ما هذا الطغيان؟ أكان للصوفية حقا أدب رفيع يلام على إغفاله أساتذة المدارس في الأقطار العربية؟
إي والله! كان للصوفية أدب هو أعلا وأشرف من أدب البحتري والمتنبي وأبي العلاء، ولكن طافت بالناس طائفة من الجهل فتوهموا أن لا صلة بين الأدب والدين، وراحوا يقفون فيما يتخيرون عند الكتاب والشعراء الذين ألفوا الروح المدنية، واتخذوا غذاءهم من الكئوس المترعة والوجوح الصباح.
إليكم هذا الشاهد النفيس، وهو دعاء لبعض الصالحين:
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعولت فيه على كريم عفوك.
ألا ترون قوة المعنى وطرافة الخيال في هذا الدعاء؟ أليس هذا من البوارع في الصور الأدبية؟... ثم انظروا قول مطرف وهو يستعيذ:
اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولا حقا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني.
17
ثم انظروا هذه المناجاة:
وعزتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي، وأعانني على ذلك شقوتي، وغرني سترك المرخي علي؛ فعصيتك بجهل، وخالفتك بجهل، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني.
18
अज्ञात पृष्ठ