حماة في زمن المسلمين
بعدما فتح أبو عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنه - حمص وضع عليها عبادة بن الصامت، ثم فتح الرستن، ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين سنة 18 للهجرة فصالحهم على الجزية في رءوسهم والخراج على أرضهم، وأقام في حماة مدة اتخذ كنيستها العظمى جامعا، ثم رحل إلى شيزر فصالحه أهلها على ما صالحه أهل حماة، ومن ذلك الحين دخلت حماة تحت يد الدولة الإسلامية هي وتوابعها.
ظلت حماة تابعة للخلفاء الراشدين حتى دخلت في حكم الأمويين في جملة ما دخل تحت حوزتهم، وقد تناقص عمرانها من ذاك الحين، وخرب بعض بنيانها لنفرة أهل القرى من عرب كندة الذين قطنوا صحاري حماة من جهة الشرق، وعشائر كلب الذين سكنوا صحاريها من جهة الغرب فخلت القرى من السكان، ولا حياة لحماة إلا بالقرى فتراجع عمرانها لهذا، وألحقت بحمص فكانت من أعمالها إلى حد سنة 290. سيما وأن العباسيين لما أخذوا الخلافة لم يكن لهم عناية إلا بإعمار بغداد والعراق، فطفق الناس يهجرون أوطانهم ويقصدون التقرب من مركز الخلافة حتى خربت المدن الكبيرة التي كانت حماة تستقي منها موارد ثروتها مثل كورة البلعاث والأندرين ولطمين وصوران وبعرين وغيرها.
قال أحمد بن الطيب فيما شاهده من البلدان حينما كان سائرا مع المعتضد من بغداد إلى البلاد الشامية سنة 271: حماة قرية عليها سور حجارة، وفيها بناء بالحجارة واسع، والعاصي يجري أمامها، ويسقي بساتينها، ويدير نواعيرها. فسماها قرية وليست هي قرية كما يقول، ولكن من يشاهد بغداد في زمن المعتضد لا يستغرب منه تسمية حماة قرية.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: حماة مدينة قديمة جاهلية، ذكرها امرؤ القيس بشعره فقال:
تقطع أسباب اللبانة والهوى
عشية رحنا من حماة وشيزرا
إلا أنها لم تكن قديما مثل ما هي اليوم من العظم بسلطان مفرد بل كانت من عمل حمص. انتهى.
ولقد توالت الحوادث على حماة حتى كادت أن لا تخلو مدة من حادثة؛ فمما ضعضع أركانها وقوض بنيانها أيضا هجوم القرامطة عليها سنة 291 بقيادة أبي شامة رئيسهم، فإنه ملك حمص وحماة وقتل أهلها وأطفالها ونساءها، وعمل مثل ذلك بالمعرة وسلمية فقتل في سلمية كثيرين حتى صبيان المكتب، فأرسل إليهم المكتفي العباسي جيشا عظيما فالتقوا بهم عند قرية تمنع «تمانعة» فقتلوا من القرامطة كثيرين، وقبضوا على أبي شامة وابن عمه وغلامه فأمر الخليفة بقتلهم في بغداد.
ثم دخلت حماة في حوزة صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب وبقيت مدة تابعة لحلب، ثم استولى عليها شجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص سنة 477، ومن بعده ملكها خلف بن ملاعب صاحب حمص، ثم بعده أقطعها السلطان ملكشاه السلجوقي لآقسنقر فصارت تابعة لحلب. وفي 504 دخلت في حوزة «طغتكين» ملك دمشق.
अज्ञात पृष्ठ