق الأعلى، فوجدا شقة لا تقابلها شقة أخرى، فدق نجيب الجرس وفتح الباب شاب أنيق الثياب جريء النظرة جبان النظرة، وحدق فيه خيري يريد أن يتذكر أين رآه، فقد كان واثقا أنه رآه، ولكن أين؟ لم يذكر.
وقاد الشاب الصديقين إلى حجرة للجلوس عبر ردهة صغيرة ضيقة، ولم يتكلم وإنما غاب عنهما لحظات وعاد فوجد على المنضدة أربعة جنيهات لم يكن في حاجة إلى عدها، فوضعها في جيبه، ثم ترك الغرفة وما لبث الصديقان أن سمعا صوت الباب الخارجي يفتح ثم يغلق، فقال نجيب لخيري: قم.
فقام خيري غير محتاج إلى دليل، فلم يكن بالبيت إلا حجرة أخرى، ففتحها ثم تولاه ذهول، وصاح: دولت؟!
ونظرت إليه دولت مشدوهة كأنما مسها صاعق، ثم سارعت تضع يديها كلتيهما على وجهها، وارتمت على الأريكة تبكي في خزي وألم.
وترك خيري الباب مفتوحا لم يقفله ولم يذهب إلى نجيب، وإنما قصد إلى الباب الخارجي وانصرف.
الفصل الأربعون
كان خيري جالسا في مكتبه بالوزارة منكبا على بعض أوراق حين أحس ظلا يلقى على الورق أمامه، فرفع رأسه ليرى وجها حاول أن يتذكر صاحبه، ولكن صاحب الوجه لم يمهله: خيري بك، أنا سكرتير يسري بك.
अज्ञात पृष्ठ