وقال شيخ من أهل المدينة: ما كنت أريد أن أجلس إلى قوم إلا وفيهم من يحدث عن الحسن وينشد للفرزدق.
5
فما معنى هذا؟ معناه أن الحديث عن الحسن البصري كانت فيه متعة أدبية لا تقل عن إنشاد شعر الفرزدق، والحق أن النساك والزهاد والصوفية كانت لهم كلمات تشوق القلب والوجدان، ومن الإطناب أن نكثر الشواهد، فلنكتف بخطبة عمر بن ذر يوم مات ابنه وقد وقف على قبره فقال: «يا ذر، والله ما بنا إليك من فاقة، وما بنا إلى أحد سوى الله من حاجة. يا ذر، شغلني الحزن لك عن الحزن عليك»، ثم قال: «اللهم إنك وعدتني بالصبر على ذر، صلواتك اللهم ورحمتك، وقد وهبت ما جعلت لي من أجر على ذر لذر، فلا تعرفه قبيحا من علمه، اللهم وقد وهبت له إساءته إلي فهب لي إساءته إلى نفسه، فإنك أجود وأكرم»، فلما انصرف عنه التفت إلى قبره فقال: «يا ذر، قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك».
6
وكلام الزهاد والنساك كثير جدا، اهتم به الجاحظ وابن قتيبة، وغيرهما من المؤلفين، ولا شك في أن الصور الأدبية كانت مما لحظه من جمع كلام أولئك الرجال.
اهتمام المؤلفين بأدب النساك
وكان أكثر الصوفية معروفين بسعة الإطلاع وكثرة الحفظ، وكان في شريش صوفي حافظ للشعر فلا يعرض في مجلسه معنى إلا وهو ينشد عليه، فاتفق أن عطس رجل بمجلسه فشمته الحاضرون فدعا لهم، فرأى الصوفي أنه إن شمته قطع إنشاده بما لا يشاكله من النظم، وإن لم يشمته كان تقصيرا في البر ... إلى آخر ما حدث صاحب نفح الطيب.
7
وهذا الخبر في جملته فكاهة، ولكنه دليل على هيام الصوفية بالثقافة الأدبية.
حرص الصوفية على الثقافة الأدبية
अज्ञात पृष्ठ