بعث النبي من بني هاشم فأي دعوة هذه التي ينقاد إليها بنو أمية وبنو سهم ، وبنو عدي ، وبنو زهرة ، وبنوتيم ، وبنو مخزوم ، وبنو أسد ، وسائر البطون من قريش والقبائل من كنانة .. إنها الاستهانة بكيان الأفخاذ وأمجادها في عرفهم ، وانها الاستكانة لداع سيحوز الفخر لبني هاشم دونهم فما بالهم لا يقاومون وما بال هذه القيم الأخلاقية الفاسدة لا تعارض فيما يضاد عرفها ، ما بالها لا تتكبر على الدعوة وتكابر في الحق ضنا بكيان الفخذ أو البطن أو القبيلة ومجافاة لهذا الاعداد الذي سيصهرهم غدا في بوتقة تنسيهم تراث آبائهم وتضيع معالمهم.
بهذا العنت قوبل النبي في فجر دعوته ، وعن هذه البواعث حورب في الصور والاشكال التي نجدها في مظانها من كتب السيرة والتي لا نستدل منها إذا أردنا الاستدلال إلا على التعصب والحزبية لأوضاع القبيلة والفخذ.
واحتمل النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحتمله إلا صاحب عقيدة راسخة ثم وجد أول ما وجد في مكة من استجاب لدعوته من الأفذاذ الذين تسمو عقولهم على ما ورثوا من أوضاع وترتفع بهم نفوسهم عن المكابرة إذا أبلج الحق .. والأفذاذ من هذا النوع ندرة لا يظفر التاريخ بهم إلا فيما قل .. فلا عجب إذا رأيناهم حوله أول ما نراهم أقلية لا يعدون أصابع اليد.
ويسفر الدين الجديد عن تعاليم جديدة فإذا في هذا الدين دعوة الى التكتل ونسيان القبيلة والكفر بالاصنام وإذا في الدين حد للاباحة المطلقة وإذا فيه كبح للذائذ والشهوات وإذا فيه تحليل وتحريم فأية أخلاق منحلة تقوى على التوحيد والتكتل وأية فوضى تحتمل التشديد والكبح ، إنه اختبار لا ينجح فيه شهواني وانها خطوة لا يستطيع أن يخطوها إلا وجدان عامر بغير الأهواء التي كان يعمر بها
पृष्ठ 67