مقدمة
تمهيد
زمن بني إسرائيل
حماة أيام اليونانيين
الرومانيون
حماة في زمن المسلمين
حماة القديمة
أفاضل حماة
الحركة العلمية
القبور المشهورة
अज्ञात पृष्ठ
بعض الفوائد
الخاتمة
مقدمة
تمهيد
زمن بني إسرائيل
حماة أيام اليونانيين
الرومانيون
حماة في زمن المسلمين
حماة القديمة
أفاضل حماة
अज्ञात पृष्ठ
الحركة العلمية
القبور المشهورة
بعض الفوائد
الخاتمة
تاريخ حماة
تاريخ حماة
تأليف
أحمد بن إبراهيم الصابوني
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
अज्ञात पृष्ठ
اللهم باسمك أبتدئ، ولك أحمد، وبك أستعين، مصليا ومسلما على نبيك المصطفى ورسولك المجتبى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه المرسلين. وبعد، فأقول - وأنا الملتجئ إلى الله أحمد بن إبراهيم الصابوني الحموي - إنني قد تصفحت كثيرا من الكتب التاريخية، وبحثت عن الآثار الخطية فلم أعثر لمدينة حماة على كتاب يذكر حياتها التاريخية ويعرب عن ماضيها وحاضرها.
ومن يعلم أن مدينة حماة من المدن القديمة ذات التاريخ العالي، ومنبت الرجال الأفاضل والملوك الأعاظم أصحاب المكانة الرفيعة، يعجب من تقاعد رجالها الغابرين ذوي الفضل كيف لم يخدم أحد منهم بلدته بوريقات يرقم فيها ما يكون لمعاصريه ومن بعده سميرا ودليلا. ولقد أنهضني لهذه المهمة أحد أصدقائي الأفاضل، فقمت بها متتبعا الآثار، ومقتفيا صحيح الأخبار، متمثلا بقول المعري:
والمرء ما لم تفد نفعا إقامته
غيم حمى الشمس لم يمطر ولم يسر
آملا ممن قرأ في هذا التاريخ وعثر على نقص أو زيادة أو غلط أن يصلح بقلمه ما رأى؛ فإن الإنسان محل النسيان، سيما وقد مضت الألوف من السنين، وقدم العهد وأصبح البحث عن الماضين وأحوالهم عسرا. على أن تاريخنا هذا مهما قصر فلا يخلو من فوائد عظيمة لم يطلع عليها الكثيرون، هدانا الله إليها فحفظناها فدوناها وقدمناها خدمة للمواطنين.
طليعة
من المعلوم لدى العقلاء الباحثين أن فن التاريخ شريف جدا، يطلع الناظر فيه على أحوال الأمم الماضية فيقيس بينهم وبين الحاضرين بمقياس العقل، ويعلم أسباب الانحطاط والرقي وكيف كان سير سكان البلدان وعوائدهم وأخلاقهم ليقتدي بالجيد ويتباعد عن الرديء. على أن العلوم التي ظهرت في هذا العصر والاختراعات التي وجدت لم تكن إلا نتيجة الأبحاث التاريخية واكتشاف أحوال السالفين ومدنيتهم. كلما تباعد الإنسان عن هذا الفن جمد فكره وسمج طبعه. وأي جهل فوق جهل من لم يعلم أمته ومبدأها وسكان موطنه وأصلهم إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تحصى.
الأمة إذا عنيت بتاريخ أسلافها دعاها ذلك الاعتناء إلى الاقتداء بهم والسير على طريقتهم، وعرفت كيف عرفوا أن يحيوا حياة طيبة ويستثمروا أرضهم ويعمروا أوطانهم. إن من الضروري أن يكون لكل مدينة تاريخ على حدة ليعنى أهلها به وليكون ذكرى لهم ولمجد آبائهم الغابرين، اللهم إن كان المؤرخ منصفا ولم يجعل قلمه سنانا يطعن به نحور قوم انتصارا لآخرين، ولقد تجرد تاريخنا هذا عن الغاية واتبع خطة الإنصاف إن شاء الله.
تمهيد
من المعلوم أن أصل المدن القديمة أن تأتي شرذمة من الناس إلى مكان ذي ماء، فتأخذ من أعواد شجره فتعمل ما يشبه الأكواخ فيسكنونها لتقيهم الحر والبرد، ثم يأخذون من الماء جداول يسقون به ما ينبت من الخضر والفاكهة والقمح وبعض الحبوب ليقوم بأجسادهم وحياتهم، ثم إذا حسنت أحوالهم وتمشوا في سبيل الحضارة شوطا وسطا بدلوا تلك الأكواخ ببيوت من خشب أو حجارة يرصفونها على حسب معرفتهم البسيطة، ثم يجيء دور العمران بتبدل الأزمان فيعملون البيوت الواسعة والقصور المشيدة، ويتهافتون إلى مضاهاة مجاوريهم بزخارف البنيان وتنضيد الأثاث؛ فتكثر بذلك أسباب المدنية. وعلى هذا اختار سكان حماة الأقدمون لسكناهم هذا الوادي العميق المتسع للانتفاع بماء النهر بسهولة.
अज्ञात पृष्ठ
وقد كانت صرة العمران ومبدؤه من محلة باب الجسر شمال القلعة من الطريق المسمى طريق الحلوانية على كتف النهر مستديرا حول القلعة إلى محلة المدينة شبه الهلال، ثم محلة المدينة وورائها الجبل المسمى بالعريصة، ثم امتد العمران. ولم تكن القلعة عامرة، وإنما كانت شبه جبل أولها مبدأ محلة الباشورة من الشرق، ونهايتها باب الجسر من قبلي المحلة. ولم تكن الباشورة منفصلة عن القلعة كما هي الآن، وإنما فصلها عن بعضها تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فكان الطريق الفاصل بينها وبين جبلها الباشورة هو الطريق الكائن بجانب جامع النبي حام من جهة الشمال كما سنذكر.
سكان حماة الأقدمون
لم يصل بحث المؤرخين لما قبل الطوفان، وإنما غاية ما علموه أن نوحا عليه السلام تفرقت ذريته في فضاء الأرض، وأن سكان حماة الأقدمين من ذرية ابنه حام. قالوا: ولد لحام أربعة ذكور: الأول كوش، والثاني مصراييم، والثالث فوت، والرابع كنعان. أما كوش فقد انتشرت ذريته في سواحل الصعيد الأعلى وهم الحبشة والسودان. وأما مصراييم فهو أبو المصريين. وأما فوت فمساكن ذريته برقة وما والاها من بلاد الغرب كالبربر. وأما كنعان فقد كانت مساكن ذريته على سواحل الخليج الفارسي كالقطيف والبحرين. وقد كانت لهم في تلك الأنحاء مدينتان عظيمتان: اسم إحداهما صور، والأخرى أرواد، فلما رحلوا إلى سوريا - حينما كان بينهم وبين ملوك بابل حروب اضطرتهم إلى هجر منازلهم - سكنوا على السواحل، وسموا بدل تينك البلدتين بلدتين باسميهما: صور، وأرواد، ولكثرتهم تغلبوا على سكان سوريا الأقدمين وهم الأراميون أبناء سام بن نوح عليه السلام.
تفرقوا في أنحاء سوريا إلى أربع فرق: الأولى أقامت في بلاد فلسطين، والثانية أقامت على سواحل الشام فيما بين جبل لبنان والبحر وهم الفنيقيون، والثالثة أغارت على الديار المصرية فاستولت عليها ومنهم الملوك العمالقة، والرابعة تعمقت إلى جهة الشمال من الشام، وسكنت في وادي نهر «الأورونت»؛ أي العاصي، ومعناه النهر الشرقي، وهذه الفرقة هي أعظم فرق الكنعانيين بكثرة رجالها وقوتها، وكانوا يسمون «الحثيين»، وذلك قبل ميلاد المسيح عليه السلام بألفين وخمسمائة سنة. وقد أطلقت التوراة اسم «حمث» على جميع البلاد الشامية نسبة إلى القسم الأكثر منها وهو حماة وتوابعها في سالف الزمن؛ فقد كانت آخذة من داخل الحماد وتدمر شرقا حتى قلعة المضيق غربا وحلب شمالا والشام جنوبا. أما البلاد العظيمة في ذلك الحين على طول نهر الأورونت فهي قادس عاصمة مملكة الحثيين وحمص وحماة، ثم حدثت أفاميا وأنطاكية والسويدية، وكانت حماة تسمى أبيفانيا.
تغلب الحثيون على الكثير من سكان سوريا الآراميين، وقويت شوكة الحماتيين منهم فبنوا البنيان الضخم، وغرسوا الأرض وفلحوها وغنموا من ثمرها ورسخت قدمهم في البلاد، غير أن توتمس الأول أحد فراعنة مصر غزا سورية وبلغ بلاد الحثيين، وقامت بين الفريقين الحرب، وأخيرا أخضع السوريين عموما وبلغ الفراة، وذلك في القرن 18 قبل الميلاد. ثم هب الحماتيون مع بقية السوريين لمحاربة المصريين، فتلاقوا مع توتمس الثالث ملك مصر سنة 1700 قبل الميلاد فلم يفلحوا، ودانت لتوتمس سورية مع حماة فأخذ منها جزية عظيمة. ثم غزا توتمس هذه البلاد ثانية فأخذ من أهليها ذهبا كثيرا وعبيدا وبقرا وغيرها. ثم ولي مصر توتمس الرابع فغزا بلاد الحثيين وقتل كثيرا من رجالها وأخذ أيضا غنائم عظيمة.
وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد غزا رعمسيس الأول - أحد ملوك مصر - بلاد سوريا، فلم يصل إلى وادي العاصي إلا ولقي جيوشا جرارة بقيادة «سابالت» ملك الحثيين فخاف من حربهم، وعقد معهم معاهدة صلح على أن تكون كلتا الدولتين عونا للأخرى تجاه العدو. ودام الأمر على هذا العهد حتى ملك مصر «ساتي» ابن رعمسيس المذكور، وهذا جهز الجيوش المصرية وأتى بها إلى سورية فغزا العرب في طريقه وأضعف قوتهم، ثم دخل سورية فتلقاه ملوكها بعساكرهم، فكان النصر حليف المصريين، وقتل من السوريين خلق كثيرون، وتغلغل ساتي في البلاد حتى وصل إلى قلعة قادس
1
مركز الحثيين، وهنالك اشتعلت نار الحرب الضروس وطال أمد لهيبها فنصبت المنجنيقات، ثم افتتح المصريون قادس رغما، غير أن هذا الفتح لم يضعف قوة الحثيين عن الدفاع والمحافظة على بقية أوطانهم فكانت الحرب سجالا، وآخر الأمر عقد الفريقان معاهدة صلح على أن ترد للحثيين أملاكهم المغصوبة، وأن لا يظهر من «موتنار» ملك الحثيين عداء على المصريين. كل ذلك منقوش على هيكل الكرنك بمصر.
وفي أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد ملك مصر «رعمسيس» الثاني ابن ساتي، وتأهب لغزو الحثيين، فطفقوا يتأهبون لحربه، فلم يلبث أن جاء إلى بيروت ثم نزل في حصن الأكراد. وكان «موتنار» ملك الحثيين جمع لحربه عساكر حلب وكركميش
2
अज्ञात पृष्ठ
وحماة فجهز 2500 مركبة، وكان يحب الحيلة أكثر من الحرب، فأرسل إلى رعمسيس ملك مصر رجلين أعرابيين يقولان له إن موتنار قد هرب إلى حلب، وإن رؤساء العشائر قد خذلته، فاغتر رعمسيس بذلك وسار بجيوشه حتى بلغ طرة العاصي، فخرج له موتنار بكمين عظيم فشتت جيش المصريين. لكن رعمسيس أظهر بسالة مدهشة فاخترق جيش الحثيين ثماني عشرة مرة حتى جمع عسكره إليه، فاستمر القتل وحمي الوطيس، فدارت الدائرة على الحثيين فقتل منهم ألوف، وغرق في نهر العاصي خلق كثير وفي جملتهم ملك حلب، فاضطر ملك الحثيين أن يطلب الصلح متذللا، فأجابه ملك المصريين إليه ثم عاد إلى مصر ظافرا غانما.
ثم نشبت الحرب أيضا بين سكان القطرين فدامت 15 سنة، قتل في أثنائها ملك الحثيين وخلفه أخوه «كيتامار»، فعقد مع المصريين صلحا على أن تكون كلتا الدولتين عونا للأخرى على العدو وأن لا تغزو إحداهما الأخرى، وتزوج رعمسيس بابنة كيتامار تأكيدا للمودة، ودام السلم إلى زمن رعمسيس الثالث، فأثار عليه ملك الحثيين حربا جمع فيه عسكرا جرارا وقصد مصر، فانكسرت عساكره وأخذ هو أسيرا وبقي في الأسر مدة، وما زالت نيران الثورة تشب بين القطرين وتخمد حتى أطفئت من جهة القطر المصري، وأوقدت من جهة سكان بابل ونينوى وهاتيك الجهات.
في سنة 1130 قبل الميلاد كان المالك لجهات بابل «تجلت فلاصر»، فأحب أن يملك بلاد الحثيين فغزاها بعدد وعدد، وبعد عوده لبلاده حفر على تمثال في بابل هذه العبارة:
أنا تجلت فلاصر المحارب الشريف ذللت بلاد «سوبير» الفسيحة، وقد استحوذ أربعة آلاف رجل من فصائل الحثيين العصاة على مدينة سوبرتا فروعتهم مخافة سلاحي، فأذعنوا وذلت رقابهم لنيري فغنمت أموالهم، وأخذت مائة وعشرين من مركباتهم ووهبتها لرجال بلادي، وجيشت جنودي المظفرة وزحفت إلى بلاد آرام، وسرت حتى مدينة «كركميش» في بلاد الحثيين، فعبرت الفرات، ووضعت بهم ملحمة كبرى، وغنمت من عبيدهم وأموالهم ما لا يدركه عدد، وافتتحت بعض مدنهم ونهبتها وحرقتها، وسرت إلى جبل اللكام فنكلت بأهله ونهبت أموالهم فدانوا لي صاغرين.
انتهى.
ثم عاد إلى بلاده فتبعه خلق من جبل اللكام مؤثرين الموت على الحياة فعاد إليهم وشتت شملهم وخرب بعض بلادهم. وفي سنة 883 قبل الميلاد كان الملك على بلاد الآشوريين البابلين «أشورنسيربال»، فسار إلى البلاد السورية أيضا غازيا، وقد وجدت كتابة غزوته هذه على الصخر، وهذه هي: «وسرت بجيشي على جانبي العاصي أياما إلى أن بلغت لبنان.» فقد مر على حماة وحاربها لأنه ذكر في عبارة أخرى أنه أخضع أكثر ملوك سوريا وبلادها.
ثم كان بعده ابنه «سلمناصر»، وهذا هجم أيضا بعساكره على البلاد السورية حتى وادي العاصي، وكان أهله قد استعدوا لحربه فشتت شملهم، وقتل منهم 1600 رجل، وأسر 4000 أسير واستاقهم إلى نينوى، فتبعه سكان وادي العاصي بجيوش عديدة وقوة عظيمة، فأعاد الكرة عليهم وقتل منهم خلقا كثيرا. ولم يزل سائرا بجيوشه حتى بلغ حماة فخرج لحربه ملكها «أيدكولينا»، وانضمت إليه ملوك سوريا - وفي جملتهم ملك دمشق وأخاب ملك الإسرائيليين وتسعة ملوك أخر - فدارت رحى الحرب على السوريين وقتل منهم 14 ألفا، ثم تبع ملك نينوى أهل دمشق فقتل منهم 20 ألفا، وأراد قتل ملكهم فهرب إلى البحر ونزل فيه على السفن فنجا بنفسه.
ثم ملك بعد سلمناصر «نيرر» حفيده فجدد شن الغارة على السوريين، غير أن مدته لم تكن كمدة سابقيه ذات حروب هائلة. وفي سنة 745 قبل الميلاد تولى مملكة الآشوريين تجلت فلاصر الثاني، فجمع قواته وسار إلى سورية فضعضع أهلها، وجاء إلى حماة فاستسلمت له ولم يقاومه ملكها المسمى «أنبال»، فساق منها ألوفا إلى بلاده أسرى كما ساق ألوفا من غيرها، ثم عاد مرة ثانية فأذل الرقاب وهلك العباد وخرب البلاد، وقد أحصي ملوك سوريا الذين خضعوا له فكانوا 25 ملكا.
ثم ملك الآشوريين رجل يقال له سرعون، فكان بينه وبين الحثيين سكان وادي العاصي شحناء أدت إلى أن جاء إلى بلادهم فقتل منهم عالما لا تحصى، واستاق البقية أسرى فأسكنهم في بلاد نينوى مركز الآشوريين، وأسكن في وادي العاصي من قومه غيرهم وذلك سنة 717 قبل الميلاد، وبهذه المرة انقرضت مملكة الحثيين من وادي العاصي، كما انتشر بعدهم الآراميون سكان دمشق الأقدمون المنسوبون لسام؛ فلهذا يطلق التاريخ على السوريين عموما اسم الساميين؛ لأن سكان وادي العاصي وإن كانوا قديما من ذرية حام هم وسكان أرواد وصور وتلك الأماكن غير أنهم انقرضوا، ومن بقي منهم اندمج في الأكثرين وهم الدمشقيون وغيرهم ممن يسمون بالآراميين نسبة لآرام ابن سام.
صناعة الحثيين:
अज्ञात पृष्ठ
من أهم صنائع الحثيين صنعة العمارة، ونحت الحجر، وإتقان التحصين، وإخراج المعادن الحديدية، والزراعة وغرس الشجر، وصناعة الأحذية وغيرها.
زيهم:
كانوا يلبسون الثوب القصير، ويشدون وسطهم بشيء يضعون فيه الخنجر، ويفتحون للثوب شقين طويلين من الجانبين، ويلبسون على رءوسهم قبعة طويلة مستديرة على الرأس مخروطة من فوق يحزمونها بمناديل ملونة ونقوش غريبة، وتلبس النساء ثوبا طويلا يستر الكعبين يشددن عليه حبلا ويعقدنه من الوراء.
أسلحتهم:
فأس ذو حدين، ورمح، وقوس وعصا.
أشكالهم:
كان لون وجوههم أبيض أحمر، لا يحلقون لحاهم، ولكن يحلقون رءوسهم ويتركون في وسطها شعرا مستطيلا مثل سكان البادية الآن، ويجعلون في أذن رجالهم حلقة.
عاداتهم:
كانوا يحتفلون بالميت احتفالا مدهشا فيستأجرون له النائحات، ويدفنون أعز شيء عليه معه، ويضعون شيئا من الزيت في القبر، وينزلون مع المرأة حليها وثيابها الجميلة، وينحتون القبر حجرا كبيرا كالصندوق على مقدار حجم الميت، ويقفون حول القبر ثم يهيلون عليه التراب. وكان لهم في كل أسبوع مجتمع يبيعون فيه ويشترون يقدم إليه خلق كثيرون.
مساكنهم:
अज्ञात पृष्ठ
أعظم بلادهم مدينة قادس، وحمص، وحماة، وكركميش التي تسمى الآن إيرابوليس.
عبادتهم:
يقال إن الحماتيين كانوا يعبدون صنما يسمونه أسيما، وقيل كانت مدينة بعلبك هي محل العبادة لجميع السوريين، فقد كانوا يعبدون الصنم المشهور باسم بعل - ومعناه في لغتهم الإله - ويعتقدون أنه هو الإله، وهو في نظر عامتهم ذات الشمس أو المشتري، وما قلعة بعلبك إلا بيت للصنم القديم، فقد كانوا يقصدونه من جميع الجهات في مواسم معلومة، وينهمكون على أحوال وحشية من الرقص على نغم المزامير والطبول، ويجلدون أنفسهم بالسياط حتى يبرز الدم، وربما قطع البعض يد نفسه أو رجله، ويذبح الأب ولده تقربا للصنم، وتنذر المرأة إباحة نفسها مدة تقربا، ويمتنعون عن أكل السمك، ويحترمون الطيور إلى غير ذلك، وقد كان في مدينة حمص هيكل للصنم المذكور أيضا ولكن دون ذاك.
هوامش
زمن بني إسرائيل
في حدود سنة 1000 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة تحت حوزة داود عليه السلام، وكانت تسمى في زمنه مملكة صوبة، وكانت من أكبر المدن؛ وذلك أن داود عليه السلام حارب ملك دمشق فانتصر عليه، وأخذ منه 1700 فارس و20 ألف راجل، وقطع أرجل خيل المركبات، فلما بلغ «توعي» ملك حماة الخبر أرسل لداود ابنه «يورام» فوقع على معاهدة صلح بينهما. ثم سار داود فملك حمص، وجاء إلى حماة ونزل فيها ضيفا ومالكا، ثم سار غازيا بلاد الجزيرة فامتلكها. وامتدت شوكة بني إسرائيل في ذلك الحين فكانت حماة تارة من أعمال الإسرائيليين وتارة مستقلة.
ثم لما ملك ياربعام - ثالث عشر ملوك الإسرائيليين - كانت حماة مستقلة فحاربها واستردها لحوزته، وهكذا كان شأنها حتى انقرضت دولة بني إسرائيل على يد بختنصر ملك بابل الذي جاء فخيم بجيوشه حول حماة، وأرسل وزيره بعساكره الجرارة فاستاقوا بني إسرائيل وتركوا منازلهم خاوية على عروشها.
حماة أيام اليونانيين
دخلت حماة مع سوريا في جملة ما استولى عليه الإسكندر من البلدان، وبقيت من سنة 332 قبل الميلاد إلى سنة 62 تتعاقب عليها عمال المملكة اليونانية، ولم تنج من الحروب الطائلة في تلك الأزمنة.
في حدود سنة 312 ملك البلاد السورية سلوقلس، فبنى مدينة أنطاكية واستقام بها، وسماها أنطاكية باسم أبيه أنطوكيوس، وبنى مدينة سلوقية - تسمى الآن «السويدية» - على ضفة نهر العاصي، وبنى أفاميا - وبدلها الآن قلعة المضيق - وسماها أفاميا باسم امرأته، وبنى باسم أمه لوزيقة مدينة اسمها الآن اللاذقية، وبنى قلعة حلب، وجاء إلى حماة فأمر بتسوية جبل القلعة على الاستدارة فسوي، وأمر ببنائها على صورة قلعة حلب.
अज्ञात पृष्ठ
ثم ما زال بعده الملوك يزيدون بها ويحسنون بناءها حتى أصبحت في الأزمنة الغابرة من أدهش القلاع، فقد بنيت على هيئة من الإتقان غريبة، ينظر الداخل إلى باب لها مشمخر تلوح عليه العظمة والأبهة، مبني بحجارة عظيمة على خمس جسور مرتفعة فوق الخندق، ثم يدخل إلى منعطفات الأبراج فيرى البلد من النوافذ المفتوحة للحراسة الواسعة من الداخل والضيقة من الخارج، ومن فوقها النوافذ الواسعة التي سدت بشبك من الحديد عظيم، وبعد قطع المدخل بنايات عظيمة من دار الحكومة ومحل الذخائر وبيوت السكن يحيط بها سور عظيم مرتفع. وفي مقابله جامع أبي الفداء جامع للقلعة ذي منارة شامخة، ومنه إلى الجهة القبلية بمسافة واسعة حمام كبيرة جدا. وفي طرفها الشرقي المطل على طريق باب الجسر بئر واسع فيه ماء عذب جدا يأتي من مكان خفي من نهر العاصي يقال إن ماءه لم يزل جاريا في باطنها حتى الآن. ولها طريق تحت الأرض يصل إلى العاصي من جهة الشمال مارا من تحت بستان الدوالك متصلا ببعض البيوت، وكانت مرصونة بالحجر الأملس من أسفل الخندق إلى حيطان السور لئلا يصعد إليها العدو. ولها خندق دائر حولها عميق جدا لا يكاد الواقف على السور أن يرى أسفله كان العاصي مرتفعا عنه، ولهذا الخندق طريق إلى الماء - من المكان المسمى الآن جسر الهوى في مدخل محلة باب الجسر - كانوا إذا أرادوا الحصار يفتحون منه ماء العاصي فيمتلئ من جميع جوانب الخندق فلا يقدر أحد أن يصل إلى القلعة.
وقد وصفها ابن جبير في رحلته حينما قدم حماة في دور سنة 570، فقال: وبإزاء ممر النهر بجوف المدينة قلعة حلبية الوضع، وإن كانت دونها في الحصانة والمنع. سرب لها من النهر ماء ينبع فيها، فهي لا تخاف الصدى، ولا تتهيب مرام العدى. انتهى. فقوله: «حلبية الوضع» يكفي لأن ننظر إلى قلعة حلب فنعرف حقيقة قلعة حماة، غير أن قلعة حلب أمنع من قلعة حماة بالنسبة لأهمية مركزها. وقال ياقوت: وفي طرف المدينة قلعة عظيمة، عجيبة في حصنها وإتقان عمارتها، وحفر خندقها مائة ذراع وأكثر. انتهى.
الرومانيون
في حدود سنة 64 استولى الرومانيون على حماة فيما استولوا عليه من بلاد سورية، وامتدت مدة ملكهم، وعظمت شوكتهم، ودخلت عليهم الحضارة فازدهرت البلاد وكثرت السكان، فقد كان المكان المسمى بلعاس في مدتهم كورة عظيمة ذات قرى كثيرة وأشجار مثمرة من زيتون وغيره، وهم الذين أنشئوا النواعير على العاصي ليستفيدوا من الماء فيجري إلى الأمكنة المرتفعة، ومما عملوه أن حفروا قناة ماء من جهة مصياف إلى حماة مغطاة بالحجارة يجري في داخلها الماء لتحيي به القرى المجاورة له وليشرب منه أهل المدينة، وعملوا قناة أخرى من شرقي سلمية مارة شمال حماة حتى قلعة المضيق لتعمر القرى المجاورة لها أيضا.
وكان لهم عناية كبرى في زرع الزيتون واستثماره فلا تكاد تمر بقرية من قرى حماة إلا وتجد آثار مطاحن الزيت وآثار مخازنه. وقد زادوا في بنيان القلعة، وحسنوا ما شاءوا، وعملوا بعض الجسور على نهر الأورونت «العاصي» وسنذكرها.
والذي يظهر من آثارهم أنهم كانوا أهل جد وعمل، وأن البلاد كانت آهلة بالسكان في أيامهم؛ فإن المتجول في بر حماة لا يكاد يفارق آثار قرية حتى يمر بآثار أخرى بحيث لو كانت عامرة بالسكان لأصبح عدد النفوس أضعاف أضعاف الموجودين الآن.
وكان لحماة أسوار محيطة بها من الحجر الأبيض - بناها أسطتينوس الروماني - ولها أبواب عديدة، وقد ظلت بيد الرومانيين حتى ملكها المسلمون.
عاداتهم:
كانوا إذا مات لهم ميت وضعوه في نعش، ومشوا أمامه حاملين تماثيل الميت وأسلافه، ويضعون في فم الميت شيئا من النقود ليعطيها للشخص الموهوم المسمى شارون - يزعمون أنه موكل بنقل الأموات إلى نهر الموت وأن هذه النقود أجرته - فإذا وصلوا إلى مكان الدفن أخذ الكهنة ماء ورشوا به من كان مع الجنازة. وكانوا يستعملون أيضا حرق الأموات فيطرحون جسم الميت على حطب مرتب على شكل مذبح، ثم يدور الحاضرون حوله بكل هدوء وسكون على أصوات الآلات الموسيقية، وبعد ذلك يأتي أحد أقارب الميت بشعلة من نار فيضرم الحطب، وأناس يلقون الطيب والروائح الطيبة، وعندما يحترق يطفئون النار بالخمر، ثم يجمعون الرماد ويضعونه في إناء ثمين ويلقونه في المدفن. وقد جرت عادتهم أنهم يطرحون مع الجندي سلاحه ومع النساء بعض حليهن.
وقد سلك الرومانيون مسلك من قبلهم من الأمم باتخاذ يوم من الأسبوع يجتمع فيه أهل القرى للبيع والشراء كيوم الخميس عندنا الآن.
अज्ञात पृष्ठ
حماة في زمن المسلمين
بعدما فتح أبو عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنه - حمص وضع عليها عبادة بن الصامت، ثم فتح الرستن، ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين سنة 18 للهجرة فصالحهم على الجزية في رءوسهم والخراج على أرضهم، وأقام في حماة مدة اتخذ كنيستها العظمى جامعا، ثم رحل إلى شيزر فصالحه أهلها على ما صالحه أهل حماة، ومن ذلك الحين دخلت حماة تحت يد الدولة الإسلامية هي وتوابعها.
ظلت حماة تابعة للخلفاء الراشدين حتى دخلت في حكم الأمويين في جملة ما دخل تحت حوزتهم، وقد تناقص عمرانها من ذاك الحين، وخرب بعض بنيانها لنفرة أهل القرى من عرب كندة الذين قطنوا صحاري حماة من جهة الشرق، وعشائر كلب الذين سكنوا صحاريها من جهة الغرب فخلت القرى من السكان، ولا حياة لحماة إلا بالقرى فتراجع عمرانها لهذا، وألحقت بحمص فكانت من أعمالها إلى حد سنة 290. سيما وأن العباسيين لما أخذوا الخلافة لم يكن لهم عناية إلا بإعمار بغداد والعراق، فطفق الناس يهجرون أوطانهم ويقصدون التقرب من مركز الخلافة حتى خربت المدن الكبيرة التي كانت حماة تستقي منها موارد ثروتها مثل كورة البلعاث والأندرين ولطمين وصوران وبعرين وغيرها.
قال أحمد بن الطيب فيما شاهده من البلدان حينما كان سائرا مع المعتضد من بغداد إلى البلاد الشامية سنة 271: حماة قرية عليها سور حجارة، وفيها بناء بالحجارة واسع، والعاصي يجري أمامها، ويسقي بساتينها، ويدير نواعيرها. فسماها قرية وليست هي قرية كما يقول، ولكن من يشاهد بغداد في زمن المعتضد لا يستغرب منه تسمية حماة قرية.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: حماة مدينة قديمة جاهلية، ذكرها امرؤ القيس بشعره فقال:
تقطع أسباب اللبانة والهوى
عشية رحنا من حماة وشيزرا
إلا أنها لم تكن قديما مثل ما هي اليوم من العظم بسلطان مفرد بل كانت من عمل حمص. انتهى.
ولقد توالت الحوادث على حماة حتى كادت أن لا تخلو مدة من حادثة؛ فمما ضعضع أركانها وقوض بنيانها أيضا هجوم القرامطة عليها سنة 291 بقيادة أبي شامة رئيسهم، فإنه ملك حمص وحماة وقتل أهلها وأطفالها ونساءها، وعمل مثل ذلك بالمعرة وسلمية فقتل في سلمية كثيرين حتى صبيان المكتب، فأرسل إليهم المكتفي العباسي جيشا عظيما فالتقوا بهم عند قرية تمنع «تمانعة» فقتلوا من القرامطة كثيرين، وقبضوا على أبي شامة وابن عمه وغلامه فأمر الخليفة بقتلهم في بغداد.
ثم دخلت حماة في حوزة صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب وبقيت مدة تابعة لحلب، ثم استولى عليها شجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص سنة 477، ومن بعده ملكها خلف بن ملاعب صاحب حمص، ثم بعده أقطعها السلطان ملكشاه السلجوقي لآقسنقر فصارت تابعة لحلب. وفي 504 دخلت في حوزة «طغتكين» ملك دمشق.
अज्ञात पृष्ठ
وفي سنة 509 أرسل السلطان محمد بن ملكشاه عسكرا لمحاربة طغتكين صاحب دمشق فكان طريقهم على حماة فخيموا حولها، وحاصروها غير أن مدة الحصار لم تطل ففتحوها عنوة، وأباحوا نهب أموالها ثلاثة أيام فنهبت، ثم سلموها إلى الأمير «قيرخان» بن قراجا صاحب حمص. واستقامت العساكر في حماة مدة ثم سارت منها إلى فتح كفرطاب والمعرة، فولى قيرخان - المذكور - على حماة ابنه الأمير محمود وكان لا يعرف من العدل والإنصاف شيئا فسام الناس خسفا وظلما. وفي 517 سار بعسكره إلى قلعة فامية
1
ليفتحها فهاجمها، فرمي بسهم من القلعة في يده فجرح فعاد إلى حماة، وعملت له جراحة فلم يبرأ وبعد مدة توفي ففرح الحمويون بموته، فلما سمع طغتكين ملك دمشق أرسل إلى حماة عسكرا فهاجموها واستلموا قلعتها فصارت من جملة بلاد طغتكين. ثم ملكها البرسقي التركي بن آقسنقر وبقي مدة ثم صارت لابنه مسعود، وبعد ذلك استردها توري بن طغتكين فولى عليها ابنه المسمى سونج بن توري بن طغتكين.
وفي سنة 523 سار عماد الدين زنكي بن آقسنقر من الموصل وعبر الفرات، وكتب إلى توري ملك دمشق أن يمده بالجنود لمحاربة الفرنج، فكتب توري لولده سونج صاحب حماة أن يسير معه بعسكره، فجهز عسكر حماة ورحل إلى حلب وخيم بظاهرها، فغدر به عماد الدين زنكي وقبض عليه ونهب خيامه وعساكره وأرزاق مقدميهم، ورحل من وقته إلى حماة فتسلمها بلا حرب لخلوها من الجند، ثم سار منها إلى حمص محاربا فحاصرها ولم يقدر على فتحها فرجع، وأبقى أمير حماة معتقلا عنده ثم أطلقه وأرسله إلى أبيه، وظلت حماة في ملك عماد الدين إلى سنة 527. وفي هذه السنة سار إسمعيل بن توري بن طغتكين ملك دمشق إلى حماة فحاصرها يوم عيد الفطر فجرى بينه وبين العساكر الحموية حرب ضروس، ولم يقدر أن يفتحها في ذلك اليوم، فلما كان الغد بكر إليها وزحف من جميع أبوابها وجوانبها وضيق الحصار، فطلب أهلها الأمان فأمنهم، وبقيت القلعة محاصرة غير أنها لم تكن في ذاك الحين حصينة ففتحها رغما واستولى على ما بها من سلاح وذخائر، ثم سار إلى شيزر ففتحها. ثم عاد إليها زنكي فاسترجعها، وظلت في يده إلى سنة 541 حين وفاته، فملكها بعده ابنه نور الدين محمود الملقب بنور الدين الشهيد رحمه الله.
وفي سنة 552 في شهر رجب اهتزت أرض حماة بالزلزال المزعج فخربت وتهدمت أسوار قلعتها. قال أبو الفداء: ويكفي أن معلم كتاب كان بمدينة حماة فارق المكتب وجاءت الزلزلة فسقط المكتب على الصبيان جميعهم، قال المعلم: فلم يحضر أحد يسأل عن صبي كان له هناك. وخربت شيزر أيضا حتى إن ملكها كان قد ختن ولده وعمل دعوة للناس وأحضر جميع أقربائه بني منقذ فاجتمعوا في داره فجاءت الهزة فسقطت الدار والقلعة عليهم فهلكوا عن آخرهم. وكان لصاحب شيزر حصان مربوط على باب الدار فلما جاءت الزلزلة وقتل الناس تحت الردم نجى من بني منقذ رجل واحد خرج هاربا فرفسه الحصان فقتله.
قام نور الدين رحمه الله المقام المرضي في ذلك الزمن؛ فإنه مع اشتغاله بالحروب العظيمة تدارك حماة بإعادتها كما كانت فبنى أسوارها، وأعاد قلعتها فتراجع إليها الناس، وبنى جامعه المعروف وبجانبه المارستان ووقف لهما أوقافا طائلة، وبنى غير ذلك من المساجد - وسيأتي ذكره - ثم بنى أسوار دمشق وحمص وشيزر وبعلبك وحلب وكلها كانت قد خربتها الزلزلة المذكورة. وفي سنة 569 توفي نور الدين رحمه الله فدخلت حماة في حوزة ابنه الملك الصالح إسماعيل. وفي سنة 570 في غرة ربيع الثاني ملك البلاد الشامية والمصرية السلطان صلاح الدين الأيوبي فكانت حماة في جملة ما ملك، وولى عليها خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي، وأمره بتهيئة العساكر لمحاربة الملك الصالح إسماعيل وأعمامه الذين ساروا من الموصل وحلب لمحاربة صلاح الدين كي يسترجعوا ملك نور الدين لابنه الملك الصالح، فتوجهت عساكر حماة مع صلاح الدين فالتقى الجمعان عند قرون حماة،
2
فهزمهم صلاح الدين وتبعهم منهزمين فطلبوا الصلح، فصالحهم على أن تبقى بيده الشام وتوابعها وأن تكون حلب للملك الصالح. ثم سار صلاح الدين إلى مصياف،
3
وكان الإسماعيليون يقصدون قتله - وقد طعنه أحدهم فلم يصب منه مقتلا - فسار لحربهم، وفي مسيره خرب قلاعهم وأحرقها، فلما قرب من مصياف كتب صاحبها إلى صاحب حماة خال صلاح الدين أن يتوسط بالصلح ففعل، وكتب لابن أخته أن يصفح عنهم ففعل ورحل عنهم إلى مصر.
अज्ञात पृष्ठ
وبعد رحيله ووصوله إلى مصر سنة 572 سار الفرنج بجموعهم إلى حماة - وكان عاملها مريضا - فشددوا عليها الحصار، واجتمعوا حول السور حتى كادوا يفتحونها قهرا فجد سكانها في قتالهم، وأخرجوا الفرنج إلى خارج السور بعدما دخلوا بعض جهاته، واستمر القتل أربعة أيام ثم رحل الفرنج إلى مدينة حارم. وفي أثناء ذلك توفي عامل حماة شهاب الدين الحارمي - وتوفي ولده أيضا - فحزن عليه السلطان صلاح الدين، وسير إلى حماة ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر المجاهد العالم صاحب الخيرات والمبرات، وأمره بحفظ البلاد، فلما قرب من حماة خرج أهلها لاستقباله، فلم يلبث فيها إلا قليلا حتى ندبه عمه السلطان صلاح الدين إلى محاربة قليج أرسلان التركي صاحب بلاد الروم؛ فإن قليج أرسلان المذكور قصد أخذ مدينة رعبان من عامل صلاح الدين، فتوجه ملك حماة الملك المظفر تقي الدين عمر إلى حرب قليج أرسلان بألف فارس حموي، والتقى الجمعان على حصن رعبان، وكانت جيوش قليج أرسلان عشرين ألفا فهزمتهم العساكر الحموية، وعاد ملك حماة إلى حماة مفتخرا يقول: هزمت عشرين ألفا بألف.
وفي سنة 582 ألحق السلطان صلاح الدين الأيوبي بمدينة حماة منبج، والمعرة، وكفرطاب، وميافارقين وجعلها من توابع حماة. وفي سنة 584 سار السلطان صلاح الدين إلى جبلة فتسلمها، ثم حاصر اللاذقية فتسلمها أيضا وسلمها لملك حماة، فشرع ملك حماة في إعادة بنيان قلعتها وتحصينها كما كان فعل في قلعة حماة؛ فإنه شاد ما تشعث من بنيانها، ثم عاد من اللاذقية وقد طمح بصره إلى توسيع نطاق المملكة الحموية، فسار بعسكره إلى ما وراء الفرات وملك حران وغيرها، واستولى على السويداء ومدنا كثيرة في حروب عظيمة، وبينما يجد في الفتوح أدركه المرض ثم الموت فتوفي في رمضان يوم الجمعة سنة 587، وكان معه ولده الملك المنصور محمد فأخفى خبر موته ورحل به إلى حماة ودفنه في ظاهرها، وبنى إلى جانب التربة مدرسة، وسيأتي ذكرها.
ثم ملك حماة بعده ابنه الملك المنصور محمد - المذكور - بأمر عم أبيه صلاح الدين، غير أن صلاح الدين أخذ منه البلاد التي افتتحها أبوه وأبقى له منها منبج وقلعة المضيق وسلمية والمعرة تابعات لحماة. ثم جهز الملك المنصور جيشه وسار إلى فتح قلعة بارين
4
فحاصرها ونصب عليها المجانيق، فأصابه سهم بيده فجرحت حين الزحف فلم يرجع وبقي مجدا في فتحها حتى فتحها في 29 ذي القعدة سنة 595، وأقام بها مدة لإصلاح شئونها ثم رجع إلى حماة. فلما بلغ خبر فتحها الملك العادل ابن أيوب أمر باسترجاعها لصاحبها ابن المقدم، فلم يرض صاحب حماة بذلك، وأخيرا سمح لابن المقدم بمنبج وقلعة نجم
5
عوض بارين فرضي بذلك. وفي سنة 597 كتب الملك الظاهر صاحب حلب لملك حماة أن ينضم إليه ليتحدا ويحاربا عمهما الملك العادل خليفة صلاح الدين، ووعده إن انضم إليه أن يعطيه قلعة المضيق ومنبج، فلم يرض بذلك ملك حماة وأحب أن يدوم ولاؤه للبيت الأيوبي، فغضب الظاهر وجهز جيشا كثيفا، وسار إلى فامية ومنها إلى حماة وخيم حولها، فحاصرت وأغلق أهلها أبواب السور ، فخربت عساكره المقابر لكثرتها، ثم هاجموا حماة من باب السور الغربي في محلة المدينة فوقعت فيه معركة عظيمة، ثم فرق العساكر على الباب الغربي والباب القبلي وباب العميان - وكلها في محلة المدينة - فقاتلوا قتالا شديدا، ورمي الملك الظاهر بسهم في ساقه فجرح، واستمرت الحرب أياما حتى ضاق الخناق على الحمويين، ثم جرى بين الفريقين الصلح على أن يدفع ملك حماة ثلاثين ألف دينار غرامة حربية فدفعها للملك الظاهر، ورحل عنها إلى دمشق ليملكها فلم ينجح، وعاد إلى حلب فطلبه الملك العادل لينتقم منه، وسار من مصر طالبا إياه حتى وصل إلى حماة وحل ضيفا عند ملكها، وكان نزوله على تل صفرون
6
فقام الملك المنصور بإكرامه، وكان خبر قدومه إلى حماة بلغ ابن أخيه ملك حلب فأرسل إليه يلاطفه ويعتذر إليه، وأرجع المعرة إلى ملك حماة بعد أن أخذها منه، ولم يزل يسترضيه حتى رضي ورحل إلى دمشق راضيا. وفي سنة 599 قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد وطرابلس وغيرهما فتلقاهم الملك المنصور لبعرين، وأنجده ملك بعلبك وملك حمص، وهناك اشتعلت نيران الحرب وامتدت في صحاري بعرين في زمن شهر الصوم، فكانت الهزيمة على الفرنج بعدما تركوا قتلى وأسرى لا تعد، فعاد ملك الديار الحموية إلى بعرين من ميدان الحرب ظافرا فاستقبله الفاضل بهاء الدين السنجاري مادحا له بقوله:
ما لذة العيش إلا صوت معمعة
अज्ञात पृष्ठ
ينال فيها المنى بالبيض والأسل
يا أيها الملك المنصور نصح فتى
لم يلوه عن وفاء كثرة العذل
اعزم ولا تترك الدنيا بلا ملك
وجد فالملك محتاج إلى رجل
يا أوحد العصر يا خير الملوك ومن
فاق البرية من حاف ومنتعل
ثم إن الفرنج لموا شعثهم وعادوا بقوة هائلة للحرب - وكان المنصور لم يرحل من بعرين - وكان عودهم بعد ثمانية أيام من هزيمتهم، فجدد المنصور الحرب وحمي وطيسها، فانكشف الفرنج منهزمين شر هزيمة بعد ترك قتلى وأسرى، ثم عاد ملك حماة إلى بعرين فهنأه سالم بن سعادة الحمصي بقصيدة منها:
وشننت منتقما بساحل بحرها
جيشا حكى البحر الخضم عرمرما
अज्ञात पृष्ठ
أسدلت في الآفاق من هبواته
ليلا وأطلعت الأسنة أنجما
ثم إن الفرنج لما لم يقدروا على فتح بعرين تركوها وساروا قاصدين حماة، فبلغ الحمويين الخبر فاستعدوا للقاهم فلم يشعروا إلا والفرنج قد وصلوا لقرية الرقيطاء ونهبوا المواشي والقافلة والقرى وقبضوا على شهاب الدين البلاعي محافظ بر حماة فأخذوه أسيرا، ولما وجدوا أن أبواب أسوار حماة أغلقت في وجوههم تركوها وعادوا بالأسير والغنائم، فهرب منهم شهاب الدين في الطريق وتعلق بجبال بعلبك ورجع إلى حماة.
ثم رجع الملك المنصور من بعرين فمسته الحمى الشديدة وورم دماغه وتوفي سنة 617، وكان فاضلا عظيما - وستأتي ترجمته - وحينما توفي كان ولده الملك المظفر المعهود إليه بالملك عند خاله الملك الكامل في مصر، وولده الثاني الملك الناصر عند خاله الملك المعظم صاحب دمشق، فجمع وزير أبيهما زين الدين ابن فريج أعيان حماة وشاورهم فيمن يولونه فاتفقوا على تولية الناصر، وكاتبوا خاله ملك دمشق فأرسله إليهم فملكوه حماة وتوابعها بعرين وسلمية والمعرة، وكان أخوه المظفر قد بلغه خبر وفاة أبيه المنصور فقصد حماة ليتولى الملك وفي الطريق بلغه أن الملك ذهب منه إلى أخيه فذهب إلى دمشق واتخذها مسكنا.
في سنة 618 قوي طمع الفرنج بالاستيلاء على مصر، فكتب ملكها الكامل إلى أخويه ملك دمشق وملك حلب يطلب معونتهما، فسار الأشرف بعساكره من حلب ومر بطريقه على حماة فاستصحب ملكها الناصر بعسكره، وسارت عساكر دمشق وملكها المعظم فكان الحرب في دمياط، وانهزم الفرنج فعادت العساكر الحموية إلى مكانها مع ملكها.
في سنة 619 سار الملك المعظم صاحب دمشق لمحاربة ابن أخته الناصر صاحب حماة؛ لأنه حين طلبه الحمويون ليولوه عليهم شرط عليه مالا يدفعه إليه فوعده بذلك ولم يف له، فخيم بعساكره على قرية قيرين،
7
فأغلق الحمويون أبواب السور وحاصروا، وزحفت عليهم الجنود الدمشقية فجرى قتال قليل، ثم رحلوا عنها إلى سلمية فنهبوها لأنها من توابع حماة، وولى الملك المعظم عليها واليا من قبله، ثم قصد المعرة فاستلمها أيضا وولى عليها واليا من قبله، ثم عاد إلى سلمية وخيم حولها على نية العود لمحاربة سكان حماة وملكهم، وبذهاب هاتين المدينتين لم يبق لحماة ملحقات سوى بعرين. وفي هذا الأثناء جاء كتاب من الكامل ملك مصر إلى أخيه ملك دمشق أن يرحل عن سلمية ويعفو عن ملك حماة ويعود إلى دمشق ففعل، وولى الملك المظفر محمودا أخا الملك الناصر ملك حماة على سلمية بأمر الملك الكامل، وأعاد المعرة لملك حماة وذلك سنة 621.
وفي سنة 626 أعطى الملك الكامل دمشق لأخيه الملك الأشرف، وكان الأشرف يحب الملك المظفر محمودا أخا الملك الناصر ملك حماة محبة عظيمة، فطلب من أخيه الكامل مساعدته على تولية المظفر وعزل الناصر، فسار الكامل من مصر بجيش جرار، ونزل في المريج
8
अज्ञात पृष्ठ
ثم سار منها إلى سلمية، وأرسل عسكرا نازلوا حماة، وكان قائد عسكره شيركوه صاحب حمص، فاستولى الجبن على الناصر صاحب حماة - الملقب قليج أرسلان - فأرسل إلى شيركوه: إني أريد أن أحضر عندك في الليل لتحضرني بين يدي الكامل. ثم خرج إليه في العشر الأخير من رمضان، فسار به إلى الكامل، فحين رآه شتمه وأمر باعتقاله، وأمره أن يكتب لنوابه بحماة بتسليمها، فكتب إليهم أن يسلموها. وكان من جملة النواب الطواشي بشر والطواشي مرشد فامتنعا، وأنزلا من القلعة الملك المعز أخا الملك الناصر - المذكور - فملكاه حماة، وكتب أعيانها للكامل أنهم لا يسلمونها إلا لأحد ذرية تقي الدين عمر - المتقدم ذكره - فأرسل الملك الكامل يقول للمظفر: اتفق مع غلمان أبيك. وكان المظفر محاصرا لحماة مع عسكر الكامل، فراسل الحكام فاتفقوا معه أن يفتحوا له باب النصر وقت السحر، فحضر في الوقت المعين ففتحوه له فدخل وسار إلى دار الوزير المعروفة بدار الإكرام
9
في باب المغار،
10
وفي الصباح حضر الحمويون يهنئونه بالملك، وكانت مدة أخيه الناصر تسع سنين إلا شهرين. ثم بعد يومين صعد المظفر إلى القلعة وتسلمها وعمره إذ ذاك 27 سنة، وسلم أمور المدينة وتدبير شئونها للأمير سيف الدين علي الهدباني. ولما استقر المظفر في حماة انتزع الملك الكامل منه سلمية وسلمها إلى شيركوه ملك حمص، وانتزع بعرين وسلمها للناصر ملك حماة السابق فلم يبق لحماة توابع سوى المعرة.
وقد هنأ شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز محمد بن عبد المحسن الأنصاري الملك المظفر بقصيدة منها:
تناهى إليك الملك واشتد كاهله
وحل بك الراجي فحطت رواحله
ترحلت عن مصر فأمحل ربعها
ولما حللت الشام روض ماحله
अज्ञात पृष्ठ
وعزت حماة في حمى أنت غابه
بصولته تحمى كليب ووائله
وقد طالما ظلت بتدبير أهوج
يخيب مرجيه ويحرم سائله
ثم تزوج المظفر ببنت خاله الملك الكامل غازية خاتون.
وفي سنة 627 بنى صاحب حمص شيركوه قلعة شميميش
11
بغير رضاء ملك حماة فكان بينهما شحناء لذلك.
وفي هذه السنة قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد، فخرج إليهم الملك المظفر محمود، ووقع بينهم القتال عند قرية تسمى أفيون قريبة من البلد على طريق بعرين، فانكسر الفرنج شر كسرة وعاد المظفر إلى حماة منصورا غانما.
وفي سنة 630 سار المظفر إلى قلعة شيزر بعساكره لمعاونة الملك العزيز صاحب حلب على استلامها من يد صاحبها شهاب الدين يوسف بن الداية فحاصروها واستلموها منه مع ما يتبعها كقلعة أبي قبيس.
अज्ञात पृष्ठ
12
ثم عاد المظفر إلى حماة، وأرسل للملك الكامل يطلب منه أن يأذن له بانتزاع مدينة بعرين من أخيه الناصر، فأذن له فسار إليها وحاصرها، فلم يقدر الناصر على مقاومته فنزل إليه وسلمه البلد، فأكرمه أخوه المظفر ولاطفه وسأله الإقامة في حماة فأبى، وسار إلى الكامل فأكرمه ثم بلغه عنه ما يغيظه فسجنه ومات سجينا.
وفي سنة 631 قدم الملك الكامل من مصر قاصدا بلاد الروم لمحاربة ملكها كيقباذ بن كيخسرو لامتلاك بعض بلاده، فنزل الكامل شمال سلمية، وكتب لملك حماة أن يتهيأ للمسير معه فسار بعسكره من حماة، ولم يبق ملك من ملوك الشام إلا وقد سار معه، وسار أمام الجميع الملك المظفر صاحب حماة بألفي محارب إلى خرتبرت، فخرج إليهم ملك الروم واقتتلوا، فهرب عسكر الكامل، وحصر المظفر مع عسكره في خرتبرت، وشدد كيقباذ عليه الحصار، وكان مركز الكامل في السويداء، فبلغه أن ملك حمص سعى إلى الملوك الذين هم بصحبة الكامل فأفسد نياتهم فتقاعدوا عن القتال، فلم يشأ الكامل أن يظهر ما يكنه ضميره فأغضى على قذى، ولم يعد في إمكانه نجدة ملك حماة، فطلب حينئذ المظفر مع عساكره الحمويين الأمان، فأمنه كيقباذ وأكرمه وخلع عليه ونادمه وأقامه عنده ضيفا يومين، ثم رجع مع الكامل فنزل المظفر على المعرة، وشرع في بناء قلعة المعرة وأتمها على هيئة جميلة وأودعها كمية عظمى من سلاح وذخائر.
وفي سنة 635 توفي الأشرف ملك دمشق فملك بعده أخوه الصالح، وكتب لملك بلاد الروم وحلب وحمص أن يكونوا معه لمحاربة أخيه الكامل ملك مصر وبلاد سوريا، فأجابوه إلى ذلك وامتنع ملك حماة، وقد وصل الخبر إلى الكامل فجد المسير بعساكره حتى حاصر دمشق، وكانت الجنود قد قدمت من حمص نجدة لملك دمشق فقبض الكامل عليهم وشنقهم بين البساتين، وأرسل توقيعا لملك حماة بانتزاع سلمية من ملك حمص، فأرسل المظفر إليها نوابه فتملكوها. ثم إن ملك دمشق أذعن لملك مصر وسلمه دمشق فعوضه عنها بعلبك. وجهز الكامل ملك مصر عساكره للانتقام من شيركوه صاحب حمص، وكتب إلى صاحب حماة أن يسير بعساكره لينضم إلى عسكر الكامل، فبرز من حماة وخيم على الرستن، فخاف شيركوه جدا، غير أن الكامل لحقه المرض فتوفي في دمشق وللحال رحلت عساكره عن حمص، وعاد المظفر إلى حماة بعدما حاصر حمص.
وفرح شيركوه بذلك فرحا عظيما، وأرسل عساكره إلى سلمية فطردوا نواب ملك حماة منها، وقطعوا ماء القناة التي كانت تجري من سلمية إلى بساتين حماة، فيبست البساتين ولحق الحمويين بذلك ضرر فاحش، ولم يكتف ملك حمص بذلك بل أرسل فعلة من حمص إلى البحيرة فبنى تجاه الماء سدا عظيما حول به ماء العاصي عن حماة إلى الأودية؛ فوقفت النواعير وكاد الماء أن ينفد منها لكن الماء هدم السد وتحامل بكليته وعاد إلى مجراه الأصلي، كل ذلك كان انتقاما من ملك حماة لمعاونته الملك الكامل.
كذلك اغتاظ توران شاه بن صلاح الدين ملك حلب من المظفر ملك حماة لموافقته للملك الكامل ، فأرسل من حلب جيشا عظيما لينتقم به من الحمويين وملكهم، فوصل الجيش للمعرة وافتتحها وخرب قلعتها العظيمة التي كان قد بناها المظفر وأودعها الذخائر وولى عليها نائبا من قبله. ثم سار توران شاه بجنوده إلى حماة فحاصرها، ونهبت عساكره ما قدرت من أطراف المدينة، وطال الحصار حتى ضاق الخناق وأتلفت أموال كثيرة لا تحصى.
ثم رحل توران شاه بعساكره إلى حلب، ولم يبق من توابع حماة سوى بعرين، فإن سلمية انتزعها ملك حمص، والمعرة انتزعها ملك حلب، فخشي ملك حماة أن تذهب بعرين أيضا، فأمر بهدم قلعتها للأرض فهدمت، ثم سار ملك حماة إلى دمشق بعسكره نجدة للملك الصالح للاستيلاء على دمشق وبعد ذلك عاد إلى حماة وفي عوده حاصر حمص ثم رحل عنها.
ولما ملك الصالح دمشق سار منها إلى مصر وأبقى ابنه المغيث نائبا عنه في دمشق، فاغتنم عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك الفرصة ومعه شيركوه ملك حمص، فسارا بجموعهما إلى دمشق لأخذها للصالح من يد نائبها ابن أخيه - المذكور - وذلك سنة 637، وبعد حصار طويل استلمها الصالح إسماعيل من ابن أخيه قهرا. وكان ملك حماة قصد أن يحفظ دمشق لصاحبها، فأرسل نجدة مع أحد الأمراء المسمى سيف الدين علي من عسكر وسلاح ومال كثير، وأظهر المظفر وعلي - المذكور - أنهما قد اختصما، وأن عليا قد غضب وأراد فراق حماة فتبعه بعض الجند ومعهم الذخائر يموهون أن صاحب حماة يريد تسليمها للفرنج؛ وذلك خوفا من شيركوه ملك حمص كي لا يمنع عليا عن المسير في الطريق، فلم تخف هذه الحيلة عليه فكمن لهم عند بحيرة حمص، فلما قدم علي بمن معه تلقاه شيركوه ورحب بهم وأظهر أنه مصدقه ودعاه للضيافة في حمص، فعاد معه هو وبعض الجند والآخرون شعروا بالحيلة فهربوا وسلموا، فلما وصلوا إلى حمص قبض عليهم شيركوه وسلب ذخائرهم وأموالهم وسلط عليهم من يعذبهم، وهم يستجلبون له الأموال من حماة ليشتروا بها أنفسهم من العذاب حتى أفقرهم. ومات رئيسهم علي وكثيرون معه في السجن وبقي الباقون في السجن حتى مات شيركوه، وكان ذلك سببا عظيما لضعف قوة المظفر ملك حماة ضعفا عظيما. ثم توفي شيركوه بعد برهة وخرج السجناء وملك حمص بعده ابنه إبراهيم.
وفي سنة 642 توفي الملك المظفر محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ملك حماة، فكانت مدة ملكه 15 سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام. فملك بعده ابنه الملك المنصور محمد، ولكونه لم يجاوز عمره العشر سنين قام بتدبير المملكة مملوك أبيه سيف الدين طغريل، والشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة، والطواشي مرشد، والوزير بهاء الدين ابن التاج، وهؤلاء يرجعون بالرأي إلى أم المنصور غازية خاتون بنت الملك الكامل.
وحينما ملكوا عليهم المنصور أرسلوا عسكرا إلى سلمية فانتزعوها من صاحب حمص وألحقوها بحماة.
अज्ञात पृष्ठ
وفي سنة 652 ولى الملك المنصور شمس الدين إبراهيم بن هبة الله البارزي قضاء حماة لفضله الشهير.
وفي سنة 657 قدم هولاكو بعساكره في العشر الأخير من ذي الحجة إلى حلب - وكان حاكمها توران شاه بن صلاح الدين - فخرج عسكر حلب لقتالهم فكانت الملحمة عند بانقوسا، فانكسر الحلبيون وتبعهم التتر يقتلون منهم، فازدحم الناس في أبواب المدينة فخنقوا بعضهم لشدة الزحام فلم يسلم إلا من سلمه الله.
وملك هولاكو حلب وطار الخبر إلى دمشق فهيئت الجنود للحرب، وبرز الناصر ملك دمشق إلى برزة بعساكره لاستقبال حرب هولاكو، ووقع الرعب في قلوب سكان البلاد الشامية، فرحل الملك المنصور ملك حماة إلى برزة ولم يبق في حماة غير النواب، فلما بلغ سكان حماة ما فعل التتر بحلب أرسلوا الطواشي مرشدا إلى ملكهم المنصور وهو في برزة يستشيرونه ما يصنعون، ثم أجمعوا على التسليم، فسار الوجهاء إلى حلب ودخلوا على هولاكو وسلموه مفاتيح البلد وطلبوا منه الأمان فأمنهم، وأرسل معهم عاملا من قبله اسمه خسروشاه فتولى شؤون حماة وأمن الرعية وتسلم القلعة.
وحينما بلغ خبر مسير هولاكو إلى دمشق فر ملكها وملك حماة معه إلى مصر خوفا ورعبا، أما ملك حمص - وهو الأشرف موسى بن إبراهيم بن شيركوه - فإنه قصد هولاكو طالبا الأمان فأمنه، ثم انهالت عساكره في البلاد الشامية تقتل وتنهب وتفتك، وقد عملت أعمالا لم يسمع مثلها عن بختنصر في بيت المقدس.
ثم قفل هولاكو راجعا إلى جهة الشرق وأذن لصاحب حمص بالعودة لبلاده وأمره أن ينزل في حماة فيخرب أسوار قلعتها، فقدم الأشرف ملك حمص إلى حماة ونزل في دار المبارز،
13
ثم هدم أسوار القلعة وحرق ما فيها من الذخائر وعدة الحرب، وباع الكتب التي كانت في دار السلطنة بثمن بخس جدا، ثم قصد تخريب أسوار المدينة فعظم الأمر على الحمويين، فبادر محافظها المسمى إبراهيم بن الإفرنجية بالرشوة إلى عامل هولاكو خسروشاه لأجل أن لا يهدمها - خيفة من أن يرحل أهلها عنها لأنه إذا هدم أسوارها طمع فيها الفرنج - فأخذ الرشوة منه ومنع ملك حمص عن هدمها.
وقد خربت التتر أيضا جميع القلاع كقلعة حلب ودمشق، وأمر هولاكو أيضا صاحب حمص - المذكور - أن يخرب قلعة حمص فامتثل أمره وخرب من أسوارها جانبا وترك البقية لأنها مقر ملكه وذلك سنة 658.
ثم إن الملك المظفر قطز ملك مصر سار بجيوش المسلمين من مصر وبصحبته ملك حماة وأخوه الأفضل في أوائل رمضان من هذه السنة لمحاربة التتر، فلما بلغ كتبغا نائب هولاكو على دمشق الخبر، جمع التتر وخرج للقاء الجموع الإسلامية وفي صحبته ملك حمص وغيره من الملوك الذين اتفقوا مع التتر، فكان الحرب في مكان يسمى الغور وثبت المسلمون، وهرب التتر فتبعهم المسلمون يقتلون وينهبون، وقتل في هذه الواقعة كتبغا وأسر ابنه، وتعلق التتر في رءوس الجبال فتبعهم المسلمون وأفنوهم عن آخرهم قتلا وتشريدا. وحينئذ طلب الأشرف ملك حمص الأمان فأمنه المظفر قطز وأقره على حمص وتوابعها، وأمر بضرب عنق الذين ظهر منهم الفسق وحب سفك الدماء. ثم أحسن المظفر قطز إلى ملك حماة وأقره على ملكه وتوابعه - وهي بعرين والمعرة - فتوجه المنصور ملك حماة إلى بلده هو ونائبه مبارز الدين أقوش فقبض على أشخاص كانوا عونا للتتر على مآربهم وسجنهم، فهرب خسرو شاه عامل هولاكو على حماة إلى الشرق.
وبعد قدوم المنصور لحماة عمل شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري قصيدة يهنئه بها، منها:
अज्ञात पृष्ठ
رعت العدا فضمنت ثل عروشها
ولقيتها فأخذت تل جيوشها
فغدا لسيفك في رقاب كماتها
حصد المنازل في يبيس حشيشها
وطويت من مصر فسيح مراحل
ما بين بركتها وبين عريشها
حتى حفظت على العباد بلادها
من رومها الأقصى إلى أحبوشها
فرشت حماة لوطء نعلك خدها
فوطئت عين الشمس من مفروشها
अज्ञात पृष्ठ
ثم إن التتر عادوا إلى حلب محاربين ففرت عساكرها إلى حماة ونزلوا ضيوفا عند ملكها مدة ثم رحلوا إلى حمص، وسارت عساكر التتر قاصدة حمص فرحل ملك حماة وكبراؤها وعسكرها إلى حمص، وجاءت إلى حمص عساكر دمشق أيضا فالتقت الجموع في شهر محرم سنة 695، وكان التتر أكثر من المسلمين - وكانت الواقعة في ظاهر حمص - فانتصر المسلمون عليهم، وفر التتر وقتل منهم ألوف لكنهم خيموا على سلمية، ثم قصدوا حماة - وكان ملكها وعساكرها قد عادوا إليها - فحاصرها التتر يوما واحدا، ثم تركوها ورحلوا عنها إلى فامية قرب قلعة المضيق فأظهر أميرها بسالة وطفق يشن الغارة عليهم كل يوم حتى رحلوا عنها.
وفي سنة 664 أرسل الملك الظاهر بيبرس عسكرا عظيما من دمشق، وكتب للمنصور ملك حماة أن يرأسهم ويسير وإياهم لغزو بلاد الأرمن فسار هو وأخوه الأفضل إلى سيس وجهاتها، والتقوا بالأرمن فكسروهم وأسروا ابن صاحب سيس، ثم عادوا فاستقبلهم الظاهر إلى فامية ثم عاد معهم إلى حماة ثم سار منها، وبعد برهة رجع إليها، وأرسل العسكر لفتح مصياف وأخذها من الإسماعيليين ففتحوها عنوة.
وفي سنة 672 رحل الأمراء من حماة ورحل ملكها إلى دمشق خيفة من التتر؛ لأنهم كانوا قد لموا شعثهم وعادوا إلى البلاد الشامية للغارة عليها لكن في المرة الأخيرة لم يكن حرب.
وفي سنة 680 على زمن مملكة السلطان قلاوون الصالحي جاء «منكوتمر» ابن هولاكو بجيوش من التتر لا يحصيها عد، فسار إليه ملوك المسلمين وأمراؤهم بالعساكر بأمر قلاوون الصالحي، وسار ملك حماة بعسكره، فرتب قلاوون المحاربين فجعل عساكر حماة في الميمنة والتركمان في الميسرة، والتقى الجمعان بظاهر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس 14 رجب، فانتصر قلب المسلمين، وكانت ميسرة التتر قد انتصرت أيضا ففر التركمان أمامهم، وتبعهم التتر فدخلوا حمص يقتلون من رأوه، لكنهم علموا بعد ذلك أن قلب الجيوش الإسلامية منتصر وأن التتر ولوا الأدبار فعادوا وتبعوا رفقاءهم، وركب المسلمون أقفيتهم يقتلون، فكان النصر عظيما امتلأت به البلاد سرورا وزينت له المدن ثم عاد كل ملك إلى بلده بعسكره.
وفي سنة 683 في شوال توفي الملك المنصور محمد صاحب حماة ابن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب - ومدة ملكه إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام - فلما بلغ قلاوون خبر موته قرر مكانه ابنه الملك المظفر محمود على حماة وتوابعها المعرة وبعرين، ثم أمره بالمسير معه إلى المرقب - وكان قلاوون قد حضر إلى فتحها - فسار ملك حماة وعمه الأفضل ومعهم المؤرخ الشهير أبو الفداء فنازلوا المرقب وفتحوها بعد أن أمنوا أهلها وأخرجوهم منها، ثم قصدوا فتح طرابلس فساروا إليها وحاصروها واشتد الحصار وأخيرا فتحوها بالسيف ظافرين وكان النصر فيها عظيما وذلك سنة 687، ثم عاد الملك المظفر محمود إلى حماة ومعه عمه وبقية الأمراء والعساكر.
وفي سنة 690 سار ملك حماة إلى عكا ليحضر فتحها مع السلطان قلاوون - وكان مسيره في آخر فصل الشتاء - ومعه العساكر والمنجنيق الكبير تحمله مائة عجلة حول كل عجلة عشرة رجال، فرأوا عناء شديدا لعظم البرد حتى وصلوا إلى عكا وحاصروها واشتد القتال حولها، فكانت منزلة الحمويين في رأس الميمنة على عادتهم، فكانوا من جهة البحر وعن يمينهم عكا؛ فكان منجنيق الأعداء يرميهم من عكا ومن البحر، وطال الحصار عليها وبعد برهة فتحت عنوة وقتلوا أهلها كلهم، ثم هدمها قلاوون إلى الأرض فجعلها دكاء، ثم ظلوا يفتحون السواحل بلدا بعد بلد حتى دخلت كلها تحت حوزة المسلمين - وعد ذلك توفيقا عظيما - ثم قفل كل ملك إلى بلده.
وفي سنة 691 سار السلطان قلاوون من مصر قاصدا فتح قلعة الروم فوصل إلى الشام ومنها سار إلى حماة فخرج ملكها لاستقباله هو وعمه فاجتمعا به ثم سبقاه وهيئا له ما يليق به من الضيافة، ولما وصل إلى حماة ضرب سرادقه في جهة الشمال منها عند قناة سلمية،
14
فأخرج له المنصور من الطعام الفاخر ما يكفيه وعساكره المصرية والشامية وجعل الطعام في أرض الميدان،
15
अज्ञात पृष्ठ