ثم قسم تبارك وتعالى السنة فجعلها أربعة أزمانا، وفننها للبقاء إفنانا، من شتاء وصيف وربيع وخريف.
(الغذاء) ثم قدر في كل فن مع كل زمن من الأغذية ضربا يابسا فيه، ورطبا لا يصلح في غيره ولا يتم إلا بتدبيره، وجعل هذه الأزمنة عمودا لتناسل الحيوان وعلة لبقائهم إلى ما قدر لهم من الأزمان، ثم دخل الحيوان ضروبا، وجعل أغذيته شعوبا.
فمنهم الناس المغتذون بطيب الأغذية، ومنهم الطير والدواب وفنون الأشياء الحية المكتفية بأثقال الغذاء، وتيسير مؤونة الاغتذاء.
(بناء الناس) 29 بنى الناس على خلاف بنية المسخر لهم من الحيوان، وبانوا منهم بفضيلة الفكر ونطق البيان، فدبروا أغذية معايشهم بالفضيلة واستعانوا في ذلك بتصرف الحيلة، وكفى ذلك غيرهم من الحيوان.
ولولا ذلك لما بقوا ساعة من زمان، فكل مذكور من أجناس البهائم المسخرة لمنافع بني آدم فمبني على الأمور مما ذكرنا من فضيلتهم عاجزا عما جعل الله لهم من متصرف جبلتهم.
(تأديب الله لبني آدم بتأديب آباءهم) وكذلك كانوا بنو آدم في بدء مولدهم، في عجزهم عن نيل منافع غذائهم ورشدهم، وجهلهم لمصلحهم من مفسدهم.
पृष्ठ 45