وسألوا فقالوا كيف قال (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) أفتقولون كانوا يعرفون الاسلام والنبوة مع اظهارهم اليهودية. وجوابنا ان ظاهر الآية يدل على ذلك لأن كثيرا منهم كان يعرف ذلك ويبقي على اليهودية لاعراض الدنيا وقوله تعالى (حسدا من عند أنفسهم) يدل على ان حسدهم للرسول وللمؤمنين لم يكن من خلق الله تعالى والا لم يضفه الى أنفسهم ورغب تعالى بقوله (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) وبقوله (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) على هذه الأعمال.
[مسألة]
وقالوا ان قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) لا يصح لان الذين كان يحكى عنهم ان كانوا من اليهود لا يقولون ذلك في النصارى وان كانوا من النصارى لا يقولون ذلك في اليهود فكيف تصح هذه الحكاية. وجوابنا ان الفائدة معقولة والمراد ان اليهود قالت (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا) والنصارى قالت لن يدخل الجنة الا من كان نصارى لان ذكر أهل الكتاب قد تقدم وحالهم في طعن كل واحد منهم في الآخر معلومة فلا بد من أن يكون المراد ما ذكرنا ثم بين تعالى ان تلك أمانيهم لا برهان عليه ثم قال (بلى من أسلم وجهه لله) يعني بالتعبد (وهو محسن) وأراد بذلك مجانبة المعاصي (فله أجره عند ربه) فجمع بين الأمرين في حصول الثواب لئلا يغتر المكلف فيقصر في أحدهما.
[مسألة]
وربما قيل ما فائدة قوله (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) وذلك معلوم من حالهم فأي فائدة في وصفهم بذلك. وجوابنا ان الفائدة بذلك قوله (وهم يتلون الكتاب) فبين انهم ذهلوا عما تدل عليه كتبهم من تصديق البعض للبعض فيما أودعه الله تعالى في الكتب وقد يقال ان فلانا ليس على شيء وان كان في جملة ما يقوله ما هو حق اذا لم يتكامل تمسكه بالحق كما يقول فيمن يخالف في التوحيد والعدل ليس هو على شيء وان كان يقول بالحق في بعض الاشياء ولذلك قال تعالى بعده (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون).
पृष्ठ 32