(فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * ومن بعد أرض بيننا وسماء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء) حيث جاء بالسماء معرفة; لينفى أن يتصوب من سماء أي من أفق واحد من سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء، قال تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها ) ولو نكر السماء لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق بدليل قوله * فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * الخ. الشاعر يتوجع لذكر الحبيبة ومن بعد ما بينه وبينها من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطعة الأرض فنكرهما، إذ لا يتصور بينهما بعد جميع الأرض والسماء; وأوه كلمة توجع تستعمل مع اللام، وقد اتفق للشاعر استعمالها معها في بيته وربما قصد ذلك فلله دره، ومنه يقال أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه، والاسم الآهة بالمد، قال المثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين يقال رحلت البعير أرحله إذا شددت عليه الرحل، وهذا البيت لم يذكر في شرح الشواهد:
لا تزدرين في من أن يكون له * أم من الروم أو سوداء عجماء (فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأبناء آباء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (وعلى المولود له) أي على الذي يولد له وهو الوالد وله في محل الرفع على الفاعلية نحو عليهم في (المغضوب عليهم) وإنما قال المولود ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، فلا تزدرين بأحد أنه ولد من أمة رومية أو سوداء هندية. قيل عاب هشام زيد بن علي فقال: بلغني أنك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن أمة؟ فقال: كان إسماعيل ابن أمة وإسحق ابن حرة، فأخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم. وأنشد المأمون ابن الرشيد البيت في مثل ذلك، وما أحسن ما قيل في معنى ذلك:
وهل هند إلا مهرة عربية * سليلة أفراس تحللها بغل فإن ولدت مهرا كريما فبالحري * وإن كان إقراف فما أنجب الفحل ولذلك ترى المفتخرين بالأنساب فيما مضى وما هو آت، إنما يفتخرون بالآباء لا بالأمهات كما قال الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع ومنهم من لا يفتخر لا بالآباء ولا بالأمهات، وإنما يفتخرون بالفضائل والكمالات كما قال:
لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه * على ما تجلى يومه لا ابن أمسه وما الفخر بالعظم الرميم وإنما * فخار الذي يبغي الفخار بنفسه وما أحسن ما قيل وإني وإن كنت ابن سيد عامر * وفارسها المشهود في كل موكب فما سودتني عامر عن وراثة * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب (ألم أك جاركم ويكون بيني * وبينكم المودة والإخاء)
पृष्ठ 316