तत्बित अल-इमामत
تثبيت الامامة
تثبيت الإمامة
[مبدأ التفضيل]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاطر السموات والأرض، مفضل بعض مفطور خلقه على بعض، بلوى منه تعالى للمفضلين بشكره، واختبارا للمفضولين بما أراد في ذلك من أمره، ليزيد الشاكرين في الآخرة بشكرهم من تفضيله، وليذيق المفضولين لسخط إن كان منهم في ذلك من تنكيله، ابتداء في ذلك للفاضلين بفضله، وفعلا فعله بالمفضولين عن عدله، يقول الله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسمآؤه، { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } [الانبياء: 23]. وقال :{وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } [القصص: 68]. ويقول تعالى :{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } [الأنعام: 165]. ويقول تبارك وتعالى :{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } [الإسراء: 21]. ويقول سبحانه :{ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون } [الزخرف: 32]. وقال تعالى :{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } [الإسراء: 70]. وقال تبارك وتعالى :{ وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الجاثية: 13]. ويقول سبحانه :{ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } [النحل: 12]. والحمد لله رب العالمين، الذي جعلنا من أبناء المرسلين، الذين اختصهم بصفوة تفضيل المفضلين، ونستعين مبتدئ الخيرات، وولي كل حسنة من الحسنات، على واجب شكره، وكريم أثره، فيما أبتدأ به من فضله، وخص به من ولادة رسله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلنا وهو رب العرش الكريم .
पृष्ठ 61
[وجوب الإمامة ودليلها]
سألت يرحمك الله عن الإمامة ووجوبها، وما الدليل إن كانت واجبة على ملتمس مطلوبها، فأما وجوب الإمامة ودليله، فوحي كتاب الله عز وجل وتنزيله، فاسمع لسنته في الذين خلوا من قبلك تفهم، وتفهم متقدم أوليها عن الله تعلم، فإنه يقول عز وجل، ونحمده فيما نزل، من محكم كتابه :{ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } [الأحزاب: 62]. ويقول تعالى :{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [البقرة: 183]. وهذا يرحمك الله لكي تعتبر بمنزل بيانه، في أشباه حكمه في الأمم واستنانه.
ثم أخبر تعالى عما جعل من الإمامة في بني إسرآئيل، قبل أن ينقل ما نقل منها إلى ولد إسماعيل، فقال :{ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } [السجدة: 23]. وقال سبحانه ما أنور بيانه ! فيما نزل من قصص خليله إبراهيم، وما خصه الله به في الإمامة من التقديم، وما كان من دعاء إبراهيم وطلبته ؛ لإبقائها من بعده في ذريته :{ إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124]، خبرا منه سبحانه أن عهده فيها إنما هو منهم للمتقين، فلم يزل ذلك مصرفا بينهم، لم يخرجه الله تعالى منهم، بعد وضعه له فيهم، وإنعامه به عليهم، حتى كان آخر مصيره في الرسالة ما صار إلى إمام الهدى محمد صلوات الله عليه، فكان خاتم النبيين، ومفتاح الأئمة المهتدين .
पृष्ठ 62
ثم قال تعالى بعد هذا كله، دلالة على أن محمدا وارث خليله:{ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } [آل عمران: 68]. فكان محمد الوارث من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للنبوة، وإليه عليه السلام صار ما كان من إبراهيم وإسماعيل من الدعوة، إذ يقولان صلوات الله عليهما :{ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } [البقرة: 29].
وأبين دليل، وأنور تنزيل، في وجوب الإمامة، وما يجب منها على الأمة، قول الله تبارك وتعالى :{ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } [النساء: 59]. فأمر تبارك وتعالى بطاعة أولي الأمر مع ما أمر به من طاعته وطاعة الرسول، ولا يأمر تبارك وتعالى إلا بمعلوم غير مجهول، مع ما لا أعلم فيه بين الرواة فرقة، وما لا أحسب إلا قد رأيتها عليه متفقه، من حديث الرسول عليه السلام في أن ( من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية )، فكل هذا دليل على وجوب الإمامة وعقدها، وما في ذلك للأمة بعد رسولها صلوات الله عليه من رشدها، مع ما يجمع عليه جميع الأمم على اختلاف مللها وعقولها، وما هي عليه من الفرقة البعيدة في أجناسها وأصولها، من تقديمها لمن يؤمها منها، ويذب مخوف ذمار الأعداء عنها، ويحوط حرمها عليها، وينفذ حكم المصلحة فيها، ويكف سرف قويها عن ضعيفها، ويجري حكم قسط التدبير فيها في وضيعها وشريفها، استصلاحا منها بذلك للدنيا، والتماسا به لما فيه لها من البقيا.
فكيف يرحمك الله بطلاب، رضى رب الأرباب ؟! وحلول دار الخلد من الجنة، وملتمس حكم الكتاب والسنة، أيصلح أولئك أن يكونوا فوضى بغير إمام ؟! هيهات أبى الله ذلك لمنزل الأحكام !
पृष्ठ 63
[ضرورة الإمامة]
فمن - إن كانوا فوضى - للحدود ؟! وما عهد الله إلى الأئمة فيها من العهود، من لحد الفاسق والفاسقة ؟ ولحكم الله في السارق والسارقة ؟ من لقاذف المحصنات ؟ ومنع إبراز المؤمنات ؟ من لحكم التفصيل ؟ وإصابة خفي التأويل ؟ من يهدي أهل الجهل والضلال ؟ والاحتجاج بحجج الله على أهل الابطال ؟ أما سمعت قول الله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه:{ سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون، الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } [النور: 1 - 3]. مع جميع حكم الله فيها وفي غيرها، وما أمر به في أحكامه من تنفيذها، فهذا في وجوب الإمامة هكذا، وكفى من أنصف ولم يحف بهذا، مع حجج كثيرة تركت تكلفها، وألقيت إليك منها جملها، كراهية للاكثار، واكتفآء بالاقتصار، مع أخر لابد من ذكر معترض عروضها، وتكلف تبيين ما استتر من خفي غموضها، فافهم نشر مذكورها، واسمع لذكر منشورها، بإذن واعية من واع، وارعها رعاية انتفاع .
اعلم أن هذا العالم وما فيه معا، لا يخلو من أن يكون محدثا مبتدعا، من أحكم الحاكمين، وأن يكون لواحد لا لاثنين، فإذا ثبت أن ما وجد من العالم وتدبيره، وما بني عليه من حكم تهييئه وتقديره، لواحد حي، حكيم علي، ليس له ضد يناويه، ولا ند يماثله فيكافيه، ولا به آفة تضره، ولا ضرورة تضطره، إلى ما أحدث وصنع من بدائعه، ( وابتدع في الأشياء من صنائعه، فكان كل ما أحدث من بديعه )، واصطنع جل ثناؤه من صنيعه، عن أمرين، ولشيئين:
أحدهما: الاختيار فيما ابتدأ، وحكمة ماضي إرادته فيما أنشأ.
पृष्ठ 64
والأمر الثاني: فإحكام تدبير منشاه، وتبليغه غاية مداه، بإحداث ما لايكون بلوغ المدى إلا به، وما يريد الحكيم من إبقاء المنشأ بأسبابه، من موآد الأغذية، وحوط المنشأ من كل مفنية، ثم يكون ذلك في لطف مدخله، وحوط فرعه من الفساد وأصله، على قدر حكمة تدبير المدبر، واقتدار قدرة العليم المقدر، فلا يمكن في حكمة التدبير، ولا تدبير ذي العلم القدير، أن يريد كون بقائه، إلا مع خلقه لمقيم إبقائه، من مآدة الغذاء، وتركيب آلة الإغتذاء، من الأفواه والأوعية، وبسط الأيدي المغتذية، لاستحالة بقاء المبقى، مع عدم مابه يبقى، واستنكار دوام دائم، أوتوهم قوام قائم، جعلهما الله لا يدومان إلا بمديمهما، ولايقومان طرفة عين إلا بمقيمهما، ثم يقطع المديم المقيم لهما عنهما، وهو مريد مع قطعه لدوامهما ؛ لما في ذلك من الجهل الذي تعالى الله عنه، وخطأ التدبير الذي بعد سبحانه منه .
पृष्ठ 65
[تدبير الخلق]
كنحو ما خلق من حيوان الأشياء، الذي خلقه لا يبقى إلا بمآدة الغذاء، وجعل غذآءه لا يكون إلا ببرد الأرض والماء، وبما فطر سبحانه من حرارة النار والهواء، وبما جعل من فصول السنة الأربعة، وجعل السنة لا تكون إلا بشهورها المجتمعة، وجعل الشهور لا تتم إلا بأيامها ولياليها، وما قدرها الله عليه من تواليها، وجعل الأيام لا تتم إلا بساعات أزمانها، والأزمان لا تتم إلا بحركة الأفلاك ودورانها، ثم فصل تعالى الليل من النهار، وفرق برحمته بين الظلم والأنوار، لتمام ما أراد من إبقاء المدبر، ولينتشر في النهار كل منتشر، في ابتغاء حاجاته، وليسكن في الليل من فتراته، ولم يجعل الليل والنهار سرمدا، ولم يعر منهما من خلقه إلا مخلدا، فقال سبحانه :{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون } [القصص: 70 - 71]. فجعل الليل والنهار رحمة منه، ثم قسم تبارك وتعالى السنة، فجعلها أربعة أزمانا، وفننها للبقاء أفنانا، من شتآء وصيف، وربيع وخريف، ثم قدر في كل فن، ومع كل زمن، من الأغذية ضربا، يابسا فيه ورطبا، لا يصلح في غيره، ولا يتم إلا بتدبيره، وجعل هذه الأزمنة عمودا لتناسل الحيوان، وعلة لبقائهم إلى ما قدر لهم من الأزمان.
पृष्ठ 66
[أصناف الخلق]
ثم جعل الحيوان ضروبا، وجعل أغذيته شعوبا، فمنهم الناس المغتذون بطيب الأغذية، ومنهم الطير والدوآب وفنون الأشياء الحية، المكتفية بأثفال الغذاء، وتيسير مؤونة الاغتذاء، فبنى الناس على خلاف بنية المسخر لهم من الحيوان، وبانوا منهم بفضيلة الفكر ونطق البيان، فدبروا أغذية معائشهم بالفضيلة، واستعانوا في ذلك بتصرف الحيلة، وكفي ذلك غيرهم من الحيوان، ولولا ذلك لما بقوا ساعة من زمان.
فكل مذكور من أجناس البهائم، المسخرة لمنافع بني آدم، فمبني على النقص مما ذكرنا من فضيلتهم، عاجز عما جعل الله لهم من متصرف حيلتهم.
وكذلك كان بنوا آدم في بدي مولدهم، في عجزهم عن نيل منافع غذآئهم ورشدهم، وجهلهم لمصلحهم في الأمور من مفسدهم، فلو كان الناس - إذ ابتدئوا، عندما فطروا وأنشئوا، لم يجعل لهم ولا فيهم، من يغذوهم ويقوم عليهم - لهلكوا ولم يبقوا وقت يوم واحد، لما يحتاجون إليه في النفاس وعند المولد، من تلفيف الولدان بخرقها، وتسوية أعضاء خلقها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل لهم في الابتداء، آباء قاموا بكفاية المصلحة والغذاء، حدهم في العلم بمصلحتهم غير حدهم، فغذوهم برأفة الأبوة وبصر التربية في مولدهم، إلى بلوغ قوة الرجال، والاستغناء بنهاية الكمال.
पृष्ठ 67
ولا بد لهذه الآباء، التي قامت على الأبناء، من أن تكون في المبتدأ، وعند أول المنشأ، من الجهالة في مثل حال أبنائها، محتاجة إلى تربية آبائها، ولا بد كيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى من أبناء يقوم عليها آباؤها، وآباء كانوا كذلك في الأصل إذ ابتدئ إنشاؤها، في مثل حد أبنائها، من جهلها وقلة اكتفائها، حتى يعود ذلك إلى أب واحد، منه كان ابتداء النسل والتوالد، ولا بد للأب الأول من أن يكون أدبه وتعليمه، على خلاف أدب من يكون بعده، إذ لا أب له ولا يكون أدبه وتعليمه إلا من الله، أو من بعض من يؤدبه ويعلمه من خلق الله، فإن كان من مخلوق أخذ أدبه، فلا يخلو ذلك من أن يكون الله أوغيره أدبه، وكيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى، فلا بد من أن يعود إلى أن خلق ابتداء أدبه من قبل الله الأول البدي، ولا بد للأب الأول، الذي هو أصل التناسل، من أن يكون مؤدبا معلما للجوامع، من معرفة جهات المضآر والمنافع، مخلوقا على الفهم، وقبول أدب المعلم، ليتم بذلك من فهمه، نفع تعليم معلمه، فيقوم به على نفسه، وعلى من معه من ولده، من الأخذ لهم بأدبه، وعقاب مذنبهم بذنبه، وثواب محسنهم بإحسانه، وتوقيف كل على ضره ونفعه، كي يتم بذلك ما أريد لهم من البقاء، وعنهم من تأخير مدة الفناء .
पृष्ठ 68
[طبقات حياة الخلق]
وكذلك هم في الخلق، مجرون في طبق بعد طبق، مصرفون مدة بقائهم، بين طبقات ثلاث إلى حين فنائهم، لا يخلون منها، ولا منصرف لهم عنها.
أما الأولى منها: فطبقة التربية.
وأما الثانية: فطبقة اعتمال الأغذية.
والثالثة: فاكتساب الحسنة والسيئة.
فهم في أولى طبقاتهم مكتفون بالآباء، وفي الثانية مستغنون عنهم بالاكتفاء، مؤدبون على المعرفة بحد الأغذية والبذور، والفرق بين الضآر والنافع فيها من الأمور. والثالثة فمحتاجون ما كانوا فيها، وعند أول مصيرهم إليها، إلى مرشد ودليل، ذي عقاب وتنكيل ؛ ليكون ما أريد بهم من البقاء، وخلقوا له من عمارة الدنيا، وذلك عند بلوغ قوة الاحتلام، وحركة شهوة ملامسة الإلمام، لما بني عليه الناس من شهوة النساء، لما في ذلك من زيادة النسل والنماء.
وكل ذلك من اعتمال الأغذية، وما خص به الإنسان من الشهوة في البنية، فلا بد فيه، وفي الدلالة عليه، من مرشد معرف، ومحدد موقف ؛ لأنه لو ترك الناس في الغذاء، وما ركبوا عليه من شهوة النساء، بغير حد معروف، ولا فرض عزم موصوف، لم يكن أحد بمعتمله، وما ملكه الله من أهله، أولى عند المكابرة من أحد، إذا ولما فرق بين سيد وعبد، ولو كان ذلك كذلك، لصير به إلى الفناء والمهالك، ولما أنسل ولا اغتذى ضعيف مع قوي، ولا سلم رشيد من الخلق مع غوي، ولبطلت الأشياء، وفسدت الدنيا، ولكنه جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه، جعل للناس في البدي والدا، وحد لهم به في الأشياء حدا، أدبهم جميعا عليه، ونهاهم عن المخالفة له فيه .
पृष्ठ 69
[حكمة التشريع]
ثم جعل للمتأدبين فيه بأدبه ثوابا، وعلى المخالفين إلى ما نهاهم عنه عقابا، فكان كل إنسان أولى بمعتمله، وأحق بما ملكه الله من أهله، ولو تركوا فيه بغير إبانة دليل، أو كانوا خلوا في خلاف له من التنكيل، لوثب بعضهم فيه على بعض، ولفني أكثر من في الأرض، لما يقع في ذلك من الحروب، واغتصاب النساء والنهوب، ولكان في ذلك لو كان من الفساد، في معرفة الرحم والأولاد، ما يقطع تعاطف الرحمة، وما جعله الله سببا للنسل والتربية، إذ لا يعرف والد ولدا، ولكنه وضع للنكاح في ذلك حدا، بين كنهه ومداه، ونهى كل امرؤ أن يتعداه ؛ ليعرف كل إنسان ولده فيغذوه، وتعطفه رأفة الأبوة عليه فلا يجفوه ولايعدوه، وكذلك ليتم ما أريد بالناس من التناسل والبقاء، إلى غاية ما قدر لهم ودبر من الإنتهاء.
وإذا كان - الناس على ما ذكرنا مأمورين في الغذاء، ومحدودة لهم وعليهم الحدود في مناكحة النساء - لم يكن لهم أن يتناولوا من ذلك شيا، رفيعا كان منه أو دنيا، إلا على ما جعل الله لهم، وقدر بحكمه بينهم. وإذا كان ذلك كذلك، وحكم الله فيه بما حكم به من ذلك، لم ينل طالب منهم مطلوبه، ولم يدرك محب فيه محبوبه، إلا بشديد معاناة، وعسير مقاساة، من العلاج والاعتمال، وحركة كسب الأموال، التي بها يوصل إلى مطلوب الغذاء، ويوجد السبيل إلى محبوب مناكحة النساء. ثم ليس لهم تناول معتمل، ولا حركة في عمل، حرم تناوله عليهم، أو حكم بخلافه فيهم .
पृष्ठ 70
ثم إذا صاروا إلى النكاح على ما أمروا به إلى الحد، لم يلبثوا أن يصيروا إلى عيال وولد، يحتاجون لهم إلى أقوات التغذية، وأنواع ضروب متاع التربية، مع حاجتهم للأولاد والأنفس، إلى ما يحصنهم من الحر والبرد من الملبس، وما يستر عورات الرجال والنسوان، وما يظلهم من سواتر الأكنان، وما يحتاجون إليه من اتخاذ الأبنية، وما لابد لهم منه من أمتعة الأفنية، وكل ذلك من حوائج الإنس، يدخل فيه منهم أشد التنافس، لما يعم جميعهم من الحاجة إليه، ولظاهر ما لهم من المنافع فيه، فلا بد في كله، وجميع ضروب معتمله، من أن يقاموا فيه على حد معلوم، وأن يلزمهم فيه فرض حكم معزوم، وإلا اقتتلوا عليه وتواثبوا، وتناهبوا فيه واغتصبوا، وفنوا فلم يبقوا، وصاروا إلى خلاف ما له خلقوا .
ولما كانوا إلى ما ذكرنا مضطرين، وفي أصل الفطرة عليه مفطورين، تفرقوا في أنواع الصناعات، واحتالوا للمكسب بضروب البياعات، فلم يكن لهم عند ذلك بد في البدي الأول من معلم يقوم عليهم، ويبين لهم أقدار مواقع مصالح ذلك فيهم ؛ ليتعاملوا بها وعليها، ويصيروا إلى مصالحهم فيها، وإلا فسدوا وفنوا، وهلكوا ولم يبقوا .
पृष्ठ 71
[صفات المرشد ووجوب الثواب والعقاب]
ثم لابد لمعلمهم، ولولي أدب تعليمهم، من أن يكون عالما بجهات منافع الأشياء ، مأمونا عليهم في الدين والدنيا، لأنه إذا كان على غير ذلك كان مثلهم، يسيء ويجهل في الأمور جهلهم، ثم لا يكون مع هذا يجب عليهم اتباعه، وقبول ما تقدم من أمره واستماعه، مع ما يدعوهم إليه من الكف عن كثير مما يحبون، ويأمرهم به من الدخول في كثير مما يكرهون، إلا بأن يكون لهم في خلافه مخوفا بعقاب، وفي الانتهاء إلى معهود أمره موجبا لثواب .
وذلك أنه لا يكون أن ينقادوا له، حتى يؤدبهم ويقبلوا قوله، إلا بافتراق درجة المطيع والعاصي، وتباين مكان المحسن عنده والمسييء، وذلك فما لا يدخله تفرق، ولا يفرق بينه مفرق، إلا من حيث قلنا، وعلى ما مثلنا .
पृष्ठ 72
[معجزات الأنبياء]
ولا يكون مخوفا للعاصي بعقابه، ولا داعيا للمطيعين إلى ثوابه، إلا بدلائل أعلام بينة، تفرق بين المدعي منزلته وبينه، ولا يجوز أن تكون أعلامه مما يقدر على مثلها، فلا يؤمن على فعلها وممكن نيلها، مدعي منزلته ظلما وعدوانا، وفسقا وطغيانا. ولا تكون الدلالة عليها، وشاهد علم الإبانة فيها، إلا من الله لا يحدث غير الله خلقها، ولا يحسن سوى من هي عليه دلالة تخلقها، وكانت من الله كغيرها، من دلائله في ضوء منيرها، وإسفار نور مبينها، وإبانتها من الأئمة بعينها، وانقطاع عذر المعتلين على الله في رفضها، بعقد لو كان منهم لما نصب من علم دلائل فرضها.
وكذلك فعل الله بالرسل صلوات الله عليها وأوصيائها، وإبانتهم من غيرهم بنور دلائله وضيائها .
ثم فرق جل ثناؤه بين الرسل والأوصياء، ومن يحدث بعدهم من خلفاء الأنبياء، في علم الدلائل والحجج، بقدر ما لهم عند الله من الدرج، فجعل دلائل المرسلين، وشاهد أعلام النبيين، أكبر بيانا، وأقوى سلطانا، وأفلج في الحجة للمستكبرين، وأقطع لأعاليل عذر المعتذرين.
فكان من ذلك عجائب موسى صلى الله عليه، في فلق الله له ولمن كان معه البحر وممرهم فيه، إلى ما كان من قبل ذلك من عجيب آياته، وما أرى المصريين من فعلاته، في الضفادع والقمل والدم، وما يعظم قدر مبلغه على كل معظم .
وعجائب عيسى عليه السلام، التي كانت تضل في أصغرها الأحلام، من إحيائه الموتى، وإبرآئه للكمه والبرصى، وإنبآئه لهم بما يأكلون وما يدخرون، وإخباره لهم عن كثير مما يضمرون .
ثم آيات محمد صلى الله عليه، وما نزل من حكمة وحيه إليه، التي لم يقو لمكافاته فيها من أضداده ضد، ولم يكن لحكيم منصف عند سماعها من قبولها بد، مع عجيب آياته، في الشجر وإجابته، وما كان من شأن الشاة المسمومة، وإنبائه بسرائر نجوى الغيوب المكتومة، وإطعامه من قبضة كف، لأكثر من ألف وألف.
पृष्ठ 73
فبانت الرسل صلوات الله عليهم، من الأوصياء بما جعل الله من هذه الدلائل لهم وفيهم، وبانت الأوصياء من الأئمة، بما خصها الله به من التسمية، وبما كان يعرف لها عند رسلها من المنزلة، وما كانت الرسل تنبئها به من أقوال التفضلة، كنحو ما جاء في علي عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه، وما كان في أقواله المشهورة المعلومة فيه، كقوله :(من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) . وكقوله :(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) . و(أنت قاضي ديني ومنجز وعدي) . مع ما يكون عند الأوصياء، من علم حوادث الأشياء، وما يلقون بعد الأنبياء، من شدائد كل كيد، ودول كل جبار عنيد، خبرا خاصا من الأنبياء، لمن يخلفهم بعدهم من الأوصياء، كنحو ما ألقى الله تعالى إلى الرسول من شأن علي وإخباره، وتناول المرادي له بما تناوله به من ختله واغتراره، وخبره له عن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية، وما كان علي ينادي به في خطبه من دولة بني أمية، وما كان يخبر به من عجيب الأنباء، ويقص على الناس من قصص الأنبياء، وما كان به باينا، ولغيره فيه مباينا، من بأس الإقدام في القتال، ومنازلة مساعير الابطال، التي كان يقل عليها إقدام المقدمين، ويهاب اصطلاء نارها كثير من خيار المسلمين، مع تأول أوليائه فيه لكثير من آي القرآن، مع التي لا يشك من سبقه إلى الله فيها بالإيمان ، والله يقول جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسمآؤه، {والسابقون السابقون أولئك المقربون } [الواقعة: 10-11] . وكفى بهذه الآية لو لم يكن معها غيرها، وبما بين عنه من وحي كتاب الله تنزيلها، على الوصي دليلا، وفي الدلالة عليه تنزيلا !! فكيف بكثير الدلائل عليه ؟! ودواعي شواهد الوصية إليه، من قوله جل ثناؤه :{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } [الحديد: 10].
पृष्ठ 74
مع كثير آيات القرآن، ودلائل وحي الفرقان، من تفضيله له بمنازلة الأقران، وسبقه إلى الله بكرامة الإيمان، مع التي كان بها نسيج وحده، وفيها مبآئنا لجميع من كان في حده، من جمة أغوار العلم، ومعرفة أديان الأمم، وفصل بيان اللسان، ومعرفة أسرار القرآن، وهذه خاصة من حالاته، أحد أعلام الإمام بعده ودلالته، التي لا توجد وإن جهد ملتمسها، ولا يقتبس إلا من إمام مقتبسها، فجعل الله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه، ما قدمنا ذكره، وأثبتنا في الحجة أمره، من خآص دلائل الأوصياء، كرامة خصهم بها بعد الأنبياء، وأبانهم بها من الأئمة، واحتج بها لهم على الأمة .
पृष्ठ 75
[دليل الإمامة]
ثم أبان الأئمة من بعدهم، ودل الأمة فيهم على رشدهم، بدليلين مبينين، وعلمين مضيئين، لايحتملان لبس تغليط، ولا زيغ شبهة تخليط، لا يطيق خلقهما متقن، ولا يحسن تخلفهما محسن، ولي ذلك منهما وفيهما، ومظهر دلالة صنعه عليهما، الله رب العالمين، وخالق جميع المحدثين، وهما ما لا يدفعه عن الله دافع، ولا ينتحل صنعه مع الله صانع، من القرابة بالرسول صلى الله عليه، وما جعل من احتمال كمال الحكمة فيمن الإمامة فيه، وحد الحكمة وحقيقة تأويلها، درك حقائق الأحكام كلها، فاسمع لقول الله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسمآؤه، فيما ذكرنا من مكان قرابة المرسلين، وما جعل من وراثة النبوة في أبناء النبيئين، قال الله تعالى :{ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون } [الحديد: 26].
وقال تعالى :{إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم} [آل عمران:33- 34].
وقال سبحانه :{ولقد آتينا بني إسرآئيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} [الجاثية:16].
وقال :{ولقد اخترناهم على علم على العالمين } [الدخان: 32].
وقال موسى صلوات الله عليه لبني إسرآئيل:{اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } [المائدة: 20].
وقال لإبراهيم صلوات الله عليه :{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } [هود: 73].
وقال الله تعالى في نوح صلى الله عليه :{ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم، وجعلنا ذريته هم الباقين } [الصافات: 75 - 77].
पृष्ठ 76
وقال نوح صلوات الله عليه :{رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا } [نوح: 28]. فقدم في الدعوة الأبوين، ثم ثنى بعدهما بالأهلين، ثم دعا بعدهم للمؤمنين، تفريقا منه صلى الله عليه للمفروق، وتنزيلا لهم في التقديم والتأخير على أقدار الحقوق.
وقال سبحانه :{ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } [السجدة: 23]. ثم قال تعالى لأبينا إبراهيم خاصة من دون المؤمنين :{ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير } [الحج: 78]. وذلك كقوله وقول إسماعيل صلوات الله عليهما، عند رفعهما قواعد البيت فيما ذكر بأ يديهما :{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [البقرة: 127 - 128]. وقال صلى الله عليه :{ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } [إبراهيم: 37].
وقال تعالى :{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } [طه : 132]. وقال تعالى :{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } [الأحزاب: 33]. وقال تعالى لنوح :{احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل } [هود: 40].
पृष्ठ 77
وقال تعالى :{وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين } [الصافات: 134 - 135]. وقال تعالى :{إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر } [القمر: 34 - 35].
وقال في أيوب صلى الله عليه :{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب } [ص: 63].
وقال يعقوب ليوسف صلى الله عليهما :{ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم } [يوسف: 6].
وقال موسى صلى الله عليه وسلم :{واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا } [طه: 29 - 35].
وقال زكريا صلى الله عليه :{فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} [مريم:5-6]. وقال تبارك وتعالى :{ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين } [الأنعام: 84 - 85].
ثم قال تعالى :{ومن آبائهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } [الأنعام: 87].
وقال تعالى :{ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [العنكبوت: 27]. وقال تعالى :{ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون } [الحديد: 26].
وقال سبحانه :{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } [النساء: 54].
पृष्ठ 78
فأي ضياء أضوى، أوحجة لمحتج أقوى ؟ في إثبات الصفوة والفضل، لأبناء المنتجبين من الرسل، مما تلونا تنزيلا مبانا، أنزله الله في منزل وحيه قرآنا، لا تعارضه شبهة لبس، ولا يلتبس على ذي ارتياده ملبس، ولكن اقتطع الناس دونه، وحال بين العامة وبينه، جور أكابرهم في الحكم، واعتساف جبابرتهم فيه بالظلم، فأعين العامة في غطاء عن مذكوره، وقلوبهم ذات عمى عن نوره، فمعروفه لديهم مجهول، وداعيه فيهم مرذول، إن لم يقتل عليه، عظم تعنيفه فيه، ولم يعدوا - من جهلهم بفرضه، وما هم عليه من رفضه سبيل ما هم عليه، وما أمسوا وأصبحوا فيه، من جهل غيره من الحقوق وتعطيلها، ومحو أعلام الدين وتبديلها.
فالله المستعان في ذلك وغيره، وإياه نسأل تبديل ذلك وتغييره، والحمد لله الذي جعلنا لخاتم المرسلين، وبقية من مضى من رسله الأولين، عترة وبقية، وآلا وذرية، إبتداء لنا في ذلك بعظيم فضله، ومنا علينا فيه بولادة خاتم رسله، من غير قوة منا ولا حول، ولا صالح من عمل ولا قول، فجعلنا راجين رجاء أبناء المرسلين بآبائهم، وما كان من حفظ الله للنبيئين في أبنائهم . فكفى بهذا في دلالة القرآن دليلا على الإمام، وما ولي الله لرسله في ذلك وبه من الإكرام، منظرا لمنصف معتبر، ومعتبرا به لحكيم مفكر .
पृष्ठ 79
[صفات الإمام]
فاسمع لقول الله سبحانه في تفصيل الحكمة، وما خص به من جعلها فيه من التقدمة، إذ يقول في داود صلى الله عليه: {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب } [ص: 20]. وقال فيه، صلى الله عليه :{وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } [البقرة: 251]. فمتى ما وجد الملتمسون، وأصاب عند الطلب الطالبون من هاتان الخلتان فيه كاملتان، وهذان الدليلان عليه مبينان حقت إمامته وصحت، وبانت الحجة لأوليائه فيه ووضحت، ولم يكن لطالب إمامة تعديه، ولم توجد الكفاية أبدا إلا فيه، والعلة التي بها ولها، ومن أجلها، كانت القرابة والحكمة على الإمام دليلا، وإلى وجوده عند الحاجة والطلب سبيلا.
إن مطلبه في القرابة أسهل على الطالبين، وأيسر في تكليف فرضه على المكلفين، وأقطع لعذر المعتلين، وأبلغ في الحجة على المتجاهلين، وأقرب إلى متناول البغية، إذ لا يمكن تقريبها بالتسمية، والدولة دولة الجبارين، مخوف فيها قتل الأبرين .
पृष्ठ 80