ومن الشعراء من إجادته إنما هى فى المطابقة فقط، ومنهم من إجادته فى التحسين والتقبيح، ومنهم من جمع الأمرين مثل أوميروش. وتمثل فى كل صنف من هؤلاء بأصناف من الشعراء كانوا مشهورين فى مدنهم وسياستهم باستعمال صنف صنف من أصناف هذه التشبيهات الثلاثة. — وأنت، فليس يعسر عليك وجود مثالات ذلك فى أشعار العرب، وإن كانت أكثر أشعار العرب إنما هى — كما يقول أبو نصر — فى النهم والكريه. وذلك أن النوع الذى يسمونه: «النسيب» إنما هو حث على الفسوق. ولذلك ينبغى أن يتجنبه الولدان؛ ويؤدبون من أشعارهم بما يحث فيه على الشجاعة والكرم، فانه ليس تحث العرب فى أشعارها من الفضائل على سوى هاتين الفضيلتين — وإن كانت ليس تتكلم فيهما على طريق الحث عليهما، وإنما تتكلم فيهما على طريق الفخر. وأما الصنف من الأشعار الذى المقصود به المطابقة فقط فهو موجود كثيرا فى أشعارهم، ولذلك يصفون الجمادات كثيرا والحيوانات والنبات. وأما اليونانيون فلم يكونوا يقولون أكثر ذلك شعرا إلا وهو موجه نحو الفضيلة، أو الكف عن الرذيلة، أو ما يفيد أدبا من الآداب، أو معرفة من المعارف.
فقد تبين من هذا القول أن أصناف التشبيهات ثلاثة أصول، وأن فصولها ثلاثة. وتبين ما هى هذه الفصول الثلاثة والأصناف الثلاثة. ويشبه — إذا استقريت الأشعار — أن يقع اليقين بأنه ليس هاهنا صنف رابع من أصناف التشبيهات ولا فصل رابع من فصول تلك الأصناف.
[chapter 3] فصل
قال: ويشبه أن تكون العلل المولدة للشعر بالطبع فى الناس علتين: أما العلة الأولى فوجود التشبيه والمحاكاة للإنسان بالطبع من أول ما ينشأ، أعنى أن هذا الفعل يوجد للناس وهم أطفال. وهذا شىء يختص به الإنسان من دون سائر الحيوانات. والعلة فى ذلك أن الإنسان، من بين سائر الحيوان، هو الذى يلتذ بالتشبيه للأشياء التى قد أحسها وبالمحاكاة لها. والدليل على أن الإنسان يسر بالتشبيه بالطبع ويفرح هو أنا نلتذ ونسر بمحاكاة الأشياء التى لا نلتذ باحساسها؛ وبخاصة إذا كانت المحاكاة شديدة الاستقصاء، مثلما يعرض فى تصاوير كثير من الحيوانات التى يعملها المهرة من المصورين. ولهذه العلة استعمل فى التعليم عند الإفهام والتخاطب الإشارات: فإنها أداة معينة على فهم الأمر الذى يقصد تفهيمه، لمكان ما فيها من الإلذاذ الذى هو موجود فى الإشارات من قبل ما فيها من التخييل، فتكون النفس بحسب التذاذها به أتم قبولا له. فان التعليم ليس إنما يوجد للفيلسوف فقط، بل وللناس فى ذلك مشاركة يسيرة مع الفيلسوف. وذلك أنه يوجد التعليم بالطبع يصدر من إنسان إلى إنسان بحسب قياس ذلك الإنسان المعلم من الإنسان المنعلم. والإشارات، لما كانت إنما هى تشبيهات لأمور قد أحست، فبين أنها إنما تستعمل لموضع المسارعة إلى الفهم والقبول له، وأنه إنما يفهم بما فيها من الإلذاذ لموضع التخييل الذى فيها. فهذه هى العلة الأولى المولدة للشعر.
पृष्ठ 206