*
*
*
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الحال فى قبض أبى شجاع بكران بن بلفوارس على أبى القاسم الحسين بن مما نقيب النقباء
استوحش أبو شجاع بكران من أبى القاسم ابن مما وسعى بينهما سعاة بالفساد. فقبض عليه بغير أمر بهاء الدولة والموفق واعتقله وقيده ووكل به أبا العباس كوشيار بن المرزبان وجماعة من الديلم وضيق عليه ومنع كل أحد من الوصول اليه. وقلد أبا الحسين محمد بن راشد نقابة النقباء وأنزله فى دار أبى القاسم بسوق السلاح وتتبع أسبابه وأصحابه وهم على ما قيل بالفتك به وطالبه بما يصححه ويقرره على نفسه. وتوسط أمره أبو الفتح منصور بن جعفر [1] وضمن عنه عشرين ألف دينار وأخذه الى داره. وعرف أبو الحسن محمد بن عمر ما جرى فأمسك إمساك لا راض ولا منكر. فلما قيل له: إن أبا الحسين بن راشد يتقلد موضعه قامت القيامة عليه غيظا منه وتذكرا لما كان عامله به، وأطلق لسانه فى أبى شجاع بكران وابن راشد بكل قول وكتب إلى الموفق بمثله، وجاءه ابن راشد فحجبه واجتهد فى استعطاف رأيه فلم يجد إلى ذلك سبيلا.
पृष्ठ 395
ونفذت الكتب الى الموفق بالصورة فامتعض الامتعاض الشديد منها، وكاتب أبا شجاع بكران بما أغلظ له فيه، والشريف أبا الحسن بانتزاع أبى القاسم بن مما من يده وارتجاع الكفالات التي أخذهما منه بالمال الذي قرره عليه. وكتب الى أبى العباس أحمد الفراش باعتناق هذا الأمر والمضى إلى أبى شجاع بكران وملازمته إلى أن يفرج عنه ويرد عليه خطوط الكافلين به.
وفعلت الجماعة ما رسم لها وأفرج عن أبى القاسم فى يوم الاثنين الرابع عشر من شهر ربيع الأول، وردت عليه الكفالات بالمال المذكور. ثم انحدر من بعد إلى الأهواز وجدد عهدا بخدمة بهاء الدولة والموفق. وأنفذ الموفق أبا الحرب شيرزيل بن أبى الفوارس إلى بغداد للقيام مقام أبى شجاع وبكران أخيه. فكان وروده يوم الخميس لسبع بقين من شهر ربيع الآخر، ورد أبا القاسم ابن مما فكان وروده يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى وقبض على أبى العباس كوشيار وأقطع إقطاعه وكان من أكبر الأسباب فيما جرى على أبى القاسم.
وفى يوم الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الأول برز الأمير أبو منصور بويه بن بهاء الدولة إلى المعسكر بالاتانين متوجها إلى الأهواز وسار فى يوم الجمعة بعده.
ووجدت [3] فى بعض التقاويم أنه انقض فى يوم الأحد المذكور كوكب كبير ضحوة النهار.
ذكر إحراق دار الحمولى
وفى يوم الثلاثاء الرابع عشر من شهر ربيع الآخر أحرق العامة دار الحمولى، فمضت بأسرها ولم يبق فيها جدار قائم، واحترق ما كان فيها من حسبانات الدواوين.
पृष्ठ 396
ذكر السبب فى ذلك
كان أبو نصر سابور قد حاول وضع العشر على ما يعمل من الثياب الأبريسميات والقطنيات بمدينة السلام. فثار أهل العتابيين وباب الشأم من ذلك وقصدوا المسجد الجامع بالمدينة يوم الجمعة العاشر من الشهر ومنعوا الخطبة والصلاة وضجوا واستغاثوا وباكروا الأسواق على مثل هذه الصورة.
فلما كان فى يوم الثلاثاء صاروا إلى دار أبى نصر سابور بدرب الديزج، فمنعهم أحداث العلويين منها وخرجوا من درب الديزج الى دجلة وطلبوا من جرى رسمه بالكون فى دار الحمولى من الكتاب والمتصرفين.
فهربوا من بين أيديهم وطوحوا النار فى الدار وأهمل إطفاؤها فاتت على جميعها.
وورد أبو حرب شيرزيل ناظرا فى البلد على ما قدمنا ذكره فقبض على جماعة من القامة اتهموا بما جرى من الحريق وصلب أربعة أنفار على باب دار الحمولى، وذلك فى يوم الخميس الذي دخل فيه. واستقر الأمر على أخذ العشر من قيم الثياب الابريسميات خاصة، ونودى بذلك بالجانب الغربي فى يوم الأحد الرابع من جمادى الأولى وبالجانب الشرقي فى يوم الإثنين.
وثبت هذا الرسم ورتب فى جبابته ناظرون ومتولون وأفرد له ديوان فى دار بالبركة، ووضعت الختوم على جميع ما يقطع من المناسج ويباع ويختم.
واستمرت الحال على ذلك إلى آخر أيام عميد الجيوش أبى على ثم أسقطه وأزال رسمه على ما سنذكره [4] فى موضعه.
पृष्ठ 397
وفى يوم الجمعة لست بقين منه توفى أبو القاسم ابن حبابة المحدث وصلى عليه أبو حامد الإسفراينى بمسجد الشرقية [1] .
وفى يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى خلع على الشريف أبى الحسين محمد بن على بن الحسن المربنى من دار الخلافة ولقب: نقيب النقباء.
وفى يوم الإثنين الثاني من جمادى الآخرة توفى أبو الحسين المتطبب تلميذ سنان [2] .
وفى رجب قلد أبو العلاء الحسين بن محمد الإسكافي الخزائن والاستعمال فيه.
وفيه انحدر أبو شجاع بكران الى واسط.
وفى يوم الخميس لاثنتي [3] عشرة ليلة بقيت من شعبان توفى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله العلوي بالكوفة.
وفى يوم السبت الرابع من شهر رمضان توفى أبو محمد حسان بن عمر الحريري الشاهد.
पृष्ठ 398
مقتل محمد بن على الحاجب
وفى ليلة الجمعة مستهل شوال قتل أبو عبد الله محمد بن على بن هدهد الحاجب الناظر فى المعونة.
شرح الحال فى ذلك
جرت بين ابن هدهد وبين أبى الحسن ابن رهزاذ الأحول نبوة لأمر سأله فيه ورده عنه، وتزايد ما بينهما إلى أن بذل أبو الحسن فيه بذلا كثيرا. فقبض أبو نصر سابور عليه وسلمه إليه واعتقل ابو الحسن فى داره. فلما كان فى ليلة يوم الجمعة كبسه العيارون وقتلوه واتهم ابن رهزاذ بأنه وضعهم على ذلك. فقبض عليهم وهم الشريف ابو الحسن محمد بن عمر بأن يقيده به.
فسأله أبو القاسم ابن مما فى بابه وأخذه إلى داره وكتب إلى الموفق بما جرى ووقف الأمر على ما يعود من جوابه ثم أفرج عنه.
وفى يوم الثلاثاء لخمس خلون منه قلد أبو الحسن على ابن أبى على المعونة بجانبي مدينة السلام وخلع عليه. وفى هذا الشهر [5] قصد ابو الحسن على بن مزيد أبا الفواس قلج بدير العاقول، فانهزم من بين يديه ونهب البلد.
وفى يوم الأحد لليلتين خلتا من ذى القعدة ضربت الدراهم التي سميت «الفتحية» .
وفى يوم الإثنين العاشر منه ورد قاضى القضاة أبو الحسن عبد الجبار ابن أحمد وأبو الحسين على بن ميكال حاجين وتلقاهما القضاة والفقهاء والشهود ووجوه الناس وأبو القاسم ابن مما وأصحاب الشريف أبى الحسن محمد بن عمر وابى نصر سابور وروعيا بالأنزال والملاطفات.
पृष्ठ 399
مقتل أصحاب محمد بن عناز
وفى ذى الحجة قتل أصحاب أبى الفتح محمد بن عناز: زهمان بن هندي وأولاده دلف ومقداد وهندي.
شرح الحال فى ذلك
حدثني أبو المعمر ابراهيم بن الحسين البسامي قال: كان زهمان مستوليا على خانقين وما يجاورهما. فلما قتل المعلم عليا ابنه ضعف أمره ولان غمزه. وعاد أبو الفتح محمد بن عناز من حرب بنى عقيل بالموصل مع أبى جعفر الحجاج فقلد حماية الدسكرة وجرت بينه وبينه مجاذبات ومنازعات والأيام تقوى أبا الفتح وتضعف زهمان، وكان منه فى قصده ونهبه مع أبى على ابن إسماعيل على ما قدمنا ذكره.
وانتهت الحال بينهما الى الصلح والموادعة والاختلاط والألفة وأرخى أبو الفتح من عنانه وأعطاه من نفسه كل ما تأكد به أنسه. فصار إليه هو وأولاده وتمكن منهم فقبض عليهم ونقلهم إلى قلعة البردان فاعتقلهم فيها وتفرق أصحابه وملك عليهم نواحيهم.
ومضت على ذلك مدة فثار أولاد زهمان وكسروا قيودهم وحاولوا الفتك بالموكلين بهم والاستيلاء على القلعة. فصاح [6] الموكلون واجتمع إليهم من عاونهم فقتلوا الثلاثة المذكورين من أولاد زهمان بحضرته وأخذوه فجعلوه فى بيت وسدوا بابه وكانوا [يدخلون] [1] من كوة فيه قرصة من شعير وقليل ماء، فبقى أياما ومات.
पृष्ठ 400
وقد جرت عادة الشيعة فى الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وتعليق الثياب وإظهار الزينة فى يوم الغدير وإشعال النار فى ليلته ونحر جمل فى صبيحته. فأرادت الطائفة الأخرى من السنة أن تعمل لأنفسها وفى محالها وأسواقها ما يكون بإزاء ذلك. فادعت أن اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضى الله عنه، فى الغار وعملت مثل ما تعمله الشيعة فى يوم الغدير. [1] وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوما بعده بثمانية أيام نسبته إلى مقتل مصعب بن الزبير وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين بن على رضى الله عنهما، بالحائر. وكان ابتداء ما عمل من يوم الغدير [2] فى يوم الجمعة لأربع بقين من ذى الحجة.
وحج بالناس فى هذه السنة أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر. وحج فيها الوزير أبو منصور محمد بن الحسن بن صالحان والشريف المرتضى أبو القاسم على بن الحسين الموسوي [3] والرضى ابو الحسن أخوه، والوزير أبو على الحسن بن أبى الريان حمد بن محمد.
وفى هذه السنة حصل عمدة الدولة ابو اسحق ابراهيم ابن معز الدولة بالموصل واردا من مصر وكثر الارجاف له وبه وأقام مديدة ثم سار إلى الرى وقصد أبرقويه وتلك الأعمال، وعاد بعد ذاك إلى مصر فكانت وفاته بها.
وفيها وافى برد شديد مع غيم مطبق وريح مغرب متصلة، فهلك من [7] النخل فى سواد مدينة السلام ألوف كثيرة وسلم ما سلم ضعيفا. فلم يرجع إلى جلاله وجملته إلا بعد سنين.
पृष्ठ 401
وفيها استولى الأمير أبو القاسم محمود بن سبكتكين على أعمال خراسان بعد أن واقع عبد الملك بن نوح بن منصور وتوزون وفائق [1] وابن سيمجور [2] بظاهر مرو وهزمهم وأقام الدعوة لأمير المؤمنين القادر بالله أطال الله بقاءه وقد كان القائمون بالأمر من بنى سامان مستمرين على إقامتها للطائع لله، وورد من الأمير أبى القاسم محمود بهذا الذكر كتاب نسخته بعد التصدير الذي جرت العادة به فى مكاتبة الخلفاء:
«بسم الله الرحمن الرحيم» - «أما بعد، فالحمد لله العلى مكانه الرفيع سلطانه الواحد الأحد الفرد الصمد العزيز القهار القوى الجبار الذي يكفل بإعلاء الحق ورفعه وإخزاء الباطل وقمعه، الحائق بشيع البغي والعدوان مكره اللاحق بفرق الطغيان، قهره وقسره الحاكم لأوليائه بالعلو والاقتدار، الحاتم على أعدائه بالثبور والتبار، المتفرد بجلاله أن يمانع المتعالي بكبريائه أن يدافع يمهل المغتر بأناته استدراجا ولا يمهل، ويملى المخدوع بحلمه احتجاجا ولا يغفل، بيده الخلق والأمر ومن عنده الفتح والنصر، فتبارك الله رب العالمين رب السموات والأرضين. والحمد لله الذي اصطفى محمدا عليه السلام واختار له دين الإسلام، وفضله على من تقدمه من
पृष्ठ 402
الرسل، وأنار به مناهج الآيات والسبل، وأرسله إلى الخلق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، فهدى إلى القرآن والتوحيد ودل على الأمر الرشيد، وأهاب بالبرية إلى مستقيم الدين وأناف بهم [8] على العلم اليقين. فصلوات الله عليهم أتم صلاة نماء، وأكملها بهاء صلاة، ترتقى إليه جل جلاله فى أعلى الدرجات، وتحيى روحه فى السموات، وعلى آله أجمعين.
- «والحمد لله الذي أنشأ سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الإمام القادر بالله أطال الله بقاءه من ذلك السنخ الزكي والعرق النقي أحسن منشأ، وبوأه من خلافته فى أرضه أكرم مبوأ، وجعل دولته عالية والأقدار لإرادته مؤاتية، فلا يخالف رايته عدو إلا حان حينه وسخنت عينه، ولا يجيب [1] دعوته ولى إلا كان قدحه فى القداح فائزا، وسعيه للنجاح حائزا، بذلك جرت عادة الله وسننه، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
- «وقد علم مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، حال الماضين من السامانية فما كانوا فيه من نفاذ الأمر وجمال الذكر وانتظام الأحوال واتساق الأعمال، بما كانوا يظهرونه من طاعة أمير المؤمنين ومبايعتهم، وينحلونه من موالاتهم ومشايعتهم.
ولما مضى صالح سلفهم وبقي خلف خلفهم خلعوا ربقة الطاعة، وشقوا مخالفة لمولانا [2] أمير المؤمنين أطال بقاءه عصا [3]
पृष्ठ 403
الجماعة [1] ، وأخلوا منابر خراسان عن ذكره واسمه، وخالفوا فى إفاضة القول [2] وحسم عادية الجور والخبل عالى أمره ورسمه، وعم البلاد والعباد فسادهم وبلاؤهم، ونهك الرعايا ظلمهم واعتداؤهم.
- «ولم استجز مع ما جمع الله لى فى طاعة مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، من عدة وعدة، وشكة وشوكة، وقوة أقران وإمكان، وكثرة أنصار وأعوان، إلا أدعوهم إلى حسن الطاعة، ولا أبذل فى إقامة الدعوة لمولانا أمير المؤمنين [9] أطال الله بقاءه تمام الوسع والاستطاعة. فدعوت منصور بن نوح إليها وبعثته بجدى واجتهادي عليها ولم يصغ إلى إعذار وتذكير ولم يلتفت إلى إنذار وتبصير، ونهض من بخارا بخيله ورجله وحشده. حفله يجمع على أهل الضلالة من أشياعه، ويحشر من فى البلاد من أتباعه. فكان من شؤم رأيه وسوء انحائه أن اصطلمه جنده فكحلوه، وبايعوا أخاه عبد الملك وملكوه.
وجريت على عادتي مع هذا الأخير أوفد إليه مرة بعد أخرى وثانية عقب أولى، من يدعوه إلى الرشاد ويبصره من التمسك بطاعة مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه سبل الرشاد. فلم يزده ذلك إلا ما زاد أخاه استعصاء واستغواء، وتهورا فى الضلال واستشراء.
- «فلما أيست من فيئه إلى واضح الجدد، ورجوعه الى
पृष्ठ 404
الأحسن والأعود، ورأيته متتابعا فى عمايته ومتكسعا [1] فى مهاوي غوايته، نهضت إليه بمن معى من أولياء مولانا أمير المؤمنين أدام الله علوه وأنصار الدين فى جيوش يشرق بها الفضاء ويشفق من وقعها القضاء، تزحف فى الحديد زحفا وتخد الأرض جرفا ونسفا، إلى أن وردت مرو يوم الثلاثاء لثلاث بقين من جمادى الأولى وهو البلد الميمون الذي به ابتدأ إشاعة الدولة العباسية، وزالت البدعة الأموية على أحسن تعبية وأكمل عتاد، وأجمل هيئة، ووليت أمر الميمنة عبد مولانا أمير المؤمنين أخى نصر بن ناصر الدولة والدين فى عشرة آلاف رجل وثلاثين فيلا، وجعلت فى الميسرة من الموالي الناصرية اثنى عشر ألف فارس وأربعين فيلا، ووقفت فى القلب بقلب لا يتقلب، وطاعة مولانا أمير المؤمنين [10] شعاره عن أضداده، وعزم لا ينتقض ودعوة أمير المؤمنين عتاده فى إصداره وإيراده، ومعى عشرون ألف فارس من سائف ورامح ودارع وتارس، وسبعون فيلا، وبرز عبد الملك بن نوح وعن يمينه ويساره بكتوزون أحد غواته وفائق رأس طغاته وعتاته، وابن سيمجور وغيرهم من مساعديه على ضلالته، مستعدين للكفاح مستلئمين فى شك السلاح، وتلاقت الصفوف [2] بالصفوف، واصطلت السيوف بالسيوف، وتوقدت الحرب واحتدت واضطرمت نيرانها واشتدت، واختلط الضرب بالطعن، وكبا القرن بالقرن، ولم ير [3]
पृष्ठ 405
إلا تهاوى الصوارم على حجب الجماجم وأوداق النبال، فى أحداق الكماة والابطال. وأهب الله ريح الظفر لأوليائه وكشفوا مقانب الأعداء وحملوا [1] فيهم الحتوف وأرووا من دمائهم السيوف، وانجلت المعركة عن ألفى قتيل من شجعانهم وأبطالهم، وألفى وخمسمائة أسير من مشهوري ذادة رجالهم وصناديدهم، واقتفى الأولياء أثار الفل من عباديدهم [2] يقتلون ويأسرون ويسلبون ويغنمون، إلى أن ألقت الشمس يمينها وأبرزت ظلمة الليل جنينها، وعاد الأولياء إلى معسكرهم فى وفور من السلامة وتمام من النعمة، وقد ملئوا أيديهم من الغنيمة والنفائس الجمة، ثم ما نضب منهم أحد ولم ينتقص لهم عدد. و [أكتب] كتابي هذا وقد فتح الله تعالى لمولانا أمير المؤمنين بلاد خراسان قاطبة، وجعل منابرها تذكر اسمه متباهية، وكلمة الحق به عالية والأهواء فى موالاته متهادية.
- «وبعد فلم أجدد رسما فى حل وعقد وإبرام ونقض، إلى أن يرد من عالى أمره ورسمه ما أبنى الأمر ببنائه، وأحتدى إلى حدائه بإرادة الله سبحانه وتعالى. فالحمد لله [11] العزيز المنان العظيم السلطان، الذي لا يضيع لمحسن عملا ولا يغفل عن مسيء وان أرخى له أجلا. ولا يعجزه متغلب بقوته وحوله ولا يمتنع ممتنع عن سطوته وصوله. ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين راد، ولا يصد نقمته عن الظالمين صاد، حمدا يمترى المزيد من إحسانه، ويقتضى الصنع الجديد من امتنانه. وإياه
पृष्ठ 406
أسأل أن يهنئ مولانا أمير المؤمنين الإمام القادر بالله خير هذا الفتح الجليل خطره الواضح على وجه الزمان غرره. وان يواصل له الفتوح قربا وبعدا وغورا ونجدا وبرا وبحرا وسهلا ووعرا، وأن يوفقنى للقيام بشرائط خدمته والمناضلة عن بيضته، إنه على ما يشاء قدير وبه جدير. فإن رأى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، ان ينعم بالوقوف عليه وتصريف عبده بين أمره ونهيه فعل، إن شاء الله تعالى.»
سنة تسعين وثلاثمائة
أولها يوم الأربعاء والثالث عشر من كانون الأول سنة احدى عشرة وثلاثمائة وألف للإسكندر، وروز آسمان [1] من ماه آذر [2] سنة ثمان وستين وثلاثمائة ليزدجرد.
فى يوم الإثنين السادس من المحرم توفى أبو الحسين على بن المؤمل بن ميمان كاتب ديوان السواد.
وفى يوم الجمعة لعشر خلون منه توفى أبو بكر أحمد بن على السمسار المعروف بأبى شيخ البزاز.
وفى يوم الخميس لسبع بقين منه توفى القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبى موسى الهاشمي.
احتراق أرسلان البستى
وفى هذا الشهر احترق ارسلان البستى وذاك أنه كان نائما فى خركاه له
पृष्ठ 407
وبه نقرس مزمن قد منعه الحركة والقدرة على النهضة وفراشوه وغلمانه بعيدون منه فسقطت شرارة من شمعة كانت فى الخركاه على فراشه فأحرقته وانتبه ولا فضل [12] فيه للقيام من موضعه والنجاة بنفسه فصاح صياحا حجز الليل ونوم الغلمان [1] عن سماعه، وعملت النار فى الفراش والخركاه. فما عرف الخبر إلا بعد احتراقه وهلاكه.
وفيه خرج الموفق أبو على إلى جبل جيلويه فى طلب أبى نصر ابن بختيار وانتهى إلى أبرقويه وعاد فى صفر. وفى هذه الخرجة لقب بعمدة الملك، مضافا إلى الموفق، وأذن له فى ضرب الطبل اوقات الصلوات الخمس، ولقب أبو المغمر ولده بربيب النعمة.
وفى صفر ورد الكتاب من شيراز بتقليب المشطب ابى طاهر سباشى بالسعيد، والإشراك بينه وبين المناصح أبى الهيجاء تختكين الجرجاني فى مراعاة أمور الأتراك فى مدينة السلام.
وفى يوم [الخميس] السابع منه توفى أبو منصور محمد بن أحمد بن الحوارى بالأهواز.
وفى يوم الإثنين العاشر من شهر ربيع الأول توفى أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي [2] ودفن فى حجرة من داره بدرب منصور مدة، ثم نقل إلى المشهد بالكوفة، وحضر جنازته أبو نصر سابور بن أردشير وأبو حرب شيرزيل بن أبى الفوارس، والمناصح أبو الهيجاء تختكين الجرجاني وسائر طبقات الناس.
पृष्ठ 408
ذكر ما جرى عليه الأمر فى تركته وضيعته
لما توفى انفذ أبو نصر سابور فحظر على ما فى داره وخزانته ووكل باصطبلاته وطلب كتابه وجهابذته، فلم يجد أحدا منهم. لأن أبا الحسن على بن الحسن بن إسحق هرب وهرب الجهبذ معه واستتر الباقون من أصحابه.
وأحضر أبا عبد الله البطحانى العلوي وطالبه بما عنده من وصيته وماله فامتنع من تسليم ذاك وأخلد فيه إلى الاعتلال والإنكار واعتقله اعتقالا جميلا. ونفذت الكتب إلى بهاء الدولة والموفق بما تجدد وكتب أبو الحسن محمد بن الحسن ابن يحيى العلوي [1] وقد كان عاد من الأهواز الى واسط بعد الفتح فى أمر الورثة والتركة فعاد الجواب اليه بالإصعاد إلى بغداد والقيام بها مقام أبى الحسن محمد بن عمر. وتقرر أمر التركة على خمسين ألف دينار تحمل إلى الخزانة.
فحدثنى أبو القاسم ابن المطلب قال: تقرر الأمر بفارس على خمسين ألف دينار صلحا عن التركة وأن يكون النصف من الأملاك للخاص والنصف للورثة. ثم أفرد قسط السلطان فحصل له به الثلثان لأنه أخذ عيون الضياع وجمع موجود التركة فلم يف بالتقرير حتى تمم بأثمان أملاك بيعت من جملة ما حصل للورثة من الضياع على أبى على عمر بن محمد بن عمر وأبى عبد الله الحسين بن الحسن بن يحيى وأبى محمد على وابن محمد بن الحسن بن يحيى وأبى على عمر بن محمد بن الحسن بن يحيى.
पृष्ठ 409
وأصعد أبو الحسن بن يحيى إلى بغداد فكان دخوله إياها فى يوم الأربعاء الثاني من جمادى الأولى ومعه أبو على عمر بن محمد بن عمر وأبو الحسن ابن اسحق الكاتب وكان انحدر إلى واسط فلقيه فى الطريق وعاد فى صحبته وأطلق أبو عبد الله البطحانى وسلم إليه وراعى أبو الحسن القسط السلطاني من المعمريات وتولى (أبو) الحسن ابن إسحق النظر فيه.
وارتفع فى هذه السنة وهي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة الخراجية على ما ذكره أبو القاسم بن المطلب مع حق الورثة وسوى حقوق بيت المال بألفي كر ونيف حنطة وشعيرا وأصنافا وتسعة عشر ألف دينار وكسر.
وفى يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول قبل القاضي أبو محمد ابن الأكفانى شهادة أبى القاسم [14] ابن المنذر وأبى الحسين بن الحرانى وفى يوم الجمعة لليلتين بقيتا منه قبل شهادة أبى العلاء الواسطي.
وفى ليلة يوم الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر ولد الأمير أبو الفوارس ابن بهاء الدولة بشيراز والطالع كوكب من العقرب.
وفى يوم الخميس لخمس بقين منه توفى أبو عمر أحمد بن موسى العلاف الشاهد بالجانب الشرقي.
وفى يوم الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى خلع على الموفق أبى على بفارس بالقباء والفرجية والسيف والمنطقة والدستى المذهب، وحمل على دابة بمركب ذهب وقيد بين يديه دابة بمركب مذهب وبغلة بجناغ نمور ومركب بقبل مذهب وثلاثة أفراس بجلال ديباج، وأعطى دواة محلاة بالذهب ، وحمل معه ترس من ذهب وسائر السلاح وخلع على أبى نصر كاتبه وثلاثة من حجابه ودواتيه وأستاذ داره، وخرج لقتال أبى نصر ابن بختيار ومعه العساكر بعد أن استناب أبا غالب محمد بن خلف بشيراز على مراعاة الأمور وأبا الفضل الإسكافى بحضرة بهاء الدولة.
पृष्ठ 410
شرح الحال فى عود ابن بختيار وما جرى عليه أمر الموفق فى قصده إياه وظفره به وأمر عسكر ابن بختيار بعد قتله
لما انهزم أبو نصر بن بختيار من باب شيراز صار إلى الأكراد وانتقل إلى أطراف بلاد الديلم. وكاتب الديلم بفارس وكرمان لما استقرت به الدار هناك وكاتبوه واستدعوه واستجروه. فصار إلى أبرقويه واجتمعت معه طائفة كبيرة من ديلم وأتراك وزط وأكراد وتردد [15] فى نواحي فارس وتنقل فى أطرافها وظهر أمره وشاع خبره وواصل مكاتبة الديلم ومراسلتهم واجتذابهم واستمالتهم. وخرج الموفق أبو على فى طلبه إلى جبل جيلويه وانتهى فى اتباعه إلى أبرقويه. وكان يهرب ويراوغ ويدافع ولا يواقف ومضى إلى السيرجان.
فحدثنى أبو عبد الله الفسوي قال: لما قصد ابن بختيار السيرجان لم يقبله الديلم الذين بها وكرهوا حصوله عندهم ومقامه بينهم.
وكان أبو جعفر أستاذ هرمز بن الحسن بجيرفت فنبا بابن بختيار المقام بهذا المكان وسار إلى خانين والفرخان، وهما ناحيتان بين فارس وكرمان وفيهما خلق كثير من حملة السلاح وفى أكنافهما حلل الزط الذين هم أشد الرجالة الفارسيين شوكة وأكثرهم عدة، واستمال منهم طائفة كثيرة وأقبل الديلم وغيرهم إليه أرسالا من نواحي كورة درابجرد ومن سائر الأصقاع.
पृष्ठ 411
وعمل أستاذ هرمز على قصده قبل استفحال أمره، فجمع عساكر كرمان وتوجه لطلبه، وسبقه ابن بختيار الى دشتير، والتقيا فى موضع يعرف بزيرل، من ظاهرها واستأمن إلى ابن بختيار كثير من الديلم الذين كانوا مع أستاذ هرمز، فانهزم أستاذ هرمز فى خواصه وأقاربه من القوهية وصار الى السيرجان. ومضى ابن بختيار إلى جيرفت ورتب العمال وجبى الأموال وأنفذ الى شق بم من استغوى له الجند الذين فيها ودعاهم إلى طاعته وملك أكثر كرمان واستولى عليها وانتشر أصحابه فيها يطرقون أعمالها ويستخرجون ارتفاعها وأستاذ هرمز بالسيرجان ينفذ السرايا إلى النواحي ويكبس أصحاب ابن بختيار [16] ويسلك سبيل الغيلة والمكيدة فى طلبهم والإيقاع بهم.
ثم ورد عليه كتاب الموفق بأنه سائر، ورسم له قصد بردشير وسبق ابن بختيار إليها. ففعل ذاك وحصل بباب بردشير وصعد من كان بها من ديلم ابن بختيار إلى قلعتها ومنعوا نفوسهم فيها وتوجه الموفق إلى كرمان على طريق درابجرد. فلما وصل إلى فسا عسكر بظاهرها، وعرف ابو عبد الله الحسين بن محمد بن يوسف وهو عامل كورة درابجرد خروجه من شيراز فبادر لاستقباله وخدمته، فوافق وصوله إلى معسكره أن كان نائما، فما انتبه إلا بصهيل الخيل وضجيج الأتباع والحشم فشاهد من كثرة حواشيه وضففه وسعة كراعه ورجله ما عظم فى نفسه وحمله حسده عليه على أن قبض عليه وعلى أصحابه وأخذه معه محمولا على جمل، بعد أن احتوى على جميع ماله.
فكان إذا نزل فى المنزل أحضره وطالبه وضربه وعذبه حتى تقدم فى بعض الأيام بأن يعلق بإحدى يديه فى بعض أعمدة الخيم وأن يحمل على الجمل معلقا، وهو مع هذه المعاملة لا يستجيب إلى التزام درهم ولا يذعن بقليل ولا كثير، وكان أكثر ما انتهى به الموفق إليه لغيظه من تقاعده وتماتنه.
فذكر أبو عبد الله أنه عرف من بعض أصحابه- يعنى الموفق- انه قال:
पृष्ठ 412
- «ما رأيت أشد نفسا من هذا الرجل فقد عذب اليوم بكل نوع من العذاب وحل الساعة عن الشد والتعليق وهو جالس يسرح لحيته بيده وما عنده فكر فى كل ما لحقه.» وعرف ابن بختيار مسير الموفق، فاستخلف الحسين بن مستر قرابة ملك ديلمان بجيرفت فى جماعة من رجاله وسار طالبا لبردشير وعاملا [17] على التحصن بها، إلى أن تلحق به أصحابه ببم ونرماسير، وقد كان كاتبهم واستدعاهم وهم جمرة قوية. فلما توسط الطريق إليها بلغه حصول أستاذ هرمز بها وصعود أصحابه إلى القلعة فعدل الى طريق بم ونرماسير وكاتب من بهما من عسكره بالمصير الى دار زين، وتمم هو إليها. فنزلها منتظرا لوصولهم اليه ورحل الموفق من فسا وطوى المنازل حتى أطل على جيرفت واستأمن إليه من بها من الديلم لأنهم لم يجدوا مهربا ولا منصرفا وكانوا نحو أربع مائة رجل.
فاستوقف عندهم أبا الفتح ابن المؤمل وأبا الفضل محمد ابن القاسم بن سودمند العارض وقال لهم:
- «قد أقمتهما عندكم ليعرضاكم ويقررا أموركم» .
ووصاهما بأن يقتلاهم. فجمعاهم إلى بستان فى دار الإمارة على أن يعرضوا فيه من غد ذلك اليوم ثم جمعا الرجالة الكوج واستدعيا واحدا واحدا على سبيل العرض وقتلاه وكان هذا الفعل منهما ليلا. ثم خافا أن ينقضي الليل ويدرك الصباح قبل الفراغ فرموا بقيتهم فى بئر كرد كانت فى البستان وطرح التراب فوقهم.
وعرف الموفق من جيرفت خبر ابن بختيار وأخذه طريق بم ونرماسير، فخلف أثقاله وسواده واتبعه فيمن خف ركابه وثبتت دوابه وخاطر بنفسه وبالمملكة فى هذا الفعل منه.
पृष्ठ 413
فحدثني أبو منصور مردوست بن بكران، وكان معه وإليه خزانة السلاح السلطانية التي فى صحبته وهو داخل فى ثقاته وخاصته قال: كلت أجسامنا ودوابنا من مواصلة السير وإغذاذه وترك الإراحة فى ليل أو نهار، ووصلنا إلى جيرفت وما نعرف لابن بختيار خبرا. وقعد الموفق وجمع [18] الوجوه من الديلم والأتراك واستشارهم. فكل أشار بالتوقف والتثبت وتجنب المخاطرة بالاقدام والتهجم فامتنع من قبول ذاك فأقام على أمره فى الإسراء وراء ابن بختيار واستدعى منجما كان صحبه من شيراز فقال له:
- «أليس حكمت بأننى آخذ ابن بختيار وأظفر به فى يوم الاثنين الآتي» .
قال: «نعم» .
قال: «أين ذاك ونحن على هذه الصورة والرجل مستعجم الخبر وانما بقي من الأيام خمسة أيام؟» فقال: «أنا مقيم على قولي فى حكمى، ومتى لم تظفر فى اليوم الذي ذكرته فدمى لك حلال، وإن ظفرت فأى شيء تعطيني؟» قال [أبو منصور] [1] : فتضاحكنا به وهزئنا منه وسار فكان الظفر فى اليوم الذي نص عليه.
وحدثني أبو نصر السنى كاتب الموفق قال:
لما عظم أمر ابن بختيار وملك كرمان واجتمع عليه الديلم قلق بهاء الدولة بذلك وطالب الموفق بالخروج لقصده وحربه وكان مخاطبا له على الاستعفاء وقال له:
- «لو أجبتك [2] إلى الاستعفاء لما حسن بك ان تتقبله فى مثل هذا الوقت وقد علمت أننى لم أخرج من واسط إلا برأيك ولا وصلت الى ما وصلت إليه من هذه الممالك إلا برأيك واجتهادك. وإذا قعدت بى فى هذه الضغطة فقد أسلمتنى وضيعت ما قدمته فى خدمتي. ولكن تمضى فى هذا الوجه وتدفع عنى هذا العدو وتجعل للاستعفاء والخطاب عليه وقتا آخر فيما بعد.»
पृष्ठ 414