353

तावीलात

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

शैलियों

ثم أخبر عن تعجب مريم من أمر من بشرها بما بشرها ولم يمسها البشر بقوله تعالى: { قالت رب أنى يكون لي ولد } [آل عمران: 47]، الإشارة: إن الله تعالى خلق إظهارا للقدرة آدم من تراب بلا أب، وخلق حواء بلا أب ولا أم، وخلق عيسى ابن مريم بلا أب، حتى قالت: { رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمرا } [آل عمران: 47]؛ يعني: في الأزل { فإنما يقول له كن فيكون } [آل عمران: 47]، في الحال، وقوله تعالى كلام أزلي يتعلق بالإرادة الأزلية على وفق الحكمة القديمة بالشيء عند التكوين، فيكون الشيء كما شاء متى شاء، كما تعلق بعيسى عليه السلام لقوله تعالى:

إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون

[آل عمران: 59]، { ويعلمه الكتب والحكمة والتوراة والإنجيل } [آل عمران: 48]، { ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } [آل عمران: 49]، من غير واسطة، كما

وعلم ءادم الأسمآء كلها

[البقرة: 31].

واعلم أن الروح الإنساني؛ الذي هو خليفة الله في الأرض معلم من ربه واستخلفه العلم والحكمة والكتابة أو القراءة، بل هو قابل أنوار جميع الصفات خلافة عنه، حتى القدرة على الخلق والأحياء، والإبراء والإنباء، وغير ذلك من الآيات التي هي من نتائج القدرة، ثم إذا تعلق بالقالب المنشأ من العناصر الأربع، وحجب الظلمات المنشأ من شهوات الأبوين، احتجب عن القلوب أنوار الصفات إلى أن يخرجه مدد العناية بطريق الهداية، وإن كان الروح روح النبي صلى الله عليه وسلم من حجب الظلمات إلى أنوار الصفات، كما قال تعالى:

يخرجهم من الظلمات إلى النور

[البقرة: 257]، فيصير في الخلافة قابل أنوار تلك الصفات بقوة الاستعداد الروحاني والجسماني، فيظهر على النبي صلى الله عليه وسلم آيات المعجزات وعلى الولي آيات الكرامات، فلما كان روح عيسى عليه السلام وذرة طينة السعي استخرجت من ظهر آدم عليه السلام محبته عند الله تعالى ولم ترد إلى ظهره حتى ألقاها إلى مريم بتوليه من غير شوب بظلمات شهوات الأبوين؛ ولهذا سمي - روح الله - لأنه كان قابل أنوار الصفات في بدء أمره وحالة طفوليته، ويكلم الناس في المهد وكهلا، ويكتب ويقرأ التوراة والإنجيل من غير تعلم، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ويبرئ الأكمة والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وكذلك جميع الآيات الظاهرة منه، كما قال تعالى: { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } [آل عمران: 49]، بأن الله هو مقدر هذه الأسباب ومدبرها ومسببها، وكان عيسى عليه السلام بهذا الاستعداد { ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون } [آل عمران: 50]، ومحلا لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم وجاءهم الآيات الدالة على رسالته، وقال لهم: { فاتقوا الله } [آل عمران: 50]؛ أي: اتقوا معاصيه، وأطيعوا أمري، { إن الله ربي } [آل عمران: 51]، خلقني مستعدا؛ لإظهار هذه الآيات { وربكم } [آل عمران: 51]، خلقكم عاجزون عنها { فاعبدوه } [آل عمران: 51]، بالواحدانية من غير الشرك به { هذا صراط مستقيم } [آل عمران: 51]، توصلكم الله إليه.

[3.52-56]

ثم أخبر عن إحساس عيسى عليه السلام لما كفر الناس بقوله تعالى: { فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله } [آل عمران: 52]، إشارة في الآية: إن عيسى الروح أحسن من النفس وصفاتها الكفر، { قال من أنصاري إلى الله } [آل عمران: 52]، أعواني في الله { قال الحواريون } [آل عمران: 52]؛ يعني: القلب وصفاته { نحن أنصار الله } [آل عمران: 52]؛ أي: أعوان الله في نصرة الحق { آمنا بالله } [آل عمران: 52]؛ أي: بوحدانيته والتبري عن غيره { واشهد بأنا مسلمون } [آل عمران: 52]؛ أي: مستسلمون لأحكامه، راغبون بقضائه، صابرون على بلائه { ربنآ آمنا بمآ أنزلت } [آل عمران: 53]، من الحكم والأسرار واللطائف والحقائق { واتبعنا الرسول } [آل عمران: 53]، الوارد من نفخات ألطافك ومنحات إعطائك { فاكتبنا } [آل عمران: 53]، فاجعلنا { مع الشهدين } [آل عمران: 53]، الذين يشهدون شواهد جلالك ويشاهدون أنوار جمالك { ومكروا } [آل عمران: 54]؛ يعني: النفس وصفاتها والشياطين وعنانها في هلاك الروح { ومكر الله } [آل عمران: 54]، بتجلي صفات قهره في فناء النفس وصفاتها { والله خير الماكرين } [آل عمران: 54]، في قهر النفس وصفاتها بالسوء وإفناء صفاتها، وقمع هواها وقلع شهواتها.

अज्ञात पृष्ठ