तारीख तर्जमा
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
शैलियों
وفي عصر محمد علي أيضا اعتنى بعض العناية باللغة الشرقية الثالثة - اللغة الفارسية - فكان يعرفها ويستعملها بعض المصريين والأتراك، ولكنها كانت محدودة الاستعمال جدا إذا قورنت باللغتين العربية والتركية، وسيزيد انتشارها كلما تقدمت السنون في عصر محمد علي؛ فقد فرض تعليمها على تلاميذ معظم المدارس الجديدة.
هذه هي اللغات الثلاث كما كانت تسمى في ذلك العصر، أما اللغة الفارسية فلم يكن هناك ما يبرر انتشارها الواسع، ويمهد لغلبتها، فظلت لغة العلية من المثقفين يتعلمونها ليشبعوا شغفهم وروحهم الأدبي فحسب، وأما اللغة التركية فقد زاحمت العربية فأصبحت لغة الصفوة كما ذكرنا، وترجمت إليها معظم الكتب التي ترجمت في عشر السنين الأولى من تاريخ الحركة (1822-1832)؛ وذلك لأنها كانت كتبا حربية، غير أن اللغة التي استطاعت أن تخفي لغة الشعب المصري بأسره بعد الفتح العربي بنحو قرنين من الزمان، وتصبح هي اللغة الأصلية، والتي استطاعت أن تتغلب على اللغة التركية قرونا ثلاثة سابقة، لم يكن ليعجزها رغم ضعفها أن تنتصر هذه المرة أيضا. يقول الأستاذ شفيق غربال بك: «وانتشرت التركية في مصر انتشارا جديدا تبعا لأنها لغة ولي الأمر، ولغة الحكومة، ولغة «الصفوة» من القوم، إلا أن تأثير ذلك في الثقافة المصرية كان ضئيلا، فلم تتأثر العربية بالنماذج التركية تأثيرا يعتد به، اللهم إلا في الرسائل، واستمر الكتاب على اتصالهم القديم بالنماذج العربية الأصلية، ولما ابتدءوا التطلع إلى غيرها من المناهل اتجه نظرهم إلى باريس لا إلى القسطنطينية.»
16
أجل اتجه المصريون بنظرهم إلى باريس، والذي وجههم هو محمد علي.
وقد بدأت اللغة التركية بدءا طيبا لأن التنظيمات العسكرية احتفظ فيها بشيء من الروح والتعليمات، والنداءات، والرتب العثمانية؛ ولهذا ترجمت الكتب الحربية الأولى إلى اللغة التركية، فلما افتتح محمد علي المدارس الأخرى؛ كالطب والهندسة والزراعة والألسن إلخ، وكان جل تلاميذها إن لم يكن كلهم من المصريين، ولغة هؤلاء المصريين هي اللغة العربية، ومن هنا بدأت اللغة العربية نهضتها الجديدة.
حقيقة إن العصر العثماني في مصر كان يشعر في نهايته بنهضة جديدة لهذه اللغة؛ ففي هذه النهاية وضع السيد مرتضى الزبيدي قاموسه «تاج العروس» في مصر، وفي هذه النهاية عني بعض شيوخ الأزهر بالأدب - نثره وشعره - كالشيخ الشبراوي والشيخ إسماعيل الخشاب، وفي شعرهما رقة وحلاوة جديدتان لم يعرفهما شعر العصر العثماني، وفيها أيضا ظهر عالم كالشيخ العطار، ومؤرخ كالجبرتي يعنيان بغير ما كان يعنى به علماء عصرهما.
غير أن هذه جهود فردية لم تكن لتستطيع النهضة باللغة العربية كما نهضت بها حركة الترجمة، التي شملت فنونا وعلوما كثيرة مختلفة، والتي زودت المكتبة العربية بعشرات الكتب الجديدة، ونقلت إليها ألوف المصطلحات والألفاظ التي لم تكن تعرفها.
وهناك أمر آخر له أهميته؛ ذلك أن حركة الترجمة تبعتها عناية كبيرة بالقواميس في مختلف اللغات الشرقية والغربية، فترجمت إلى اللغة العربية قواميس إيطالية وفرنسية وفارسية وتركية، وهذه محاولة قيمة جدا لها أهميتها وخطرها في تعريب العلوم الأوروبية الحديثة وتسهيل الصعاب أمام القائمين بالترجمة، وتزويد اللغة بثروة عظيمة من الألفاظ والمصطلحات.
وحركة القواميس الأجنبية استدعت العناية بالقواميس العربية القديمة، ففي عصر محمد علي بدأ التفكير في طبع القاموس المحيط، وفي سبيل طبعه روجع مراجعة دقيقة على نسخ مخطوطة كثيرة، وعلى النسخة التي طبعت قبل هذا العصر في كلكتا، وفي هذا العصر أيضا، وفي القاهرة، ترجم مستر «لين» هذا القاموس إلى اللغة الإنجليزية، ولكنه في سبيل أن تخرج ترجمته صحيحة مضبوطة اضطر إلى مراجعة كثير من القواميس والمعاجم العربية القديمة؛ كالجمهرة لابن دريد، والتهذيب للأزهري، والصحاح للجوهري والمحكم لابن سيده، والأساس للزمخشري، ولسان العرب لابن منظور، وتهذيب التهذيب للتنوخي، والمصباح للفيومي، وتاج العروس للزبيدي إلخ ... إلخ.
17
अज्ञात पृष्ठ