============================================================
دراسة المؤلف صلاة الجمعة بجامع المنصور، فلم يحضر الإمام، وأذن المؤذنون بالظهر ثم نزلوا من المئذنة، فأخبروا أنهم رأوا عساكر البساسيري حذاء شارع دار الدقيق فبادرث إلى أبواب الجامع، فرأيت من الأتراك البغداديين أصحاب البساسيري نفرا يسيرا يسكنون الناس، ويغدون إلى الكرخ، فصلى الناس في هذا اليوم بجامع المنصور ظهرا أربعا من غير خطبة. فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعا البساسيري لصاخب مصر في الخطبة - فلما كان يوم الاثنين 28 من ذي الحجة أشهر الوزير على جمل، وطيف به في محال الجانب الغربي ثم ضلب بباب خراسان(1).
وكانت فتنة البساسيري وصلب الوزير ابن المسلمة صديقه واضطهاد بعض الحنابلة للخطيب فتريصوا به الدوائر، فسنحت لهم الفرصة، فصاروا يؤذونه بجامع المنصور بشتى الأساليب ويكيدونه بما يمجز رده، وهاك بعض ما كانوا يفعلونه: (جاء جماعة من الحنابلة يوم الجمعة إلى حلقة الخطيب بجامع المنصور، فناولوا حدثا صبيح الوجه دينارا وقالوا له: قف بإزاثه ساعة، وناوله هذه الرقعة فناوله الصبي، وإذا فيها لاما تورع ناقل القصة من ذكرهه وكانوا يعطون السقاء قطعة يوم الجمعة، فكان يقف من بعيد بازائه، ويميل رأس القربة، وبين يديه آجزاء فيبتل الجميع فتتلف الأجزاء، وكانوا يطينون عليه باب داره في الليل فربما احتاج إلى الغسل لصلاة الفجر فتفوته (2).
هجرته إلى دمشق: ويخشى تفاقم الحال، ولا ناصر له، والسلطان بيد من لا يأمن على نفسه منه، فيستتر ويخرج من بغداد(4) يوم النصف من صفر سنة إحدى وخمسين مصطحبا تصانيفه وكتبه وسماعاته، ميمما شطر دمشق ناويا آن يستوطن بها، وبلغها سالما ثم قتل البساسيري، وطيف برآسه ببغداد بعد رجوع طغرلبك إليها- وبذلك عادت المياه إلى مجاريها، وكان قد استقر في دمشق واتخذ المثذنة الشرقية من جامعها مسكنا له، فلم يفكر بالعودة مع أن دمشق يومثذ تابعة للفاطميين(4).
محتته الثانية في دمشق: أقام بدمشق بالمئذنة الشرقية من جامعها وكان يقرأ على الناس الحديث النبوي، وكان جهوري الصوت، يسمع صوته من آرجاء الجامع كلها، فاتفق أنه قرا على الناس (1) الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد 399/9. (2) يوسف العش، الخطيب البغدادي ص 38.
(3) ابن الجوزي، المنتظم 266/8.(4) العش، الخطيب البغدادي ص 38.
पृष्ठ 15