قال: ولما كان المحاكون والمشبهون إنما يقصدون بذلك أن يحثوا على عمل بعض الأفعال الإرادية، وأن يكفوا عن عمل بعضها، فقد يجب ضرورة أن تكون الأمور التى تقصد محاكاتها: إما فضائل، وإما رذائل. وذلك أن كل فعل وكل خلق إنما هو تابع لأحد هذين: أعنى الفضيلة والرذيلة؛ فقد يجب ضرورة أن تكون الفضائل إنما تحاكى بالفضائل والفاضلين، وأن تكون الرذائل تحاكى بالرذائل والأرذلين. وإذا كان كل تشبيه وحكاية إنما تكون بالحسن والقبيح، فظاهر أن كل تشبيه وحكاية إنما يقصد بها التحسين والتقبيح. وقد يجب مع هذا ضرورة أن يكون المحاكون للفضائل، أعنى المسائلين بالطبع إلى محاكاتها، أفاضل، والمحاكون للرذائل أنقص طبعا من هؤلاء وأقرب إلى الرذيلة. وعن هذين الصنفين من الناس وجد المديح والهجو، أعنى مدح الفضائل وهجو الرذائل. ولهذا كان بعض الشعراء يجيد المدح ولا يجيد الهجو، وبعضهم بالعكس. أعنى يجيد الهجو ولا يجيد المدح. فاذن بالواجب ما كان يوجد لكل تشبيه وحكاية هذان الفصلان: أعنى التحسين والتقبيح. وهذان الفصلان إنما يوجدان للتشبيه والمحاكاة التى تكون بالقول، لا المحاكاة التى تكون بالوزن، ولا التى تكون باللحن.
وقد يوجد للتشبيه بالقول فصل ثالث، وهو التشبيه الذى يقصد به مطابقة المشبه به من غير أن يقصد فى ذلك تحسين أو تقبيح، لكن نفس المطابقة. وهذا النوع من التشبيه هو كالمادة المعدة لأن تستحيل إلى الطرفين: أعنى أنها تستحيل تارة إلى التحسين بزيادة عليها، وتارة إلى التقبيح بزيادة أيضا عليها.
قال: وهذه كانت طريقة أوميروش، أعنى أنه كان يأتى فى تشبيهاته بالمطابقة والزيادة المحسنة والمقبحة.
पृष्ठ 205