وبدأ القتال بينهم وبين الطبريين أصحاب الإمام ، فانهزم الطبريون ، وخرج الإمام في أصحابه ، وحمل عليهم حملة ، فانهزموا وقتل خيارهم ، وتبعهم إلى الجبانة (1)، فسأله أبو العتاهية الرجوع فرجع ، ثم ان الجفاتم ، أرسلوا إلى أبي العتاهية يسألونه طلب الأمان لهم من الإمام ، فأمنهم الإمام ، ورجعوا إلى دورهم ، وفي اليوم الثاني أمر مناديا ينادي بالعطاء للعسكر ، فركب بعض الجند إليه ، وتخلف آخرون ، وبلغ الإمام عنهم كلام قبيح واجمعوا على حربه ، فلما كان من الغد ، وجه الإمام إلى كبارهم وأهل البأس منهم والعناد ، قال السيد العباسي (2): (فلما أتوه وصاروا في داره أمر بهم في الحبوس والحديد ، وأخذ سلاحهم ودوابهم وفرقها على الطبريين ، وهدأ البلد ، وانقطعت الفتنة ولبس الناس العافية : ولما استقرت الأحوال بالإمام سلم أبو العتاهية جميع ما في يده من الأموال والدواب والخيل والأسلحة وهجر الولاية وتزهد).
من أخمل النفس أحياها وروحها
ولم يبت طاويا منها على كدر
ولعل القارىء يستغرب ما هنا ولا يقتنع بالبرهان الشعري على مدح الخمول وتحسينه ، ويستبعد أن يكون الحافز لأبي العتاهية الى التنازل عن الملك ومأثرة الضنك والبؤس ، حب الخمول ، وتغلب النزعة الصوفية على روحه ، ولا سيما إذا عرف انه لم يلبس المسوح ، ويطيل السبحة ويأخذ زاوية المسجد ، ينتظر الموت فحسب ، بل نزل عن منصة الإمارة إلى ميدان الكفاح ، فخاض المعامع ، وقارع الأبطال وزج بنفسه في غمرات الموت
पृष्ठ 94