أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتبا، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم " ١.
وهذا أحد الحديثين الذين اعترض - ابن حزم عليهما -، وقال: "ليس في الكتابين شيء دخل الوهم فيه على الشيخين غيرهما، والآخر: حديث شريك بن أبي نمر في قصة المعراج - وقد تقدم - ٢ والذي اعترض به على حديث ابن عباس هذا، أنه لا يختلف اثنان من أهل العلم بالأخبار، أنه ﷺ إنما زوج أم حبيبة ﵂ قبل الفتح، وإسلام أبي سفيان، وهي كانت بأرض الحبشة يومئذ، وأبوها كافر بمكة، والذي زوجها منه النجاشي وأصدقتها عنه، هذا ما لا شك فيه، قال: "والآفة فيه عن عكرمة بن عمار، وبالغ في ذلك، حتى جعل الحديث موضوعا، ونسب الوضع فيه إلى عكرمة ٣، وهو خطأ فاحش، فإن أحدا لم ينسب عكرمة ٤ إلى الوضع، وقد وافقه جماعة، واحتج به مسلم كثيرا، ولكنه وهم فيه، قال فيه البخاري: "لم يكن له كتاب، فاضطرب في حديثه" ٥، وقال فيه أحمد بن حنبل: "مضطرب الحديث ". وقد أجاب جماعة ٦ عن اعتراض ابن حزم بتأويل قول أبي سفيان: "أزوجكها" على أنه طلب تجديد العقد، فربما كان يرى عليه غضاضة في تزويج ابنته من غير رضاه، أو توهم أن إسلامه يقتضي تجديد العقد، وخفي ذلك عليه كما خفي على من هو أقدم إسلاما منه أحكام كثيرة، وأوّلوا قول النبي ﷺ له في جوابه: "نعم"، على أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد، لأنه لم ينقل تجديد أصلا، ولا ريب بعد هذه التأويلات، لأن ألفاظ الحديث صريحة في إنشاء العقد ٧، لا في تجديده، وسمعت بعض الحفاظ يذكر أن التي عرضها أبو سفيان ابنته الأخرى، التي عرضتها عليه (أختها) ٨ أم حبيبة ﵂ في الحديث المشهور في الكتابين ٩، ويرد على هذا كله قوله ﷺ: "نعم" في جواب ذلك، فإنه ﷺ لم يكن يقول ذلك فيما لا يفعله، وقد قال لأم
_________
١ م ٤/١٩٤٥.
٢ ص،
٣ جوامع السيرة.
٤ ١١/أ.
٥ هذا القول ليس في التاريخ الكبير ولا الصغير، وذكره الحافظ قال: "وقال البخاري: "مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب" (تهذيب التهذيب ٧/٢٦٢) .
٦ منهم أبو عمرو بن الصلاح. وقد نقل جوابه النووي ﵀. (شرح مسلم ٥/٢٧١) .
٧ كقوله: عندي أحسن العرب وأجمله، فإن المعنى أنها لا زالت في بيته.
٨ في الأصل: "أخته". وهو خطأ.
٩ يعني البخاري ٦/١٩٥. ومسلم ٢/١٠٧٢،١٠٧٣.
1 / 73