طائعا مختارا ومات موت الجندي في ساحة القتال ، قصفا بالسيوف وطعنا بالرماح :
ويلوح لنا أن زمن أبي العتاهية كان ملآنا بالاضطراب ، فياضا بالفتن لخلو البلاد عن السلطة الوازعة ، لضعف خلافة بغداد وسوء طالعها على هذه البلاد ، وضيق دائرة نفوذها في ربوع جنوب الجزيرة فنتج من ذلك طبعا ، اختلال النظام ، واضطراب الحبل وانتشار الأمور ، واشتباه المخارج والموالج (1)، ورفع كل مواثب عقيرته بما يريد ، بحيث أصبح كل طامع ، أو متغلب يناهض الآخر ، ويصاوله ، ويحاول بكل قواه القضاء عليه ، وسلبه كالوحوش الضارية ، والذئاب العاوية والأمة بين الغالب والمغلوب كالحبة تحت الرحا والخيط بين شقي المقراض
والناس في فتنة عمياء قد تركت
أشرافهم بين مقتول ومحروب
وكان خليفة بغداد يقنع من المتغلب على القطر بالخطبة وضرب السكة ومن أولئك آل يعر (2) وبني زياد ، وهؤلاء وأولئك وجد فيهم الصالح والطالح ، ومن خانه البخت ، ومن ساعده الحظ ، والبلاء كالمرصد المهيأ لتدوين حركات الزلازل غرض النابل وفريسة الصائل.
ومن ملك البلاد بغير حرب
يهون عليه تسليم البلاد
فهي دائما ترتقب راجفة ، خسف وزلزال محنة لا تهدأ إلا لتثور ، ولا تسكن إلا لتثب ، فلم ترق هذه الحياة المضطربة أبا العتاهية ورأى أنه لا ندحة له عن الإنغماس في ذلك التيار المخيف : إلا بالقضاء على كل مشاغب ، وتقويم عناد كل معاند (وهم كثر) (3) والفوضاء ضاربة أطنابها في
पृष्ठ 95