بسم الله الرحمن الرحيم
पृष्ठ 2
يقول العبد الفقير إلى الله عز وجل أحكم الحاكمين عثمان بن بلقاسم بن المكي شهر عثمان بن المكي التوزري الزبيدي وفقه الله تعالى بمنه وكرمه آمين, الحمد لله الذي أوجب على أولي الأمر العدل في القضآء بين الناس وإقامة الميزان. وحرم الظلم والجور وشهادة الزور وأكل أموال الناس بالباطل وما يخل بعادلة الانسان. وأمر بحفظ اليمين ومدح من أمر بالصلح بين الخصوم ليزول عنهم الشحنآء والشنئان. وأباح لنا النكاح. وحرم علينا الزنى والسفاح. وأحل الطلاق والبيع وحرم الربا والخدعة والتدليس. وأمر بالوصية وقسم المواريث بنفسه سبحانه وتعالى بين خلقه ليأخذ كل ذي حق حقه من ذلك بلا نزاع من الخسيس والنفيس. فيا ويل من منع أصحاب الحقوق من ذلك وما أبعده عن الجنة. لاقتدائه بعمل الجاهلية في حرمان الاناث من الميراث وتركه ما جاء به الكتاب والسنة. والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الشريعة السمحآء الطاهرة. المؤيد صدقه بالمعجزات والحجج # الباهرة الظاهرة, النبي الأمين والرسول الكريم المختار. وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابع التابعين السادة الأبرار. وعلى العلماء الذين هم ورثة الأنبيآء أوليآء الله تعالى الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وعلينا معم صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم القرار فريق في الجنة وفريق في النار. اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك وأستعيذك من الشيطان الرجيم ومن شر القرين الغدار. ومن شر شرار هذه الأمة الدجالين الفجار. وبعد فهذا شرح لطيف المباني سهل المعاني. على تحفة الحكام حملني عليه تسهيل طريق العلم للمتعلمين. وإحياء صناعة التآليف للمعاصرين. رجاء لتحصيل الأجر والثواب من رب العالمين. لا لحظوظ النفس واتباع الهوى. وقد قال عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. سميته (توضيح الاحكام على تحفة الحكام) لخصته من شروحها وغيرها من الكتب المعتمدة بتتبع مسائل كل باب من الأبواب. متحريا في ذلك بقدر جهدي ومعبرا عن معانيها بعبارات واضجة أشهى من لي اللباب. عند ذوي الألباب. ينشرح له صدر الكريم المنصف الودود. ولا علينا فيما يتقوله اللئيم الحسود. فكان من الواجب على من استنقصه وازدرى به من أهل الفخفخة الفارغة أن يأتي بأحسن منه لينتفع به الناس. فهذا القلم والدواة والكتب والقرطاس. يا أهل السفائف الغمازين الهمازين. هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين. وإني على يقين بأنني لست من الكاملين. وأنه لا ينجو أحد من الخطأ والزلل. وإلا من عصمه الله عز وجل. فنسأله سبحانه وتعالى أن ينجينا من العثرات. ويحفظنا من الهفوات. وعلى كل حال فالتشبه بالرجال والاشتغال بالعلم خير ونعيم. والرضى عن النفس والاشتغال بالناس والقيل والقال شر ذميم. فسوداء ولود خير من حسناء عقيم. من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه. واشتغاله بما له فائدة فيه. إذ لا يخفى أن منزلة العلم عند الله تعالى من أعلى المنازل. وفضيلته من أفضل المثائر والفضائل (فصل) فيما جاء في فضل العلم والاشتغال به من الكتاب والسنة وكلام الأئمة. قال أبو حفص # عمر بن علي اللخمي السكندراني المعروف بابن الفاكهاني ومن افخر ما جاء به الكتاب العزيز في ذكر العلم إعلام الله تعالى نبيه تعظيم منته عليه فقال عز وجل وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما. وقال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. إنما يتذكر أولوا الألباب. ومما يدل على فضل العلم عما دونه من سائر الطاعات قصة آدم والملائكة عليهم السلام إذ قال الله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال أني أعلم ما لا تعلمون} لما ذكرت الملائكة من الاسماء وأراد أن يخصه بذلك رفعا لقدره عليهم وتمييزا لصفته على صفتهم ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين فلما تبين لهم أنهم غير عالمين بما سئلوا عنه قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فأمر الله تعالى آدم أن ينبئهم فأنبأهم واعلمهم ما لا يعلون فأمروا عند ذلك بإظهار التعظيم له والتفخيم لشأنه بأن يسجدوا له وقيل لهم اسجدوا لآدم فخروا له جميعا ساجدين لم يتخلف عن السجود أحدا إلا إبليس فاستوجب من الله اللعنة إلى يوم الدين. ومما يدل على فضل العلم وفضيلته على ما عداه من الطاعات قصة موسى صلى الله عليه وسلم نجي الله وصفوته الذي اختاره على أهل زمانه قال له أني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي لما علم صلى الله عليه وسلم أن في الأرض من هو أعلم منه رحل في طلبه هذا مع ما آتاه الله عز وجل من العلم فقال تعالى وكتبنا له فب الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء رحل في طلب زيادة علم فقال لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا أي زمنا غير محدود بل يسير أبدا فلو كان فوق العلم رتبة لكانت نفسه الزكية وعقله الاشرف إلى ذلك أشرق وأرغب في تحصيله مما هو دونه وقد تضمنت قصة موسى عليه السلام ابطال قول من يدعي في المكاشفة والاطلاع على الغيوب وتحصيل العلم أنه يؤخذ من ممارسة # الفكر والتقشف والاقبال على الحق بالكلية وغير ذلك من دعاويهم فلو كان الامر كذلك لدله الخضر عليه السلام على استعمال الفكرة والتقشف وما اشبه ذلك ولم يكتم عليه النصيحة حيث قال له هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت منه رشدا. ومما يدل على شرف العلم في كتاب الله عز وجل قصة سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد حيث قال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لاعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فما راح نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم عن مجلسه أن جاء الهدهد فقال احطت بما لم تحط به انظر استعلاء حجته بالعلم وكيف اطمأنت نفسه وقوي كلامه في مجلس نبي الله وعظيم ملكه الذي وهب له ملك لا ينبغي لاحد من بعده من الجن والانس وتفخيم نفسه عليه بقوله احطت بما لم تحط به فسكن غضبه وهدأ جاشه عما توعده به من العذاب والذبح لمكان ما هو عليه من العلم الذي ادعاه واكرمه وجعله سفيره ورسوله إلى بلقيس ولا يعظم إلا معظما. ومن اعذب ما وقعت به الاشارة إلى ذلك قوله تعالى {وما علمتم من الجوارح مكلبين} إلى قوله {مما لآمسكن عليكم} ومعلوم أنه لا أخس في النفوس من الكلب ثم وقع الاهتمام به فيما يتعلق بعلمه حتى كان فعله معتبرا بأن كان صيده مباحا محترما لا يجوز اتلافه عبثا بخلاف ما قتله كلب غير معلم فانه محرم نجس مبعد مرفوض وصورة القتل والخذ في الموضعين لا تختلف لكن لمكانة علم احد الكلبين فضل عمله والاخر لمكانة جهله دحذ عمله فهذا يدل دلالة واضحة على شرف العلم في نفسه إذ قد شرف غيره به فلولا شرفه في نفسه لما شرف غيره به. وقد شرف الله العلماء غاية الشرف حيث أوقع ذكرهك في ثالث رتبة منه فقال تعالى شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة واولوا العلم وناهيك بها مزية تخصيصهم بهاته الرتبة دون سائر الخلق. ومن ذلك قوله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فأشار تعالى إلى أن ترد اليهم الامور المشكلة لكونهم # أعلم باسباب كشف حكم الله في كل معضلة. وقال تعالى واطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم قال المعتبرون من اهل التفسير أولوا الامر العلماء فقرن طاعتهم بطاعته لكونهم حمال شريعته. وقال تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات فذكر اهل العلم مرتين عموما ثم خصوصا تنويها بذكرهم. وقال تعالى فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون فامر الجهال بسؤال العلماء لكونهم ورثة الانبياء عليهم الصلاة والسلام إلى غير ذالك من الايات الداله على فضيلة العلم وشرفه. واما ما جاء في ذلك من السنة فكثير لا يعد ولا بحصى. من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وفي هذا الحديث من الفقه أن الله سبحانه وتعالى قال أن الدين عند الله الاسلام وكون المراد بالدين هاهنا الاسلام بدليل حديث نبي الاسلام على خمس شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاه وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا فالفقه في الدين هو الفقه بهذه الخمس وذلك هي عبادة محضة وهي تكمله اسلام المؤمن وما يتفرع منها حاوية شاملة لما تقررت فيه الذاهب اصولا وفروعا. وقوله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يبتغي به علما سلك الله به طرقا من طرق الجنة وان الملائكة لتضع اجنحتها رضى لطالب العلم وان العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الارض والحيتان في جوف المآء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر في ليلة البدر على سائر الكوكب وان العلمآء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وورثوا العلم فمن اخذه اخذ بحظ وافر فقوله عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الانبيآء غاية في التفصيل فإن ما خلف الشيء قام مقمه فيشمله من فضل اصله ومعلوم أن العلماء ورثة الانيبآء فيما اوحي إلى الانبياء لأن النبي إنما أرسل ليبين الخليفه. قال تعالى وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم والعالم يقوم هذا المقام بعد النبي صلى الله عليه وسلم فانه يحفظ الشريعه وما انزل إلى الرسول ويبلغه الناس ويبين لهم ما أشكل عليهم من امر دينهم الذي كان بيانه على الرسول # فسد العلمآء في ذلك مسد الأنبياء وقاموا مقامهم فكأنهم في المعنى انبيآء لانهم يكلمون الناس بما أوحى الله تعالى والوحي اوتي اليهم بواسطة الرسول والتعليم كما أوتي الوحي إلى الرسول بواسطة الملك وقد جعل الله تعالى رتبتهم تلي رتبة الأنبياء. قال عز وجل وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فقيل أولوا الامر علماء الدين كما تقدم إلا أن قوله عليه الصلاة والسلام وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم تنبيه على أن جمع الحطام ليس من شيم الانبياء عليهم الصلاة والسلام وحق الوارث لهم والنازل منزلتهم أن يكون فيما ورثه عنهم لا يتخذ العلم سوقا ويجعله لكسب الدنيا طريقا. قال سحسون رحمه الله لأن اطلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إلي من أن اطلبها بالدين. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين ولفيقه واحد أشد على ابليس من الف عابد ولكل شيء قوام وقوام الدين الفقه ولكل شيء دعامة ودعامة الدين الفقه. واما ما جاء في ذلك من الاثار عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال تعلموا العلم فإن تعلمه له حسنة وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة. وعن وهب ابن منبه قال يتشعب من العلم الشرف وان كان صاحبه دنيا والعز وان كان مهينا والقرب وان كان قصيا والغنى وان كان فقيرا والمهابة وان كان وضيعا والسيادة وان كان سفيها. وعن الفضيل رضي الله عنه عالم معلم يدعي كبيرا في ملكوت السماوات. وقيل العالم كالعين العذبة نفعها دائم. وقال الشافعي رحمه الله طلب العلم افضل من صلاة النافلة. وقال ليس بعد الفرآئض افضل من طلب العلم. وقال من اراد الدنيا فعليه بالعلم ومن اراد الخرة فعليه بالعلم. وقال أن لم يكن العلمآء اولياء فليس لله ولي. وقال البخاري في أول كتاب الفرآئض من صحيحه قال عقبة بن عامر رضي الله عنه تعلموا العلم قبل الظانين قال البخاري يعني الذين يتكلمون بالظن ومعناه تعلموا العلم من الهله المحققين الورعين قبل ذهابهم ومجيء قوم يتكلمون في العلم تميل اليه # نفوسهم وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي وفي الفائق لابن راشد القفصي قال سمعت الامام الاوحد ناصر الدين ابن المنسر رحمة الله عليه يقول بالاسكندريه المحروسه أبو الافادة أفضل من أبي الولادة قال لأن الله عز وجل علم آدم الاسماء كلها ثم أمره أن يعلمها الملائكة قال فلما علمهم إياها حصل له عليهم فضل العلم على المتعلم فامرهم الله عز وجل عند ذلك بالسجود له قال فقد أمر الله بالسجود لابي الافادة ولم يأمر به لابي الولادة وما ذكره رحمة الله تعالى عليه من اقوى الادلة على فضل العلم. واما ماجاء في فضيلة التعليم قول الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون} فقوله لينذروا قومهم المراد به التعليم والارشاد. وقوله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتموه} وهو إيجاب التعليم. وقال عليه الصلاة والسلام ما اتى الله عالما علما إلا اخذ الله عليه من الميثاق ما اخذ على النبيئين أن يبينه للناس ولا يكتمه. وقال لمعاذ لما بعثه إلى اليمين لا يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها. ثم قال ابن الفكهاني واعلم أن كل من ذكرنا من الفضل في طلب العلم إنما هو فيمن أراد به وجه الله تعالى لا لغرض من الدنيا ومن اراده لغرض دنيوي مال أو رئاسة أو منصب أو وجاهة أو شهرة أو استمالة الناس اليه أو قهر المناظرين بالحق أو نحو ذلك فهم مذموم حرام. قال الله تعالى {من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}. وقال تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما يشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا. وقال تعالى وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. وقال عليه الصلاة والسلام من طلب العلم ليماريى به السفهاء ويكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس اليه فليتبوأ مقعده من النار وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه. وعنه صلى الله عليه وسلم شر الناس شرار العلماء. وعن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال يا حملة العلم اعملوا به فانما العالم من # عمل بما علم ووافق علمه عمله فيسكون امرآء يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخاف عملهم علمهم ويخالف سريرتهم علانيتهم يحلقون حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى أن الرجل ليغضبه على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولائك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى. وعن حماد ابن سلمة من طلب العلم لغير الله مكر به. ومن أفضل ما يستعان به على طلب العلم تقوى الله العظيم فانه تعالى يقول واتقوا الله ويعلمكم الله. وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا فحصول الفرقان وهو الفرق بين الحق والباطل لا يكون إلا بتقوى الله عز وجل انتهى فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجه الكريم أنه على ذلك لقدير وبالإجابه جدير. وكان ممن شملته عناية الله تعالى فجد في طلب العلم وتحصيل مهماته فتعلم وتحلى بفضيلته وعلم فانتفع الناس بعلومه في حياته وبعد مماته أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها العلامة الرئيس كان مولده في يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأولى من عام سين وسبعمائة وولى خطة القضآء في صفر من عام عشرين وثمانمائة بمدينة واد ءاش ثم نقل عنها إلى قضاء الجماعة بحضرة غرناطة وتوفى في يوم الخميس حادي عشر شوال عام تسعة وعشرين وثمانمائة. ومن شيوخه الاستاذ الشهير أبو سعيد فرج بن لب وله تئاليف عديدة مفيدة تدل على غزارة علمه ومكانة تحصيله. منها رجز مهيع الوصول في علم الأصول أصول الفقه. والرجز الصغير سماه مرتقى الاصول في الوصول كذلك. ونظم اختصار المواقيت. وقصيدة ايضاح المعاني ف قراءة الداني. وقصيدة الامل المرقوب في قراءة يعقوب. وقصيده كنز المفاوض في الفرائض. ورجز الموجز في النحو مثل رجز ابن مالك. وكتاب الحدائق في الادب. واراجيز تحفة الحكام التي. عم بها النفع بين الأنام في ذيل الديباج وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله
(ألحمد الله الذي يقضي ولا ... يقضى عليه جل شأنه وعلا) # (ثم الصلاة بداوم الأبد ... على الرسول المصطفى محمد)
पृष्ठ 9
(وآله والفئة المتبعه ... في كل ما قد سنه وشرعه)
पृष्ठ 10
بدأ الناظم رحمه الله تعالى كتابه بحمد الله اقتداء بالكتاب العزيز في فاتحة الكتاب على القول بان البسملة ليست آية منها وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو اقطع وفي رواية بحمد الله وفي روايه بالحمد فهو أقطع وفي رواية كل كلام لا يبدأ فيه بحمد لله فهو أجذم وفي روايه كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو اقطع وفي الفواكه الدواني على رسالة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني لا تعارض بين هاته الروايات لأن المقيد منها يحمل على المطلق في كل لفظ ابتدئ به منها يحصل المقصود لأن الغرض الثناء على الله وهو يحصل بمطلق ذكر ولا يقال القاعدة عكس هذا الحمل لأن المعروف عند الأصوليين حمل المطق على المقيد كما في آيتي الظهار والقتل فانهم حملوا الرقبه المطلقة في الظهار على المقيدة في كفارة القتل بالمؤمنة لأن نقول قاعدة الأصوليين مشروطة بكون القيد واحدا واما إذا تعددت القيود وتخالفت فيرجع للمنطق أو يحمل حديث البسملة على المبدأ الحقيقي وهو جعل الشيء أول عمل يعمل بحيث لم يسبقه شيء وحديث الحمدلة على الاضافي وهو الذي يكون أمام المقصود بالذات أو أن الغرض من الروايات تخيير البادئ في العمل برواية منها لأن الخبرين إذا تعارضا ولم يعلم سبق ولا نسخ فإنه يخير في العمل بإحداهما على رأي بعض أهل العلم كما في الأصول انتهى. فإن قيل لما لم يبدأ مالك رضي الله عنه في موطاه بحمد الله تعالى كما جاء في الحديث وهو في الحديث ماهر فما وجه تركه لذلك. أجيب بما أن الذي يقتضيه الحديث أن يحمد لا أن يكتب ولا خفاء في أن مالكا رحمه الله حمد الله بلسانه فإن الحديث مشهور فيبعد خفاؤه عليه أو أن لفظة الحمد ليست متعينة لتسميته حمدا لقولهم الحمد هو الثناء وقد أثنى على الله تعالى في كتابه الموطأ فقال بسم الله الرحمن الرحيم # قالوا والتسمية من أبلغ الثناء ويؤيد هذا مجيئه في رواية كما تقدم. وقوله ذي بال أي صاحب شأن وحال يهتم به ومعني اقطع أو إجذم ناقص ومن المعلوم أن الشيء الناقص لا يهتم به ولا يعتبر لأنه قليل البركة ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى تستحب البداءة بالحمد لله والصلاة على النبي صلي الله علية وسلم لكل مصنف ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج ومزوج وسائر الأمور المهمة وأن تقديم الثناء على الله تعالى بمنزلة هدية المستشفع قبل مسألته رجاء أن ينتفع بذلك في قضاء حاجته. ومعنى الحمد الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله ولام الله للاستحقاق أي جميع المحامد مستحق لله تعالى ومعنى الله هو المعبود بحق. قال بعض العلماء يجب علي الإنسان أن يحمد الله في ثمانية أوجه. الأول أن أوجده من العدم. الثاني أن خلقه حيوانا ولم يخلقه جمادا. الثالث أن خلقه ناطقا ولم يخلقه غير ناطق. الرابع أن خلقة ذكرا ولم يخلقه أنثى. الخامس أن خلقه مسلما ولم يخلقه كافرا. السادس أن جعله سنيا ولم يجعله بدعيا. السابع أن جعله من أهل العلم ولم يجعله من أهل الجهل. الثامن أن وفقه لمعرفة هذا الرب ولم يضلله. وزيد عليها نعم نيل اللذات. وسلامة الحواس. وما ينتفعون به مما تميل إلية طباعهم وتصلح عليه أجسامهم وغير ذلك من النعم التي لا تحصي كثرة ومن حصرها في الثمانية فلعله أراد المهم من ذلك والله أعلم. وقول الناظم (الذي يقضي ولا يقضى علية جل شأنا وعلا) وصف كمال وعظمة الله تعالي يجب علي كل مكلف اعتقاده ومعناه أنه سبحانه وتعالى يحكم ولا يحكم عليه جل شأنه وعظم أمره وعلي قدره لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وفي البيت إشارة لطيفة إلي كون القاضي لما كان مقضيا عليه من الله سبحانه وتعالي ومن السلطان الذي والاه يجب عليه أن يستشعر بذلك الخوف من عاقبة الجور والظلم والحكم بالظن ويتحرى الصواب للعدل قال العلامة الجليل النوازلي الشيخ الزقاق في المنظومة الفرعية ما نصه
पृष्ठ 11
وفكرك فرغ واطلب النص وافهمن ... فبعد حصول الفهم قطعا لتفصلا # ويتذكر يوم القضاء والفصل الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأن الذي بيده من القضاء يزول ولا يدوم يماثله ما بيد من ولاه من الملوك والسلاطين. وإنما القضاء الحقيقي لله رب العالمين يقص الحق وهو خير الفاصلين. وفي البيت أيضا من المحسنات البديعية براعة الاستهلال وهي أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يشعر بمقصوده فإنه لما كان قصده أن يتكلم في أحكام القضاء ذكر وصفا من أوصاف الله تعالى وهو أنه يقضي ولا يقضى عليه. ولما حمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه أتبعه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليه فقال
(ثم الصلاة بدوام الأبد ... على الرسول المصطفى محمد)
إلا أنه فاته ذكر السلام مع الصلاة الذي هو مستحب على أن الجمع بينهما وبين ذكر الآل والصحب وغيرهما ممكن في بيت واحد كقول الشيخ ابن عاشر في المرشد المعين
صلى وسلم على محمد ... وآله وصحبه والمقتدي
पृष्ठ 12
وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله العزيز أن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وخص السلام بالمؤمنين في الآية دون الله والملائكة لأن السلام تسليم النبي صلى الله عليه وسلم عما يؤذيه فلما جاءت هذه الآية عقب ذكر ما يؤذيه والاذاية إنما هي من البشر ناسب التخصيص بهم كذا نقله الشريف العمراني عن بعض الفضلاء ومعنى الصلاة والسلام والرسول والمصطفى واضح وقوله بدوام الأبد متعلق بمحذوف حال من الصلاة أي مؤقتة بدوام الأبد. وآله صلى الله عليه وسلم أقاربه المؤمنون من بني هاشم. ومعنى الفئة الجماعة والمتبعة يجوز فيه كسر الفاء وفتحها والمراد بالفئة المتبعة الصحابة والتابعون وتابع التابعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولا شك أنهم متبعون بطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته مما شرع لهم من الدين قال عليه الصلاة والسلام خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الحديث وجملة شرعه عطف تفسير على جملة سنه. فائدة الشرع لغة البيان واصطلاحا تجويز الشيء أو تحريمه أي # جعله جائزا أو حراما. الشارع مبين للأحكام. الشريعة الطريقة في الدين. المشروع ما أظهره الشرع. الدين ما ورد به الشرع من التعدد وقوله
(وبعد فالقصد بهذا الرجز ... تقرير الأحكام بلفظ مؤجز)
(أثرت فيه الميل للتبيين ... وصنته جهدي من التضمين)
(وجئت في بعض من المسائل ... بالخلف راعيا لاشتهار القائل)
(فصمته المفيد والمقرب ... والمقصد المحمود والمتخذ)
الأبيات الأربعة يعني مهما يكن من شيء بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله وإله والجماعة المتبعين له فيقول ناظمه أن المقصود بهذا النظم الذي هو من بحر الرجز تقرير الأحكام وتبيينها بلفظ موجز أي بكتاب مختصر قليل الحروف كثير المعاني حالة كونه اختار فيه الميل والركون للتبيين ولو أدي إلى بعض البسط في العبارة خوفا من عيب الإجمال والخفاء والاحتمال إذ الحكم بالمجمل أو المحتمل لا يجوز وأنه صان رجزه وحفظه بقدر جهده وطاقته من عيب التضمين وهو أن لا يتم معني البيت إلا بالذي يليه بأن تتعلق قافيه البيت الأول بالبيت الثاني كقول أبي إسحاق إبراهيم بن الحاج أحد شيوخ الناظم لا معاصر ابن رشد في أرجوزته المسماة بالياقوتة في حكم رجوع الشاهد عن شهادته
وإن يك الرجوع بعد الحكم لم ... يجز ويغرم امتثالا للحكم
جميع ما اتلف بالشهادة ... فصل وفي بدء وفي إعادة
يلزم من يقضي بأن يسعف من ... كلفه الكتب لحكام الزمن
पृष्ठ 13
بما به قضي إلى آخر ما قال في الأبيات التي تعلق فيها كل من قافية البيت الأول بالثاني وانه في الغالب إذا كانت المسألة خلافية يقتصر فيها علي ذكر قول واحد أما لمشهوريته أو لجريان العمل به وفي غير الغالب يذكر ما جاء من الخلاف في المسألة بأن يحكي # فيها قولين أو أكثر لغرض له في ذلك أما لشهرتها أو لجريان العمل بجميعها أو لكون القائل بها مشهورا بالعلم والديانة له مكانة في تحقيق النوازل تمنع من إهمال قوله فلربما يحتاج إلى العمل به في بعض الأحوال وإن خالف الأقوى منه. ومعتمد في نقله لرجزه هذا على مفيد الحكام للقاضي أبي الوليد أحمد بن هشام الهلالي الغرناطي المتوفي عام خمسمائة وثلاثين والمقرب والمنتخب لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين بفتح الزاي والميم وكسر النون كان من كبار الفقهاء المتوفي عام ثلاثمائة وتسع وتسعين. والمقصد المحمود لأبي الحسن علي بن محمد الصنهاجي من بلاد الريف قاضي الجزيرة الخضراء الأندلسية ولهذا نسب إليها فقيل فيه الجزيري المتوفي عام خمسمائة وخمسة وثمانين كما في الديباج وقدمهم على غيرهم في الاعتماد لشهرتهم في علم القضاء وأمانتهم وكمال معرفتهم في نقل من كتبهم المذكورة مسائل مهمة لا أنه ضمن جميع ما فيها وفي تسمية هذه الكتب تورية وإشارة إلى أن هذا النظام مشتمل على هذه الأوصاف وهي كونه مفيدا ومقربا ومنتخبا مقصدا محمودا لمن وفقه الله تعالى للاعتناء به وقوله
(نظمته تذكرة وحين تم ... بما به البلوى تعم قد الم)
(سميته بتحفة الحكام ... في نكت العقود والأحكام)
(وذاك لما أن بليت بالقضا ... بعد شباب مر عني وانقضا)
पृष्ठ 14
الأبيات الثلاثة أخبر الناظم رحمه الله تعالى أنه لما أبتلي بخطة القضاء بعد مرور الشباب وإنقضائه كما تقدم بيانه في ذكر تاريخه نظم هذا الرجز ليكون تذكرة ومرجعا لمن أراد المراجعة فيه وحين تم وأكمل حالة كونه مشتملا على نفائس المسائل الفقهية ونوادرها التي تكون أحكاما على ما تعم به البلوى بين الناس من منشأ الخصومات وعقود المعاملات سماه تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام. وقوله نكت جمع نكتة كنقطة ونقط والمراد بها هنا المسائل الغامضة التي لا تدرك إلا بالفكر # والتأمل وإمعان النظر في التطبيق والتنزيل وذاك إسم إشارة إلى النظم والتسمية الواقعة بعده المفهومين من نظمته وسميته. وأن بفتح الهمز بعد لما صلة وتوكيد ويقال زائدة كما في قول الشاعر
فلما أن جرى سمن عليها ... كما طينت بالفدن السياعا
أمرت بها الرجال ليأخذوها ... وكنت أظن أن لا تستطاعا
وقوله شباب بالجر والتنوين وجملة مر صفته. وقوله
(وأنني اسأل من رب قضا ... به على الرفق منه في القضا)
(والحمل والتوفيق أن أكون ... من أمة بالحق يعدلون)
(حتى أرى من مفرد الثلاثة ... وجنة الفردوس لي وراثة)
पृष्ठ 15
الأبيات الثلاثة سأل الناظم من الله سبحانه وتعالى الذي قضى وقدر عليه بخطة القضاء الرفق منه في القضاء والحكم يوم القضاء وأن يرزقه طاقة الحمل لأعباء ومشقة ما كلفه به من أمر العباد بقوة اليقين وغزارة العلم وتطبيق كليات المسائل الفقهية على الجزئيات الحادثة بين يديه وهو أعظم شيء على القاضي وكمال التوفيق لأن يكون من الجماعة الذين يهدون بالحق وبه يعدلون إلى أن يرى من القسم المفرد من الثلاثة المقابل للقسمين الأخرين في قوله صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق ولم يقض به وجاز فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار (لطيفة) روى أن لقمان الحكيم كان عبدا لرجل من بني إسرائيل وكان يتبع مجالس بني إسرائيل يتعلم منهم العبادة فلما رأى ذلك مولاه اعتقه وقاسمه ماله وزوجه ابنته فاتت إليه الملائكة فقالوا يا لقمان أن الله تعالى يريد أن يستخلفك في الأرض فقال سمعا وطاعة على أنه أن جعل لي ذلك أعانني وعصمني وأعاذني وأن هو تعالى خيرني اخترت العافية قال فاستحسن الرحمان منطقه فغشاه الحكمة من # قرنه إلى قدمه فأصبح أعلم أهل الأرض وعرضت على داود فقبلها ولم يشترط شيئا فكان لقمان إذا دخل عليه قال له داود افلت يا لقمان ووقع داود انتهى. وقوله قضى به على جملة في محل جر صفة لرب بالتنوين وجملة وجنة الفردوس لي وراثة في موضع نصب على الحال من نائب فاعل أرى ومعنى كونها وراثة له أن يكون من أهلها
باب القضاء وما يتعلق به
أي من أركانه وشروطه ومستحباته وغير ذلك مما يأتي ذكره أن شاء الله تعالى والأصل في مشروعية القضاء الكتاب قال الله تعالى {يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق} وقال تعالى {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس}. وقال تعالى {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله}. والسنة. روى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن. وفي الموطأ أنه عليه الصلاة والسلام قال إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحاجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع والحن بالنون معناه أفهم وفي تفسير القرطبي قال مالك رحمه الله تعالى كان الخلفاء يقضون بأنفسهم وأول من استقضى معاوية رضي الله عنه يعني بالمدينة وفي موضع الخلافة وأما سائر المدائن والكور فقدموا لها قضاة قالوا وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه استقضى عليا ومعاذا وغيرهما. قيل أول قاض استقضى في الإسلام عبد الله بن نوفل بن الحارث استقضاه معاوية وقيل غير ذلك كما في اختصار المتيطية. والقضاء من أشرف أنواع الولايات الشرعية وأعظمها قدرا وأجرا وإلى هذا يشير الشيخ الزقاق بقوله
لها خطط في قضاء مظالم ... وسوق ورد شرطة مصر انجلا
وأعظمها قدرا وأكمل منظرا ... قضاء نعم أن أم قاض علا علا
पृष्ठ 16
فإن الحكم بالعدل من أفضل أعمال البر وأعلا درجات الأجر. قال الله تعالى # {فأحكم بينهم بالقسط أن الله يحب المقسطين} أي العادلين. وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون على منابر من نور يوم القيامة الحديث لكن خطره عظيم لأن الجور في الأحكام وإتباع الهوى فيها من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر. قال الله عز وجل {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا أس الجائرون}. وقال صلى الله عليه وسلم أن اعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئا ثم لم يعدل فيهم الحديث. وفرض الله سبحانه وتعالى على الناس التسليم والانقياد لهم فقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني الحديث فمن عصا إماما أو قاضيا أو حاكما فيما أمر به من الحق فقد عصا الله ورسوله إلا أن يقضي بغير حق فإن طاعته لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق الحديث إلا أن يخشى المخالفة الهرج أو الفساد فتجب طاعته حينئذ. وحكمته رفع التشاجر ورد الثوابت وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته من الدين فيه بعثت الرسل عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى {يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض الآية وبالقيام به قامت السموات والأرض}. قال الله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} وفي الديباج سمع أبو الفضل قرعوس بن العباس مالكا والثوري يقولان سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من النهار. وحكم الشرع فيه أنه فرض كفاية ولا يتعين على أحد إلا أن لا يوجد منه عوض فإنه يتعين عليه ويجبر على القبول أن امتنع منه. وقد يكون حراما بأن يكون جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا من الاخصام أو جائزا. ويكون مستحبا كتوليته لإشهار علمه. ويكون مباحا كقصد الارتزاق # به من بيت المال لفقره وكثرة عياله أو دفع ضرر به عن نفسه من غير ارتكاب ما يوجب التحريم أو الكراهية. ويكون مكروها كتوليته لقصد تحصيل جاه من غير انفه على غيره وإلا حرم. والقضاء بالمد أصله في اللغة الحكم قال أبو منصور الأزهري القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه والقضاء الفصل في الحكم انتهى. وقال غيره يرد بمعنى الأمر ومنه قوله تعالى {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} أي أمر ويصح أن يكون بمعنى حكم أي حكم عليكم بذلك تعبدوا أي أوجب عليكم ذلك وألزمكم إياه وهو سبحانه قد يوجب الشيء ويريد خلافه كما أوجب الإيمان وألزمه للعباد وأراد من بعضهم خلافه ولا يصح أن يكون قضاء إمضاء وإرادة لأنه لو كان كذلك لما عبد أحد غيره كما أنه قضى بالموت فليس أحد ينجوا منه لأنه قضاء إمضاء. ويرد بمعنى الإعلام ومنه قضيت لك بكذا أي أعلمتك به. والوحي ومنه قوله تعالى {فاقض ما أنت قاض} وقول الشاعر.
وعليها مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
पृष्ठ 18
والإرادة ومنه فإذا قضى أمرا كان مفعولا. والموت ومنه ليقض علينا ربك. والكتابة ومنه وكان أمرا مقضيا. والفراغ من الشيء ومنه قالوا أنصتوا فلما قضى أي فرغ. قال ابن عرفه بقوله صفة حكمية توجب لوصفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين. فقوله رحمه الله تعالى صفة جنس يشمل جميع الصفات سواء كانت حسية كالبياض والسواد أو معنوية كالعلم والحياة أو حكمية كالطهارة والقضاء. والصفة الحكمية حال تعتبر ذهنا وتقدر موجودة في المحل وإن كانت لا وجود لها في الخارج كالأولين. وإنما تثبت صفة القضاء بتقديم # من أريد وصفه بتلك الصفة للحكم بين الناس فبقوله حكميه يخرج الأولان. وبقوله حكمه الشرعي أي نفوذ كل حكم شرعي فالعموم مستفاد من الإضافة يخرج التحكيم لأن المحكم ليس بهذه الحالة وإنما له صفة توجب نفوذ حكمه الشرعي الخاص في قضية شخصية التي حكمه الخصمان فيها وبمجرد الفراغ منها زالت عنه تلك الصفة كما تخرج به ولاية المظالم والسوق والرد والشرطة والمصر المتقدمة في كلام الزقاق وذلك لأنها خاصة ببعض الأحكام كما هي مبينة في شرحها. وقوله ولو بتعديل أو تجريح هو مبالغة في مقدر معطوف عليه أي نفوذ حكمه في كل شيء حكم به ولو كان الذي حكم به تعديلا أو تجريحا فيكون التعديل والتجريح من متعلقات الحكم. وقوله لا في عموم مصالح المسلمين يخرج به الإمامة العظمى إذ ليس للقاضي ترتيب الجيوش ولا قسمة الغنائم ولا تفرقة مال بيت المال ولا قتل البغاه ولا الإقطاعات بخلاف الإمام فإن نظره أعم. وقوله
(منفذ بالشرع للأحكام ... له نيابة عن الإمام)
يعني أن المنفذ للأحكام الشرعية على الخصوم هو القاضي لنيابته عن صاحب الإمامة العظمى وهي عبارة عن نيابة شخص عن النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة قوانين الشرع وقواعده وحفظ الملة والدين على وجه يجب إتباعه على كافة الأمة. وحيث كان نائبا عنه فله عزله لسبب أو لغير سبب غير أنه إذا كان مشهورا بالعدالة لا ينبغي للإمام عزله إلا لمصلحة كما إذا وجد من هو أكمل منه وإذا عزله فإنه يبريه من ذلك لأن العزل مظنه تطرق الكلام في المعزول وإن عزله لسخط فإنه يظهر عيبه للناس لئلا يتولى عليهم بعد. ولما كان القاضي نائبا عن الإمام وخليفته في الأحكام الشرعية بين الأنام وأن النيابة عنه في ذلك لا تصح إلا لمن توفرت فيه شروطها شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيانها مع بعض الصفات المستحبة فقال
(واستحسنت في حقه الجزالة ... وشرطه التكليف والعدالة) # (وأن يكون ذكرا حرا مسلم ... من فقد رؤية وسمع وكلم)
पृष्ठ 19
(ويستحب فيه العلم والورع ... مع كونه الحديث للفقه جمع)
وهذه الأبيات الثلاثة مشتملة على بعض شروط القاضي ويعبر عنها بالصفات لأنها قائمة به وهي قسمان شروط صحة يلزم من عدمها أو عدم واحد منها عدم صحة ولايته أو عدم دوامها وشروط الصحة التكليف والذكورة والحرية والعدالة وتتضمن الإسلام وكونه سميعا بصيرا متكلما. ومن شروط الكمال الجزالة وهي أصالة الرأي والاقتدار على التطبيق والعلم على أحد قولين وهي طريقة ابن رشد والمشهور أنه شرط صحة في استمرار ولايته والورع وجمعه بين الفقه والحديث أو الأصول كما يوجد في بعض النسخ وفي لب اللباب وشروط صحة توليه القاضي أن يكون حرا عاقلا بالغا عدلا عالما مجتهدا وشروط الكمال أن يكون غنيا ورعا ليس بمديان ولا محتاجا بلديا معروف النسب ليس بولد زنى ولا ولد لعان جزلا فطنا نافذا غير مخدوع ولا محدود ذا نزاهة عليا عن الخصوم مستخفا بالايمة أي غير هيوب لهم يدير الحق على من دار عليه مستشيرا لأهل العلم ذا رحمة ونصيحة كثير التحرز من الحيل عالما بما لابد منه من العربية واختلاف معاني العبارات عالما بالشروط بعيدا عن السهو غير زائد في الدهاء. وأما كونه سميعا بصيرا متكلما فغير شرط وولاية من ليس كذلك منعقدة لكن يجب عزله قال مالك ولا أعلم أن صفات القضاء تجتمع اليوم في أحد فإن أجتمع منها خصلتان العلم والورع كان واليا ابن حبيب فإن لم يكن علم فالعقل والورع فبالورع يقف وبالعقل يسأل ثم ذكر محل جلوسه فقال
(وحيث لاق للقضاء يقعد ... وفي البلاد يستحب المسجد)
पृष्ठ 20
يعني أن القاضي يجلس للقضاء والفصل بين الخصوم في المكان الذي يليق به وبالخصوم كان في بادية أو حاضرة لكن أن كان في حاضرة استحب جلوسه في المسجد # قال أبو بكر بن العربي قال علماؤنا قول الله تعالى {إذ تسوروا المحراب} دليل على أن القضآء كان في المسجد ولو كان ذلك لا يجوز كمان قال الشافعي لما قررهم داود على ذلك ولقال انصرفا إلى موضع القضآء. وقد قال مالك أن القضاء في المسجد من الأمر القديم يعني في أكثر الأمر ولا بأس أن يجلس في رحبته ليصل إلى الضعيف والمشرك والحآئط وقد قال أشهب يقضي في منزله وابن حبيب والذي عندي أنه يقسم أوقاته وأحواله ليبلغ كل احد اليه ويستريح هو مما يرد من ذلك عليه انتهى والذي عليه العمل اليوم أن القضاة يحكمون في اماكن مخصوصة واوقات مخصوصة وقوله وحيث ضرب مكان ليقعد ثم قال
(فصل في معرفة اركان القضآء)
पृष्ठ 21
اي الامور اللازمة له وهي سبعة (الأول) القاضي وقد تقدم الكلام على شروطه (الثاني) المقضي له وهو من تجوز شهادته له فلا يحكم لم لا يشهد له من قرابته كأبيه وابنه وزوجته على القول المختار (الثالث) المقضي عليه وهو من تجوز شهادته عليه إذا توجه عليه حق أما باقراره أن كان ممن يلزمه اقراره وإما بشهادته بعد الاعذار اليه والعجز عن الطعن فيها وبعد يمين الاستبراء أن كان الحق على ميت أو غآئب ويعبر عنها بيمين القضآء وسياتي الكلام عليهما في محلها أن شاء الله تعالى وله أن يحكم بين اهل الذمة إذا ترافعوا اليه (الرابع) المقضي فيه وهو جميع الحقوق واما غيره من الحكام فمقصور على ما قدم عليه كما مرت الاشارة اليه في كلام الزقاق (الخامس) المقضي به وهو الكتاب والسنة واقضية الصحابه رضي الله عنهم ثم باجماع غيرهم ثم باجتهاده هذا في القديم أما بعد انقطاع الاجتهاد المطلق والمقيد فالواجب علبه الوقوف عند مشهور مذهبه أو ما جرى به العمل عند قضاة العدل ودون في كتب العلمآء المحققين كابن ناجي من القرويين وقد انقطع الاجتهاد في ذلك منذ # أزمان فمن حكم بقول شاذ أو ضعيف لم يصحبه عمل المتقدمين نقض حكمه لأنه معزول عنه من الذي ولاه حيث اشترط عليه في أمر ولايته أن لا يحكم إلا بمشهور مذهب إمامه أو ما جرى به العمل قال في العمل الفاسي
حكم قضاة الوقت بالشذوذ ... ينقض لا يتم بالنفوذ
وهو موافق لعمل تونس فاذا تعارض المشهور وما جرى به العمل فيقدم ماجرى به عمل بلده على المشهور لأن جريان العمل بالضعيف لمقصد من المقاصد يصيره راجحا ومن المعلوم أن الراجح يقدم على المشهور قال في العمل المذكور
وما به العمل دون المشهور ... مقدم في الاخذ غير مهجور
पृष्ठ 22
اما ما جرى به عمل غير بلده فانه يقدم المشهور عليه فإن استوت الاقوال في الشهرة قدم ما جرى به العمل مطلقا فإن لم يكن عمل أو جرى بكل واحد منها وأشكل عليه الأمر أمر بالصلح كما يأتي (تنبيه) قال بعض العلماء عمل تونس ومصر واحد وعمل فاس والاندلس واحد ويعبر عن القول القوي بالمشهور والاشهر والصحيح والأصح والأقوى والمذهب والظاهر والأظهر والحسن والأحسن والراجح والأرجح والمعتمد وبه القضاء وبه الفتوى وبه العمل (السادس) ما يدل على القضآء وان باشارة أو كتابة أو سكوت ليكون رافعا للخلاف فلا يتعقب ولا يحل حراما وبعبارة اخرى أن الحكم يكون بغير لفظ حكمت كقوله نقلت هذه الدار لزيد أو هي مالك له أو ثبت عندي انها ملك له بعد حصول الموجبات وكقوله فسخت عقد كذا من نكاح أو غيره أو رفع له نكاح بغير ولي فسكت عنه ولم يحكم باثبات ولا نفي إذا كان مذهبه يرى صحته وإلا فلا يكون حكما كما في الزرقاني ويكون بلفظ حكمت بكذا ورفع الخلاف لا احل حراما ومعنى رفعه للخلاف هو أنه إذا حكم حاكم بصحة عقد نكاح مثلا فالذي يرى لزوم فسخه له ينفذ هذا النكاح ولا يحل له نقضه (لانه بحكم الحاكم صار في تلك الجزئية مذهبا للجميع) قال القرافي اعلم أنه كما يدل القول على الحكم في قول الحاكم اشهدكم # أني حكمت بكذا فكذلك الفعل يدل على الحكم أيضا وذلك إذا كتب الحاكم إلى حاكم آخر أني قد حكمت بكذا فهذه الكتابة تدل على الحكم كما هو مشروح في كتاب القاضي إلى القاضي وكذلك لو سئل هل حكمت بكذا فأشار برأسه وغير ذلك مما يدل ويفهم أنه حكم به وكذلك لو كتب الحاكم بيده وقال اشهدوا علي بمضمونه فجميع ذلك يدل على صدور الحكم السابع كيفية القضآء وتتوقف على أشياء كمعرفة الدعوى وهي خبر يوجب جكم صدقه لقائله حقا على غيره قال في الذخيرة الاقرار والدعوى والشهادة كلها اخبارات والفرق بينها أن الاخبار أن كان يقتصر حكمه على قائله فهو الاقرار وان لم يقتصر فاما أن لا يكون للخبر فيه نفع وهو الشهادة أو يكون وهي الدعوى ومعرفة شروط تصحيحها واركانها وهي المدعي والمدعي عليه والمدعي فيه ومعرفة جواب المدعي عليه من اقرار أو انكار والبينات والتعديل والتجريح وضرب الجال والتلومات والاعذار والتعجيز واليمين والنكول وما هو حكم فلا يتعقب مالم يظهر ما ينافيه وما ليس بحكم كالفتوى فيتعقب. وقد ذكرها ابن فرحون في تبصرته مستوفاه. وتعرض الناظم لها وبدأ بالمدعي والمدعي عليه لانهما الاصل بالنسبة إلى غيرهما فقال
(تمييز حال المدعي والمدعي ... عليه جملة القضاء جمعا)
(فالمدعي من قوله مجرد ... من أصل أو عرف بصدق يشهد)
(والمدعي عليه من قد عضدا ... مقاله عرف أو اصل شهدا)
पृष्ठ 23
يعني أن معرفة المدعي من المدعي عليه وتمييز احدهما عن الاخر جامع ومحصل لوجه القضاء لأن علم القضاء وصناعته تدور على معرفتهما قال سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه من عرف المدعي من المدعي عليه فقد عرف وجه القضاء ويعني بوجه القضاء هو أن البينة على المدعي واليمين على ما انكر. وقوله تمييز مبتدأ وجملة القضاء مضاف ومضاف اليه بالنصب مفعول مقدم لجمعا والفةه للاطلاق وفي جمعا # ضمير مستتر تقديره هو يعود على المبتدأ والجملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره والرابط بينهما الضمير المستتر. واذا اردت ايها القاضي المنتصب لخطة القضآء معرفة ما يتميز به كل واحد من المدعي والمدعي عليه (فالمدعي من قوله مجرد. من اصل أو عرف) البيتين يعني أن المدعي هو الذي عريى قوله عن اصل أو عرف يشهد له بصدقه بحيث تكون دعواه مجردة من الاصل والعرف معا لا يوافقها واحد منهما وان المدعي عليه هو الذي عضد مقاله ونصره عرف أو اصل فاحدهما كاف فمثال شهادة الاصل من ادعى دينا على رجل فانكره وادعى براءة ذمته فالذي ادعى براءة ذمته مدعى عليه لأن الاصل براءة الذمة ومن شهد له الاصل فهو مدعى عليه والذي ادعى عمارة ذمة غيره مدع لأنه لم يشهد له اصل ولا عرف. ومثال شهادة العرف اختلاف الزوجين في متاع البيت فمن شهد له العرف بانه يليق به فهو مدعى عليه ومن لم يشهد له العرف بذلك فهو مدع. واذا شهد لاحدهما الاصل وللاخر العرف والغالب فإن من شهد له الاصل مدع فلهذا يطالب بالبينة ومن شهد له العرف والغالب مدعى عليه يطالب باليمين وهو كثير في العقود مثاله إذا اختلف متعاقدان في عقد فقال احداهما العقد صحيح وقال الاخر العقد فاسد ومن المعلوم أن عقود المسلمين الاصل فيها الصحة مالم يغلب الفساد فاذا غلب عليها الفساد فانها تحمل عليه فيصير القائل بالصحة مدع والقائل بالفساد مدعى عليه فيقدم الغالب على الاصل إلا في مسألة البينة على المدعي واليمين على من انكر فإن المدعي ولو كان اصلح الناس والمدعي عليه افجر الناس فانه يطالب بالبينة مع أن الغالب صدقه الاصل الذي هو براءة الذمة على الغالب الذي هو صدق الرجل الصالح. ولو شهد العرف لكل واحد منهما فهما مدعيان كما سيأتي عند قوله وان متاع البيت فيه اختلفا. الابيات كما إذا لم يشهد لكل واحد منهما شيء لا اصل ولا عرف وهو معنى قوله الاتي. والشيء يدعيه شخصان معا. الابيات فهما مدعيان كما قال. وقوله عضدا بتخفيف الضاد كنصر وزنا ومعنى والفه للاطلاق. وقوله عرف أو اصل لا حاجة إلى تقدير كون أو معنى # الواو لأن أو إذا وردت عقب نفى تسلط النفي على متعاطفيها جميعا في الغالب وهي هنا وقعت اثر مجرد الذي هو في معنى النفي والسلب أي لم يقرن مقاله بواحد منهما والواو على عكسها فاذا وقعت بعد نفي فانما ينصب على ما تفهمه من معنى الجمع على ما هو الغالب أيضا وقد نظم الامرين بعضهم فقال
والواو بعد النفي في العطف اتت ... لمطلق الشمول إلا أن اتت
قرينة فلشمول العدم ... وأو اتت بعكس ذاك فاعلم قوله
(وقيل من يقول قد كان ادعى ... ولم يكن لمن عليه يدعى)
ما نظمه في هذا البيت تعريف ابن المسيب رضي الله تعالى عنه حيث قال كل من قال قد كان فهو مدع وكل من قال لم يكن فهو مدعى عليه قال الشيخ مياره ونقض هذا التعريف بدعوى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها وقال هو اتفقت فهي مدعية وهو مدعى عليه لشهادة العرف وهو أن الحاضر ينفق على زوجته والتعريف يقتضي العكس لانها نافية وهو مثبت ولهذا ضعفه الناظم بقيل التي تقتضي التعريض قال الشيخ ابن رجال قد يقال هذا التعريف هو الحق وما رد به على صاحبه يجاب عنه بان المثبت في هذه الصورة هو المدعى ولكن رجح قوله بشهادة العرف بمنزلة المدعي الذي لا خلاف فيه أنه مدع إذا قام له شاهد حقيقي وقد اختلف في العرف هل هو بمنزلة شاهد واحد أو شاهدين ومر خليل على أنه بمنزلة شاهد واحد ولذلك يحلف من وافقه فشد شدك عليه. قلت وعلى هذا لو قال الناظم رحمه الله تعالى
فكل من يقول قد كان ادعى ... ولم يكن لمن عليه يدعى
مقتصرا عليه لكان اخصر واظهر (تنبيه) قد يطلق المدعي على الجالب (خ) وامر مدع تجرد قوله عن مصدق بالكلام وإلا فالجالب والذي في كلام الناظم هو المصطلح عليه (ثمشرع) في بيان المدعى فيه فقال # (والمدعى فيه له شرطان ... تحقق الدعوى مع البيان)
पृष्ठ 25
يعني أن الشيء المدعى فيه له شرطان لتصحيح الدعوى (احدهما) تحقيق المدعي دعواه والجزم بها فلا تسمع إذا قال اظن أن لي قبل فلان كذا من وجه كذا مثلا إلا إذا اتهمه وكان المدعى عليه من اهل التهم فانها تسمع (وثانيهما) بيان عينه ليكون معلموما معينا كهذا الثوب أو في ذمة معين كدعواه على زيد بدين أو بما يؤول بمعين كدعوى المرأة الطلاق لتحرز نفسها أو بما يؤول لما في ذمة معين كدعوى المرأة بعد الطلاق أنه كان اصابها قبله لتأخذ الصداق كاملا ثم أن كانت الدعوى في ربع أو عقار فلابد من بيان جهته وحدوده فإن كان منابا شائعا بين قدره وان كان في منقول غير مثلي ذكرت جنسه ونوعه وصفته وقيمته فإن كان حليا فقيمة الذهب الفضه وقيمة الفضة الذهب. وان كان مثليا ذكرت نوعه وصفته وكيله أن كان مما يكال ووزنه أن كان مما يوزن أو عدده أن كان مما يعد كالدراهم وان دينا في الذمة فلابد من بيان السبب الذي ترتب من اجله الحق بان يقول من بيع مثلا فإن لم يبينه سأله الحاكم عنه وجوبا فإن غفل فللمدعى عليه السؤال عنه إذ قد لا يترتب عليه غرم كالقمار وقد يترتب عليه غرم قليل كالربا فإن بينه المدعي عمل به وان قال لا ابينه أو لا علم لي به لم تسمع دعواه فلا الب المدعى عليه بجواب ولو قال نسيته ثم تذكرته وانه من وجه كذا قبل نسيانه بلا يمين. ويزاد على الشرطين المذكورين شروط ثلاثة (اولها) أن لا يكون المدعى عليه صبيا أو سفيها سألأ القاضي عن دعواه فإن كانت لو ثبتت لم يجب عليهما فيها شيء كالمعوضة الاختارية في بيع أو شراء أو سلف أو نحو ذلك فدعواه ساقطه وينهى عن التعرض لهما وإن كانت لو ثبتت لزمت الصبي اوي السفيه كلف المدعي عليه البينه وذلك في مثل التعدى والاستهلاك والغصب والاختلاس والانتهاب والجراح والقتل في العمد والخطأ وشبه ذلك فإذا أثبت القاضي على الصبي # أو السفيه حقا من جهة الاستهلاك أو التعدي اعذر اليه رجاء أن يدفع عن نفسه بشيء يدلي به وعجزه ليس بعجز ولابد من يمين الطالب مع البينة (لأن الصبي في حكم الغائب والموت والمساكين) انتهى (وثانيهما) أن لا يكذبها العرف والعادة كمن حيز عليه عقاره غير الحبس مدة الحيازه بشروطها ثم قام يطلب ذلك من حائزه غير أن المدعى عليه في هذه السورة يطالب بالجواب لعله يقر فاذا انكر وقال ملكي وحوزي فإن المدعي لا يطالب بالبينه ويترك سبيل المدعى عليه وهل بيمين أو بلى يمين وهو ظاهر الحديث المدونة ورجحه أن يونس والمازري وغيرهما وهو المشهور وبه العمل قولان ومنشأ الخلاف هل الحوز المسقط لدعوى القائم منزل منزلة شاهدين أو شاهد واحد فعلى أنه منزل منزلة شاهدين لقوته فلا يمين وعلى أنه منزل منزلة شاهد واحد فاليمين ومن جهة اخرى وهي أن اليمين فرع طلب المدعي بالبينه عند نكول المدعى عليه وحيث كان المدعي لا يطالب بينة ملكه لما ادعاه فإن المدعى عليه يترك سبيله بدون يمين إذا انكر دعوى المدعي وسيأتي تفصيل الحيازة في بابها أن شاء الله تعالى (وثالثهما) أن يكون المدعى فيه ذا غرض صحيح بان كان غير تافه فلا تسمع الدعوى فيما كان كالقمحة والحاصل أن الدعوى لا تصح إلا إذا من معتبرة شرعا بان تكون دعوى تحقيق أو ظن على من يتهم. وان يكون المدعى فيه معلوما. وفي سماع الدعوى بمجهول بان قال المدعي أن لي قبل فلان شيئا أو منابا من عقار أو بقية حساب مثلا فيكلف المدعى عليه بالجواب عنهما وعدم سماعها فلا يكلف بالجواب خلاف. وحاصل فقه المسألة كمان في التبصيرة الفرحونية وغيرها أن المدعى بشيء مثل ثلاثة احول (الاولى) أن يعلم قدر الذي يدعي به ويقول لي قبل فلان شيء ويمتنع من بيان قدره وفي هذه لا تقبل دعواه اتفاقا (والثانية) أن يدعي جهل المدعى به وتدل على ذلك قرينة كشهادة بينة بان له حقا لا يعلمون قدره وفي هذه تقبل دعواه اتفاقا (والثالثة) أن يدعي جهل قدره من غير شهادة قرينة في ذلك فهي محل الخلاف والذي اختاره المازري سماع الدعوى # وصوبه البساطي عند قول (خ) قال وكذا شيء قال الرهوني بما قاله المازري وصوبه البساطي جرى العمل (وكيفية) العمل في ذلك أن المدعى فيه إذا كان عقارا وقف جميعه على المدعى عليه حتى يبين فإن بين شيئا حلف على ما بينه واخذ الباقي فإن نكل وقف عليه الباقي واخذ المدعى ما بينه له وهكذا إلى أن يحلف. وان كان في الذمة من بقية محاسبة مثلا سجن المدعى عليه فإن اقر بشيء حلف أنه الباقي وان نكل لزمه ما اقر به ويبقى في السجن وهكذا إلى أن يحلف كذلك. وان يكون مما لو اقر به الخصم للزمه. وان لا يكذبها العرف والعادة. وان يتعلق بها غرض صحيح (والى هاته الشروط) اشار الزقاق بقوله
فان صحت الدعوى بكون الذي ادعى ... معينا أو حقا عليه أو انجلا
يؤول لذا أو ذا وكان محققا ... ومعتبرا شرعا وعلما به صلا
واذا غرض أن صح مع نفي عادة ... مكذبة فامر مجيبا وابطلا
اذا اختل شرط الخ. ثم عطف الناظم وجه القضآء على ماتقدم فقال
(والمدعي مطالب بالبينه ... وحالة العموم فيه بينه)
(والمدعى عليه باليمين ... في عجز مدع عن التبيين)
पृष्ठ 28
يعني أن المدعي مطلوب مطلوب بالبينة أن انكر المدعى عليه دعواه في جوابه عن الدعوى أما قبل الجواب عنها بالانكار فلا يطالب بها كما يقع من بعض قضاة القرى أما لجهلهم أو لجورهم لأنه يجيب بالاقرار فتسقط الدعوى ويرتفع النزاع وان المدعى عليه مطلوب باليمين إذا عجز المدعي عن البينة أو نفاها من اول الامر واستحلفه والاصل في كلام الناظم قوله عليه الصلاة والسلام لو يعطى الناس بدعاويهم لادعى رجال اموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من انكر الحديث. وقال القرافي وغيره اجمعت الامة على الصالح النقي مثل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لو ادعى على افسق الناس درهما واحدا لا يصدق فيه وعليه البينة فهذا مما قدم # فيه الاصل على الغالب لأن الغالب أن الصالح التقي لا يدعي إلا حقا وقد تقدم هذا قريبا واليه اشار الناظم بقوله وحالة العمومفيه بينه أي سواء كان المدعي صالحا أو طالحا وضمير فيه عائد على المدعي تنبيهات (الاول) المراد بالبينة هو كل ما يميز الحق ويظهره وسوء كانت تامة كعدلين أو ناقصه كعدل واحد حسيا كان أو معنويا كالعرف أو امراتين في بابهن والصبيان فيما يقع بينهم من قتل أو جرخ كما في ابن فرحون وغيره من شروح هذا الكتاب. وقد انهى القرافي البينات إلى سبعة عشر نوعا نظمتها فقلت
الحجج التي بها الحكم يجب ... سبع وعشر وهي اقرار لزب
وفي الزنا من الذكور اربع ... واثنان في مثل النكاح انفع
في المال أو ما ءال للمال هما ... أو رجل وامراتين فاعلما
وشاهدا مع اليمين واعتبروا ... وامراتين معها قد سطروا
وشاهد مع النكول قررا ... وامراتان معه قد ذكرا
وحلف الطالب بالنكول ... من خصمه المطلوب يا خليلي
الايمان في مسالة اللعان ... واللوث معها لهلاك الجاني
وامراتان في الذي تطلع ... عليه شرعا النساء مقنع
شهادة الصبيان بعضهم على ... بعض في قتل أو جراح فاقبلا
وقسم في حق يدعيه ... مدعيان كل يبتغيه
والحوز قافلة في الاستلحاق ... زالقمط في الحائط لا ستحقاق
نظمتها من رايع الفروق ... تسهيلا للحفاظيا رفيقي
والمقصود برابع الفروق الجزء الرابع منه في الفرق الثامن والثلاثين والمائتين في قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجه عندهم. وسيأتي شرحها في انواع الشهادات أن شاء الله تعالى الثاني إنما يحلف المدعى عليه المنكر فيما يثبت بالشاهد واليمين من المال أو ما يؤول اليه أما الحقوق التي لا تثبت إلا بالشاهدين فلا يمين.
पृष्ठ 29
بمجردها ولا ترد كقتل العمد والنكاح والطلاق والعتق والنسب والولاء والرجعة كما سياتي في محله الثالث ظاهر النظم أن اليمين تتوجه على المدعى عليه المنكر في عجز المدعي عن البينة ولو لم تكن خلطة بينهما وهو كذلك على القول المعمول به قال القلشاني عند قول الشيخ ولت يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة المشهور عدم توجه اليمين على الدعى عليه أو ثبوت الظنة وهي التهمة قال الابهري (لان الايمان يثقل امرها على اكثر الناس وخاصة اهل الدين منهم وكذلك التقدمة إلى الحكام فلو تمكن الناس من ذلك لا دعى انسان على من يريد ممن بينه وبينه شيء فينجده ويستحلفه ويمتهنه وفي ذلك ضر غلى الناس) فوجب أن يستعلم الحاكم هل بينهما خلطه أو يليلق بالمدعى عليه ما ادعاه المدعي أم لا قال ابن راشد مشهور مذهب مالك وكافة اصحابه الحكم بالخلطة ابن زرقون عن ابن نافع لا تعتبر الخلطه ابن عرفة ومضى عمل القضاة عندنا عليه وتقل لي ابن عبد السلام عن بعض القاه أنه كان لا يحكم بها إلا أن يطلبها منه المدعى عليه قالت سمعت شيخنا الغبريني قاضي الجماعة بتونس يستحسن التفريق بين الدعوى على الرجل أو على المراة فتتوجه اليمين على الرجل مطلقا ولا على المرأة الابعد ثبوت الخلطه وهذا الذي قاله حسن إلا أنه ينبغي التفصيل في الرجال بين ذوي الهيئات والمناصب وبين العامة والسوقة قال عبد الحق قال اصبغ خمية تجب عليهم اليمين دون خلطة الصانع والمتهم بالسرقه ومن قال عندي موته لي عند فلان دين ومن يعرض في الطريق من الرفقة فيدعي أنه دفع ماله لرجل ولو كان المدعي عليه عدلا غير متهم ومن ادعى عليه رجل غريب نزل بمدينة أنه استودعه مالا ونقلها ابن راشد كأنها المذهب وكنت نظمتها فقلت
ووجه يمينادون اثبات خلطه ... على صانع أو من يظن بسرقة
كذا من رماه وأرد بوديعة ... أو المرء يوميه مريض برفقة
पृष्ठ 30
بايداع مال قل كذا من رماه ذو ... سياق بدين وهو ءاخر خمسة # قال مؤلف هذا الشرح فتح الله بصيرته وحسن سيرته زاد عليها صاحب المختصر ثلاثة وهي الدعوى بشأن معين والضيف أو البائع عل حاضر نظمتها فقلت
والحق بها ضيفا وشيئا بعينه ... كذا مدع بيعا على ذي زيادة
पृष्ठ 31