[المقدمة]
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، القائل فيما أنزل من الهدى والبينات: { لقد كان في قصصهم عبرة}[يوسف:111] أحمده على ما أولاني من نعمه، وأشكره على أن هداني بما أنزل من كتبه، وبما جعل في الأرض من حججه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه، شهادة تنفعني في الأخرى، وتقيني مصارع السوء في الحياة الأولى، التي جعلت محلا للابتلاء، وعبرة بما مضى ألا ترى كم أفنى الله بها من الأمم الأولى، وجعلهم قصصا في الذكر تتلى، فتسلسل التاريخ إلى يومنا هذا وإلى يوم الدين ليسجل لمن بعده ما مضى، بينات وعبرا وحكما.
والصلاة والسلام على نبي الهدى المغير لتاريخ الضلال إلى النور والهدى، وجعل بما دعا وهدى كلمة الله هي العلياء، وعلى آله مصابيح الدجى وسفن النجا.
وارض اللهم عن صحابة النبي الذين اتبعوا طرق الهداية وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.
وبعد...
إن الله سبحانه قد جعل ما حكى لنا في كتابه من الأمم السالفة هداية وهدانا وأرشدنا إلى تدوين تاريخ من مضى ومن هو معاصر، ليقتدي اللاحق بالسابق، فالأمانة قد تحملها المؤرخون ليقولوا الحق وينطقوا بالصدق للأجيال المعاصرة واللاحقة، ولن يستطيع مؤرخ أن يقول الحق إلا بترك التعصب ونبذ الهوى، أما إذا اتبع المؤرخ هواه وقع في خطوات الشيطان، ورسم لنفسه ورغبته القواعد، وشحن مؤلفه بها يدعو إلى الهوى، ويصير كما قال القائل:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة
पृष्ठ 19