(ح) وعبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة. فذكر القصة بطولها، وجعل المحاورة فيها بين أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة فقط، ولم يذكر سعد بن معاذ أصلا، بل أسيد بن حضير هو القائل: " يا رسول الله، إن لم يكن من الأوس نكفكم، وإن يكن من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك". وذاكرت الحافظ أبا الحافظ أبا عبد الله الذهبي بهذا، فذكر لي أن المتكلم أولا يومئذ من الأوس: عباد بن بشر، وجاء كذلك في رواية - ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن - والله سبحانه أعلم.
٥- ومنها: أن السياق الذي ذكره البخاري في قضية الإفك في كتاب المغازي ١ قال فيه: "ودعا رسول الله ﷺ بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ فقالت له بريرة ﵂: " والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا قط أغمضه" الحديث. وكذلك هو أيضا في صحيح مسلم ٢، وغيرهما - و٣ أيضا في عدة طرق أن النبي ﷺ قال للعباس ﵁: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، وبغض بريرة مغيثا"؟ ثم قال رسول الله ﷺ لها: "لو راجعتيه؟ " قالت: تأمرني؟ ..." ٤ الحديث، وذلك لما خيرها رسول الله ﷺ بعد العتق فاختارت.
وأقدر وجه هذا الإشكال، أن عائشة ﵂ اشترت بريرة بشرط العتق، كما دلت عليه الروايات، اتفق عليه الفقهاء، وأقامت عند عائشة –﵂ تخدمها، وقد تقدم أن قصة الإفك كانت سنة ست، أو سنة سبع، أو سنة أربع، على قول موسى بن عقبة ٥ ولعل الأوّل أرجح، وقد كانت بريرة ﵂ مقيمة عند عائشة ﵂ من قبل ذلك بمدة، ولذلك سألها النبي ﷺ عنها، ومجيء العباس ﵁ إلى المدينة وإقامته بها، إنما كان في أواخر سنة ثمان، لأنه جاء إلى النبي ﷺ مهاجرا، فلقيه بطريق مكة متوجها إليها ومن الفتح، فرجع معه وشهد فتح مكة، وحنين، والطائف، ثم جاء بعد إلى المدينة، وحينئذ قال له النبي ﷺ: " ألا تعجب من حب مغيث بريرة". وإنما كان قبل ذلك مقيما بمكة، والظاهر ٦ أن هذا كان قريبا من فراق بريرة إياه،
_________
١ خ ٥/٥٨.
٢ م ٤/٢١٣٣.
٣ زدتها ليستقيم الكلام، وليست في المخطوطة.
٤ صف ٩/٤٠٨. ولفظه: "لو راجعتيه" عند البخاري هكذا (لو راجعته) بدون إشباع.
٥ تقد في التحقيق أنها في سنة خمس على الصواب.
٦ في نظري: ليس بظاهر، لأن زيادة العجب لا تكون في مثل حالة القرب، بل تكون في البعد أظهر إذا لم ييأس منها، وهو مردود بالرواية المصرحة بإنفاذ العتق، ذكرها المصنف نفسه.
1 / 63