يعني أن التزكية لا تكون إلا بهذين اللفظين معا وهو أن يقول المزكي بكسر الكاف في المزكى بفتحها هو عدل رضى وهذا هو التعديل التام على القول المشهور المعمول به لقول الله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقوله {ممن ترضون من الشهداء} فالعدالة تشعر بسلامة الدين والرضى يشعر بالسلامة من البله. فلهذا كان الجمع بينهما واجبا. ونقل عن بعضهم جواز الاكتفاء بأحد اللفظين. وفهم من قوله فليقل عدل رضى أنه لو قال ممن تقبل شهادتهم أو يقضي بشهادته أو نعم الرجل أو رجل دين أو خير لا يكون تزكية. وقد رأيت بعض الموثقين يكتفي بقول المزكي هو رجل مليح خير ويكتب في الرسم بدله عدل رضى حرصا على أخذ المال القليل العاجل ولا ينظر عقاب الله بوعيده الأجل لأنه من الزور المحض الذي لا يفعله إلا أهل الأهواء والجنون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون تنبيهان (الأول) لا يجب على شاهد التعديل ذكر أسباب العدالة لأنها ظاهرة لا تخفى على أحد ولذلك لم يختلف الناس في الأوصاف الموجبة للعدالة بخلاف الجرح فإنه لا يقبل مجملا إلا من # عالم بأن يقول هو مجرح بفتح الراء أو مردود الشهادة بل حتى يقول رأيته يفعل كذا أو يترك كذا من أسباب التجريح لئلا يعتقد أن الأمر الذي رآه يفعله يكون جرحة مثلا مع أنه عند الشرع ليس بجرحة كما إذا رآه يبول قائما إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا يكون بها التجريح (الثاني) لا تجوز الزيادة على القدر الذي تحصل به الجرحة فلا يقال فيمن هو معروف بالكذب كذاب بصيغة المبالغة بل يقتصر على أصل الفعل فيقول هو كاذب إذ التجريح حصل به والقدر الزائد لا فائدة فيه كما إذا قال هو شارب خمر ويعامل بالربى مثلا فيكون الزائد عليه غيبة ترد بها شهادته لأنه صار ذا جرحة بالغيبة لكن هذا أن كان عالما بأن التجريح يكفي بأصل الفعل أو ببعض ذلك والأصح تجريحه على الأصوب لأنه لم يقصد الغيبة وإنما قصد التجريح فقط قاله ابن راشد في الفائق قوله
(وثابت الجرح مقدم على ... ثابت تعديل إذا ما اعتدلا)
يعني أن الشاهد إذا عدله قوم وجرحه آخرون واستوى الفريقان في العدالة فإن من أثبت الجرح مقدم على من أثبت العدالة أما أن كانت إحدى البينتين أعدل من الأخرى فهي التي تقدم كذا قيل وهو ظاهر كلام الناظم والقول المشهور الراجح خلافه وهو أن بينة الجرح تقدم على بينة التعديل مطلقا لأنها اطلعت على ما لم تطلع عليه بينة التعديل وبما قررنا به كلام الناظم بناء على أن ما بعد إذا زائدة فيكون منطوقه صورة ومفهومه صورتان كما علمت أما إذا جعلت ما نافية بمعنى لم لا زائدة لأن مجيئها نافية بعد إذا وارد كما في المغنى فيكون التقدير وثابت الجرح مقدم على ثابت تعديل إذا لم يعتدلا فمفهومه إذا اعتدلا فكذلك فمنطوقه صورتان ومفهومه صورة واحدة عكس ما قررنا به أولا وعلى هذا التقدير فبينة الجرح تقدم على بينة التعديل مطلقا في الصور الثلاثة فيكون الناظم جاريا على القول المشهور والراجح وعلى هذا لو قال
وثابت الجرح مقدم على ... ثابت تعديل يكون مسجلا
لكان أحسن وقوله # (وطالب التجديد للتعديل مع ... مضي مدة فالأولى يتبع)
पृष्ठ 78